تحقيق: وكالة الصحافة اليمنية//
مهدت المملكة العربية السعودية لموضوع تطبيعها مع إسرائيل بعديد وسائل، منها الدراما الرمضانية، وحالياً ” الحرم المكي ممثلاً بإمامه عبدالرحمن السديس.
ومن على منبر الحرم المكي، وفي مناسبات عديدة يمم السديس وجهه شطر المسجد الأقصى، ليس حباً في
فلسطين ولكن تقرباً وزلفى لإسرائيل الكيان المحتل الذي أصبح بمثابة “صديق حميم” أو هكذا يراد له أن يكون وأن نقبل به.
في خطبه “التطبيعية” يسوق أدلة من “السيرة النبوية” و”فقه السنة”، لكنها جعلته محل سخرية وأثبت للأمة الإسلامية كم هو “دجال ومبير”.
وشن الكاتب الفلسطيني محمد عايش، هجوماً شرساً على السديس وكشف عن فتاواه “المريبة” وكيف سخرها لخدمة فكر ضال، في حين تجاهل قضايا الأمة الإسلامة الكبيرة والمصيرية ورماها خلف ظهره ثم حين لزم الأمر خرج بفتاوى تخدم سياسة آل سعود ضارباً بالإسلام والأمة والقضية الفلسطينية عرض حائط مؤامراتهم القذرة.
فتاوى حسب الطلب
يقول الكاتب الفلسطيني محمد عايش، إن عبدالرحمن السديس لا يتردد في صرف فتاوى حلق اللحية، أو لبس البنطال، أو الاختلاط أو غير ذلك من العادات اليومية الطبيعية للبشر، لكنه لا يصدر فتاوى حول التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يشن عدوانا يومياً على الفلسطينيين في غزة والضفة وغيرها.
وأضاف عايش:”لم نسمع أي فتوى تُحرم التطبيع مع الاحتلال، ولا تُحرم التحالف مع العدوان، كما لم نسمع أي فتاوى تُحرم إغداق الأموال العربية بالمليارات لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي، بل كانت المفاجأة في خطبة صلاة الجمعة، من على منبر المسجد الحرام، التي تقوم بالتأصيل الديني والتبرير للتطبيع الخليجي مع الإسرائيليين، ويحاول فيها الشيخ السديس التلبيس على المسلمين بالحديث عن المعاملة الطيبة للنبي الكريم مع اليهود قبل 1400 سنة.
وأشار عايش إلى أن خطبة السديس تتضمن تدليساً وتلبيساً على الناس، بسبب أنها تتعمد الخلط زمنياً وموضوعياً، فمن الناحية الزمنية، فإن العلاقة الطيبة التي أقامها النبي الكريم مع اليهود تعود إلى ما قبل 14 قرناً، ولم يكن في ذلك الحين ثمة اعتداء على المسلمين، أو على سكان المدينة، وهنا فإن الأصل في العلاقة هي السلام والتواد والتراحم.
وتابع: أما الخلط الموضوعي، وهو الأهم والأخطر، فهو الخلط بين اليهود كأتباع دين سماوي وإسرائيل كقوة احتلال معتدية؛ فحقيقة الأمر أن سبب مقاطعة إسرائيل ليس كونها دولة يهودية، وإنما لأنها تحتل أرضاً عربية، وتعتدي يومياً على الفلسطينيين وتنكل بهم، وتريد سحقهم ومحو هويتهم بشكل كامل، وهذا لا علاقة له بالدين، وإنما لكون إسرائيل مشروعاً استعمارياً احتلالياً، قام على أراضينا العربية والاسلامية.
وقال الكاتب الفلسطيني في مقال له بصحيفة “القدس العربي”، إن ما قام به الشيخ السديس في الحرم، هو عملية استدعاء لنصوص دينية من أجل استخدامها في غير محلها ولا مكانها، وهو كلمة حق يُراد بها باطل، والتوقيت المشبوه يشهد على ذلك، فقد جاءت خطبة الترويج للتطبيع بالتزامن مع اتفاق التطبيع والاستسلام الإماراتي والبحريني مع إسرائيل، كما جاءت متزامنة مع محاولات التسويق والتبرير لهذه العلاقات التطبيعية المحرمة بين دول الخليج وإسرائيل، ولو كانت هذه الخطبة بريئة، لاقترنت على الأقل بإدانة لعدوان الاحتلال على الفلسطينيين والعرب، أو لاقترنت بإدانة اتفاقات التطبيع مع تل أبيب، لكن هذا لم يحدث.
توقيت مريب
ووفقاً لعايش، تأتي خطبة السديس أيضاً في الوقت الذي يصمت فيه أغلب مشايخ ورموز التيار الديني السلفي حيال ما يجري في المنطقة، وهنا بُعد آخر بالغ الأهمية يثير العديد من التساؤلات، إذ كيف يقبل أبناء هذا التيار، أن يتم استخدام منبر المسجد الحرام في التسويق لهذا الحرام؟ وهل لا يزال أبناء وأتباع وأنصار التيار السلفي يقتنعون، بأنّ الأغاني حرام والتطبيع مع إسرائيل حلال؟ وهل لا يزال هناك من يؤمن بشيخ سرعان ما يُفتي بتحريم حلق اللحية، بينما يتجاهل حُكم التطبيع مع الاحتلال، وحُكم مصافحة من تلوثت أيديهم بدماء أطفال فلسطين.. فضلاً عن مصافحة من يعتدون يومياً على المسجد الأقصى الذي هو ثالثُ الحرمين؟.
اتفاق سلام ووجهة نظر
في عام 1979 وقعت مصر اتفاقاً للسلام مع تل أبيب، وفي عام 1994 وقع الأردن اتفاقاً مماثلاً، وبين هذا وذاك أقام العديد من الدول العربية والاسلامية، علاقات سرية وعلنية مع إسرائيل، لكن هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها محاولة للتأصيل الديني لهذه العلاقات، ومحاولة لتحويل هذه العلاقات جزءاً من تعاليمنا الدينية، ولم يتم قبل هذه المرة استخدام الدين بهذا الشكل في التسويق لسياسات بعض الدول والحكومات. التبرير الديني لاتفاقات التطبيع الخليجية المخزية، هي عملية استخدام غير مسبوقة وغير معقولة للمنابر الدينية، كما أنها محاولة بائسة للاستخفاف بعقول الناس، ومحاولة لتغيير المفاهيم الدينية والثقافية بما يخدم الإسرائيليين، وهو ما لم يسبق اليه أحد من قبل، بما في ذلك مصر والأردن طوال العقود الماضية من العلاقات المباشرة التي يقيمونها مع إسرائيل.