دير شبيغل: كيف يخفي السيسي عن العالم حقيقة الوضع بمصر؟
نشرت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية مقال رأي للكاتب كريستوف سودوف، تطرق من خلاله إلى غياب المنافسة في سباق الانتخابات المصرية. في الأثناء، لا بد أن يدرك العالم أن فوز السيسي ليس مقياسا للاستقرار، حيث تعيش مصر في حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية وتردّ غير مسبوق للأوضاع المعيشية.
وقال الكاتب، في تقريره إن مراكز الاقتراع في مصر فتحت أبوابها منذ صباح الاثنين، ولمدة ثلاثة أيام، أمام 60 مليون مصري يحق لهم أن يدلوا بأصواتهم. وعلى الرغم من أن النظام يبذل جهودا كبيرة لإقناع المواطنين بالمشاركة، إلا أن أغلب المصريين فضلوا عدم التصويت في هذه الانتخابات.
وأكد الكاتب أن سبب هذا العزوف الشعبي يعزى إلى أن الفائز معروف منذ البداية، ألا وهو عبد الفتاح السيسي، الذي سيحكم البلاد لأربع سنوات قادمة، وربما لمدة أطول من ذلك. وعلى الرغم من أن الدستور في شكله الحالي يمنعه من الترشح لدورة رئاسية ثالثة، إلا أن التلاعب بهذا الفصل في الدستور ليس بالأمر الصعب على السيسي، خاصة أن البرلمان والجيش يقفان وراءه.
وأوضح الكاتب أنه بعد سبع سنوات من إسقاط الدكتاتور مبارك، الذي حكم مصر لوقت طويل، نجح دكتاتور آخر في السيطرة على زمام الحكم فيها. ولا يمكن إخفاء هذه الحقيقة من خلال التظاهر بوجود منافسة بين السيسي وخصمه الوحيد، موسى مصطفى موسى. في الأثناء، تتابع كل من ألمانيا وأوروبا بلا مبالاة ما يجري في مصر، إلا أن الحكومة الفيدرالية الألمانية وقيادة الاتحاد الأوروبي لا يمكنهما مواصلة تبني هذا النهج.
وأضاف الكاتب أنه في مصر يعيش حوالي 100 مليون مواطن، ولا يفصلها عن أوروبا سوى البحر الأبيض المتوسط، علما أن تعداد السكان يزداد سنويا بمقدار مليون نسمة. بالإضافة إلى ذلك، تشهد مصر تخرج 800 ألف شاب من الجامعة ودخولهم سوق العمل. ويعدّ هذا الأمر بالنسبة لأي دولة في العالم تحديا ضخما، فكيف بدولة مثل مصر التي باتت مهددة بخطر الانهيار؟
وأفاد الكاتب بأن السيسي قدم نفسه منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، على اعتباره منقذا للشعب، معلنا أنه تمكن، من خلال الاستعانة بالجيش، من تجنيب البلاد فوضى سياسية والتعرض لانهيار اقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، ادعى السيسي أنه عمل على حماية البلاد من حرب أهلية، على غرار ليبيا أو سوريا، ومن المخاطر التي تواصل وسائل الإعلام التابعة للنظام ترديدها على مسامع الشعب المصري.
وحذر الكاتب من أن هذه الدعاية لم تؤثر فقط في صفوف بعض المواطنين المصريين، بل يبدو أنها تلقى أيضا قبولا في واشنطن وبروكسل وبرلين. ويبدو أن هذا هو التفسير الوحيد لموافقة الحكومة الألمانية، خلال السنة الماضية، على تصدير أسلحة لمصر بقيمة تفوق 700 مليون يورو. في الأثناء، لا يلقي العالم بالا لما يحدث في مصر للصحفيين والنقابات العمالية ونشطاء المعارضة، الذين يقع الزج بهم في السجن لسنوات دون محاكمة، أو يتم إخفاؤهم قسريا.
وأورد الكاتب أن هناك تساؤلات حول مدى الاستقرار الحقيقي الذي يمثله نظام السيسي. فعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات، التي ستعلن يوم الاثنين، ستصب في صالح السيسي الذي سيحظى بنسبة أصوات خيالية، إلا أن هذه اللعبة لم تتم في ظروف عادلة، وليست معيارا على مدى شعبية حاكم مصر. والجدير بالذكر أن دول الربيع العربي كانت تعيش استقرارا مشابها للوضع الذي يصدره السيسي للعالم، لكن ذلك لم يحل دون نشوب ثورة ضد حكامها.
ودعا الكاتب الدول الغربية إلى عدم الانسياق وراء وعود السيسي بضمان الاستقرار، فقد كان نظام حكم الدكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي يبدو أيضا مستقرا ومتماسكا، إلى أن أسقطه بائع متجول، في كانون الثاني/ يناير من سنة 2011. وقد تعرض المواطن التونسي إلى مظلمة من قبل قوات الشرطة، فأضرم النار في نفسه، مطلقا شرارة موجة من الاحتجاجات اجتاحت البلاد، وأسقطت الرئيس التونسي الأسبق في غضون شهر واحد.
وأشار الكاتب إلى أن الدكتاتور مبارك كان يبرز مدى سيطرته على زمام الأمور، إلى أن قامت الشرطة في الإسكندرية بضرب المدون خالد سعيد في الشارع حتى الموت. عقب ذلك، أنشأت صفحة الفيسبوك “كلنا خالد سعيد”، التي أصبحت منصة تجمع معارضي مبارك. وخلال أشهر قليلة ساهمت في إسقاط حكمه.
وفي الختام، حذر الكاتب من أن تعسف الأجهزة الأمنية، وارتفاع أسعار الغذاء، بالإضافة إلى انتشار البطالة في صفوف الشباب، وابتعاد الرئيس المصري عن واقع الشعب، كلها عوامل أدت إلى اندلاع ثورة ضد مبارك ونظامه قبل سبع سنوات. ولذلك، يجب على الحكومة الألمانية ألّا تنساق وراء وعود السيسي بتحقيق الاستقرار، بل عليها أن تنظر بشكل أعمق لحقيقة ما يحدث الآن في القاهرة.