مقالات وتحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
مفارقة ملفتة في التطبيع العربي مع كيان الاحتلال الاسرائيلي بين تطبيع الثمانينات والتسعينات وبين تطبيع الفين وعشرين. مفارقة تظهر ايضا اذا ما تمعنا في تطبيع اليوم بين الدول التي اعلنت تطبيعها للعلاقات مع الاحتلال حتى اللحظة اي الامارات والبحرين والسودان.
يحضرني في سياق الحديث عن التطبيع كلام اقل ما يوصف انه من ذهب للاديب الفلسطيني الكبير “غسان كنفاني” الذي اغتيل على ايدي الموساد الاسرائيلي قبل 48 عاما. كتب غسان كنفاني (ما هي معركة فلسطين بالنسبة للعرب في الروايات الصهيونية؟ انها بلا تردد ترف لا ضرورة له)
منذ خمسة عقود فهم غسان كنفاني حقيقة الانظمة العربية وموقفها الحقيقي من القضية الفلسطينة. وايضا فهم الاسرائيلي هذه الحقيقة، ولعب على وترها وبنى عليها ليصل الى الحالة التي نشهدها اليوم. القضية الفلسطينية ترف لا ضرورة له بالنسبة لهذه الانظمة. اليست هذه هي النظرة التي يمتلكها المطبعون لفلسطين؟ الا نسمع اليوم مطبلي التطبيع وهم يبررون خيانتهم بانهم دعموا فلسطين كثيرا ولم يحصلوا على اي مقابل؟ هذا النوع من التفكير هو اقصى ما يحلم به الاسرائيلي وقد حصل عليه، ويكفي النظر الى طبيعة الانظمة المطبعة (والتي تختلف عن شعوبها).
بعد فهم طبيعة هذه الانظمة وحقيقة موقفها من فلسطين، كيف تمكن الاسرائيلي من جمع هذه الدول على طاولة التطبيع؟
هنا يحضر كلام اخر لكنفاني، لا يقل قيمة عن الاول، فهو يقول ( يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك ان تشكرهم على كرمهم..يا لوقاحتهم).. المقصود هنا ليس الاسرائيلي فقط. فحين نقرا هذا الكلام يبرز تبرير المسؤولين السودانيين لخطوة التطبيع الاخيرة مع الاحتلال. يقول هؤلاء ان الشعب السوداني عانى كثيرا من وضعه في لائحة الدول الراعية للارهاب الاميركية وانه بحاجة ليعيش برفاهية ورخاء والتطبيع هو الثمن. لم يلتفت هؤلاء الى انهم يحكمون بلدا من اغنى الدول بالموارد الزراعية والطبيعية. انهم يحكمون بلدا قيل عنها يوما انه سلة الغذاء للعالم العربي. ولم ينتبهوا انهم لو حكموا بشكل سليم لن يحتاجوا للتطبيع لكي يعيش شعبهم برفاهية. لكن حين تسيطر الوقاحة التي تحدث عنها غسان كنفاني تصبح الامور كالتالي..(جوّعناكم لعقود واليوم سنعطيكم كسرة من الخبز لكن يجب ان تطبعوا وان تشكرونا على كرمنا).
قد يسال سائل ماذا عن دول طبعت وشعبها يعيش برفاهية؟ الجواب بسيط وهو ان هذه الدول تحديدا وصلت الى مرحلة الرفاهية بسبب رعاتها الغربيين وتحديدا الولايات المتحدة، ولم تصل لهذه الرفاهية بسبب سياسات وطنية سيادية. وبالتالي حين يطلب الرئيس الاميركي دونالد ترامب من زعيم احدى هذه الدول ان يتصل ويعلن التطبيع لا يوجد امام ذلك الزعيم الا الانصياع والتنفيذ (دون اعتراض) والا البديل حاضر.
هناك دول طبعت وستطبع ليس طمعا في الشبع بل طمعا في النفوذ والسلطة، وهناك دول طبعت وستطبع بحجة الجوع والفقر. وفي الحالتين يكشف المطبعون انهم كذبوا لعقود بانهم مع القضية الفلسطينية والحل الامثل في مواجهة هؤلاء في المعادلة التالية..
( اذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية فالأجدر بنا ان نغير المدافعين.. لا ان نغير القضية ) .. والكلام لغسان كنفاني
(حسين الموسوي- موقع قناة العالم)