الخليج (وكالة الصحافة اليمنية)
على الرغم من الإدانات العربية والإسلامية لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “المسيئة” إلى الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والتي ترافقت مع دعوات متصاعدة لمقاطعة المنتجات والسياحة الفرنسية، كانت السعودية آخر من تحدثوا بخجلٍ عن تلك الإساءات.
وبينما كانت شعوب العالَمين العربي والإسلامي تعتقد أن السعودية ستتزعم الجميع في تحريك دبلوماسيتها للضغط على فرنسا للاعتذار عن الإساءة إلى النبي والإسلام، والتهديد بمقاطعة المنتجات الفرنسية، فوجئ الجميع بلقاء وُصف بـ”الودي” بين أمير منطقة مكة “مكان ولادة النبي”، وسفير فرنسا في الرياض.
وعلى غير المعتاد كان الموقف السعودي “خجولاً” من تلك الإساءة، مقارنة بمواقف سابقة اتخذها مع الدنمارك بعد إساءة للنبي محمد قبل 15 عاماً، ما يطرح تساؤلات عن سبب هذا التراجع في مواقف المملكة.
الموقف السعودي
تسبب تصريح للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بقوله إن فرنسا لن تتخلى عن “الرسوم الكاريكاتيرية” (المسيئة إلى الرسول محمد والإسلام)، في موجة غضب بأنحاء العالم الإسلامي، وتتسع في بعض دوله حملات كبيرة مقاطِعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.
ورغم مسارعة كثير من الدول العربية والإسلامية إلى إصدار إدانات واستدعاء سفراء فرنسا للاحتجاج، أثار أمير منطقة مكة المكرمة غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بعد استقباله السفير الفرنسي لدى السعودية.
ونشرت وكالة “واس” الحكومية السعودية، في 25 أكتوبر 2020، خبر استقبال أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، السفير الفرنسي لدى السعودية لودفيك بوي، وقالت إنهما تبادلا أحاديث “ودية”.
وأشارت الوكالة إلى أنهما ناقشا خلال الاجتماع، “الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”، دون مزيد من التفاصيل، فيما لم يصدر أي بيان رسمي من الدبلوماسية السعودية حتى 26 أكتوبر.
ويبدو أن الرياض اكتفت بموقف خجول عبر هيئة كبار العلماء السعودية، التي أصدرت بياناً هوَّنت فيه الحادثة، قائلة: “إن الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لن تضر أنبياء الله ورسله شيئاً، وإنما تخدم أصحاب الدعوات المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية”، دون أن تتطرق إلى فرنسا ورئيسها، ودعت “العقلاء” إلى إدانة الإساءات.
وتابعت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء: أن “الإسلام أمر بالإعراض عن الجاهلين، وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ناطقة بذلك، فمقامه عليه الصلاة والسلام ومقامات إخوانه من الأنبياء والمرسلين محفوظة وسامية، قال الله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين). وقال سبحانه: (إن شانئك هو الأبتر)”.
مقاطعة منتجات تركيا!
وفي أعقاب الدعوات الواسعة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، شهدت بعض الدول الخليجية والعربية والإسلامية إجراءات فعلية، إذ بدأت حملات للمقاطعة انطلقت من القواعد الشعبية والجمعيات التعاونية والشركات التجارية والأسواق والمتاجر؛ احتجاجاً على الإجراءات الفرنسية الأخيرة، من بينها دول خليجية مثل قطر والكويت وعُمان والبحرين.
في المقابل، إلى جانب الإمارات، فإن السعودية تجاهلت تلك الدعوات، وواصلت وسائل إعلامها ونخبها السياسية والإعلامية الدعوة إلى مقاطعة المنتجات التركية.
وهاجم كُتاب سعوديون الحملة الشعبية في العالم العربي، التي تدعو إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، واعتبروا أن الحملة تأتي بهدف التشويش على حملة مقاطعة المنتجات التركية، التي أُطلِقت برعاية شبه رسمية في السعودية منتصف أكتوبر.
ومن بين الكُتاب السعوديين الذين اعتبروا الدعوات إلى مقاطعة منتجات فرنسا هروباً من حملة مماثلة لمنتجات تركيا، الكاتب بصحيفة “الجزيرة” السعودية محمد آل الشيخ، الذي قال: “يبدو أن الدويلة وجماعة الإخونج يدعون إلى مقاطعة فرنسا بدلاً من تركيا.. وهذا ما يُثبت أن المقاطعة أصابت أردوغان في مقتل.. المهم استمروا، لأن سقوطه سقوط للمعقل الرئيس للإخوان الإرهابيين”.
أما رجل الأعمال السعودي منذر آل الشيخ مبارك، فقد رأى أن نصرة النبي تأتي من مقاطعة البضائع التركية، قائلاً: “انصر نبيك واستمرَّ في #مقاطعه_المنتجات_التركيه، وتذكَّر أن الإساءات التي تأتي من أي مكان مرفوضة”.
الرياض مشارِكة في الإساءة
وعن اتهام السعودية بتجاهل قضية إساءة فرنسا إلى النبي، يقول رئيس حركة “الإصلاح” المعارضة بالسعودية، سعد الفقيه، إن هذا الاتهام يعتبر “تهويناً للقضية”، لأنه يرى أن السعودية “مشارِكة في هذه الإساءة”.
وأوضح “الفقيه” قائلاً: “هي ليست متهمة بتجاهل هذه الإساءات، بل الاتهام الحقيقي الذي عليه الدليل الصارخ، هو أنها تشارك في الإساءة إلى النبي والإسلام والقرآن والمسلمين في كل مكان، والإساءة إلى إرث النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال العلماء والدعاة”، على حد تعبيره.
وفي حديثه، أكد أن “كل هذه الإساءات تساهم هي فيها وتدافع عمن يسيء وتحميه، وتدعم من يسيء إلى النبي حتى في داخل بلادنا”، حسب قوله.
وعن مواقف السعودية السابقة الرافضة للإساءات إلى النبي، يرى “الفقيه” أنها “لم تتبدل منذ وصول الملك فهد للسلطة، لأن الحكومة السعودية تتآمر ضد الإسلام وتعاونت مع كل القوى ضد الإسلام، في السودان واليمن والعراق وأفغانستان”، حسب وصفه.
واستدرك قائلاً: “كانت لا تصرح في الوقت الذي تكيد فيه للإسلام، لكن الفرق الجديد أن محمد بن سلمان يتشدق علناً بمحاربة الإسلام والدعاة والحركات الإسلامية”.
موقف سابق للسعودية
ولعل ما أثار استياء كثيرين من السعودية، تناقضها بين مواقفها السابقة والحالية، ضد الإساءات والتي وصلت إلى حد سحب سفرائها والدعوة إلى مقاطعة منتجات تلك الدول.
ومن بين تلك الأحداث، في يناير 2006، عندما أعلنت الحكومة السعودية استدعاء سفيرها من الدنمارك؛ على خلفية نشر صور كاريكاتيرية مسيئة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الصحف الدنماركية، وموقف الحكومة من ذلك.
كما قال وزير الداخلية السعودي حينها نايف بن عبد العزيز، إنه ليس هناك من يستطيع أن يضغط على المملكة بأي شيء لتُغيِّر موقفها في أمر أساسيٍّ مثل نشر الرسوم التي تسيء إلى الأنبياء.
وجاءت كلمات الأمير نايف، خلال مشاركته في اجتماع وزراء الداخلية العرب بتونس في فبراير 2006، في مقابلة مع قناة “بي بي سي” حول التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات على السعودية، بسبب مقاطعة منتجات الدنمارك، بحجة أن هذه المقاطعة مخالفة لاتفاقيات منظمة التجارة.
وكانت السعودية بدأت، في يناير من العام ذاته، حملة واسعة لمقاطعة المنتجات الدنماركية، كما أعلنت عدة شركات توزيع، سحب تلك المنتجات من مراكز التسوق، رداً على الإساءة إلى النبي، بعد دعوات إلى المقاطعة تزعَّمها رجال دين وعلماء ومفكرون.