حالات تجعل الوالدان شيبا ، ونساء لسان حالهن ” ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ” ، آخرون يستعيذون بالله من قهر الرجال وغلبة الدين وفقدان الصحة ، ودنو الأجل ؛ في مشهد تراجيدي هو أقرب إلى الخيال منه الى الواقع ، يُظهر عشرات المصابين بامراض وتشوهات واوبئة ، يعتبرون “الحرب العدوانية” هي السبب الأول في حدوثها.
منظمات لاتجيد سوى الوعود والتقاط عشرات الصور التي تتزين بها مواقعهم وتقاريرهم للمتاجرة بها ، ووسائل اعلامية لاهم لها سوى تبرئة الحرب من المسئولية وتحوير هذه المشكلة تحت مسميات سياسية.
أكثر من مليون حالة مصابة بوباء الكوليرا ومئات الاصابات بالسحايا والدفتيريا والسارس وضعف في خدمات اغلب المراكز والمنشآت الطبية الذي انعكس بدوره على الحالة الصحية لمرتاديها، ووضع صحي يحاصر المواطن بين ثالوث الأمراض السريرية والنفسية والاوبئة ويضعه ضحية لهذه الحرب.
ما ذنب طفلي ؟
نجونا من الضربة الجوية باعجوبة وشعرت حينها باني ولدت من جديد ، انتقلت انا وعائلتي الى العاصمة صنعاء قادمين من صعدة ، يقول مطهر الريمي احد العاملين في منطقة رازح احدى مناطق محافظة صعدة ، ان زوجته ولدت بعد سبعة اشهر من الضربة وان مولوده ظهرت عليه بعض النتوءات والتشوهات الجسدية ، يعلم مطهر؛ ان الكثير من الحالات المشابه لمولوده ناتجة عن استخدام اسلحة كيميائية محرمة دوليا تعود نتائجها بالسلب على المواليد ، تصيبه العبرة اثناء الحديث ويقول ” ماذنب طفلي ؟!” .
مطهر الريمي ومثله العشرات في مناطق النزاع المسلح في اليمن يقعون ضحايا للحرب على اليمن وتبعيات استخدام الاسلحة المحرمة دوليا من قبل قوات التحالف.
تقول اخصائية الصحة الانجابية الدكتورة بشرى الاهدل ان ظاهرة التشوهات الجينية للاطفال برزت وبشكل مخيف في الاونة الاخيرة خصوصا القادمين من محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز وان هذه التشوهات تتنوع بين بروز للاعضاء الجسدية او تشوه لاحد هذه الاعضاء.
وتحدثت الاهدل عن صعوبة الجزم بان الاسلحة المستخدمة هي المسبب الوحيد لمثل هذه التشوهات ، غير ان استخدام الاسلحة الكيميائية في العدوان حسب قولها يعد احد ابرز الاسباب لمثل هذه الحالات وان اكثر من 97 % من الحالات الوافدة يشتبه اصابتها بسبب هذه الاسلحة ، كون هذه الحالات قريبة من مناطق القصف.
منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس واتش وجهتا في يناير العام الماضي اتهامت مباشرة للسعودية باستخدام اسلحة محرمة دولية في حربها على اليمن.
وقالت المنظمة الدولية في بيان ان السعودية القت اسلحة كميائية وقنابل عنقودية انشطارية في احدى ضرباتها على العاصمة صنعاء ، توالت التقارير الخاصة بالمنظمة على استخدام طيران التحالف لهذا النوع من الاسلحة في ضرباته الجوية على اليمن ، فيما حذرت المنظمة من نتائج هذه الاسلحة على المواطنيين.
هيومن رايتس واتش هي الأخرى أوضحت في تقرير صادر لها عن استخدام التحالف للاسلحة الكيميائية مما يعرض حياة آلاف للخطر.
واوضحت دراسة بحثية أعدتها مجلة الصحة العامة الامريكية ان هذه الاسلحة تحتوي على مواد تؤدي الى الاضرار بالاجهزة العضوية للانسان وان استمرار التعرض لمثل هذه المواد قد يؤدي الى تشوه الأجنة وزيادة حالات الإجهاض وموت الجنين داخل الرحم.
سلسلة الأوبئة
تدخل الانفلونزا أخيرا ضمن سلسلة الأوبئة التي تصيب اليمنيين لتحصد ارواح الاف ، حيث اعلنت وزارة الصحة العامة والسكان عبر المتحدث الرسمي للوزارة عبدالحميد الكحلاني عن الاشتباة بإصابة اكثر من 100 حالة بانفلونزا الطيور واضاف ان هناك اكثر من 30 حالة تعرضت للوفاة بسبب الانفلونزا.
في ذات السياق اعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر عن اصابة مليون حالة بالكوليرا خلال العام 2017 واعلنت منظمة الصحة العالمية عن تسجيل مايزيد عن 500 حالة بداء الدفتيريا منها 66 حالة تعرضت للوفاة.
البيان الرسمي للصليب الاحمر أكد ان عدد الحالات المصابة بالاوبئة في اليمن كبير جدا وان العدد صادم ويعكس معاناة بلد به حرب وحشية.
واوضح طارق جاسرفيتش المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية ان محافظتي الحديدة واب هما اكثر المحافظات تعرض للاصابة بالأوبئة وان معدل الوفيات تخطى حاجز ال10% من اجمالي حالات الاصابة.
الدكتور احمد السقاف اوضح ان الحصار الجائر على اليمن والحرب العبثية التي تقودها دول التحالف وحالات المجاعة واقتصار دخول الادوية والمساعدات الطبية على المنظمات خلال فترات متباعدة ادى الى انتشار الكثير من الأوبئة والامراض وعلى راسها الكوليرا والسحايا والدفتيريا وموخرا انفلونزا الطيور. وبين السقاف ان العدوان على اليمن ادى الى تعطل وظائف وزارة الصحة والمنشآت الطبية عن العمل ، عوضا عن تعرض بعضها للقصف ، واضاف ان هناك الكثير من الحالات التي لم تصل ولم تسجل في كشوفات مكاتب الصحة وان الاعداد اكبر بكثير من المسجلة.
أساطير الجن!
لاتزال ام يونس ٤٨ عامًا غير مصدقة بان القوة التي دفعتها من غرفتها نحو الصالة كانت قوة بشرية وانما خُيل لها أن أساطير الجن والعفاريت التي تلتها يوما على حفيدها قد دفعتها بتلك القوة الهائلة.
” رأيت الموت أمام عيني ” هكذا علقت امامي باكيةً عندما وصفت لي ماجراء لها في الواحد والعشرين من مارس العام الماضي.
اصبح تحليق طائرات التحالف بسماء العاصمة متزامنًا مع تناول تلك السيدة لأدويتها المهدئة ، وعن ما يصيبها فور سماعها لأصوات الانفجارات فإن الحال يتغير وأنت ترى مسنة تبكي بحرقة الاطفال.
ام يونس والآلاف من المواطنين القابعين ضمن مناطق القصف والحرب الدائرة في اليمن أصبحوا مصابين بامراض مختلفة تنوعت مابين امراض نفسية واخرى سريرية.
وضمن احصائية مبدئية للعديد من المستشفيات والمراكز الصحية فان نسبة المصابين بأمراض مثل التبول اللاإرادي والسكر والقلب والضغط والرهاب قد ارتفع خلال فترة العدوان القائم الى ٢٠٠٪ وخصوصًا في محافظات ( صنعاء ، تعز ، مارب ، البيضاء ، حجة ، عمران ، صعدة ).
استقبلنا المئات من الحالات المصابة باعتلال عضلة القلب ( Cardiomyopathy ) خلال الفترات التي مرت بها المحافظات بالعمليات العسكرية للطيران السعودي ولاحظنا ان هناك ازدياد ملحوظ في عدد المصابين بالمرض بنسبة قد تصل الى ٢٣٪ من العام ٢٠١٣/٢٠١٤م هذا ماقاله الدكتور بندر المسوري اخصائي امراض قلب ، واضاف الاصابة بمرض اعتلال القلب خاضع لعدة أسباب لعل أبرزها الخوف الشديد و الصدمات المفاجئة التي يتعرض لها الشخص.
الدكتور امين الوائلي احد العاملين في مستشفى الثورة العام بصنعاء قال: وصلتنا عشرات الحالات – من ضمنهم ام يونس – المصابة باعتلال عضلة القلب الناتجة عن الصدمات الشديدة والأحداث الكبيرة التي تصيب العضلة بحالة توقف او اعتلال او تعطلها جزئيًا عن العمل ، احداث صنعاء متمثلة في انفجار جبل نقم وعطان كان لهم الدور الكبير في ارتفاع عدد الحالات في العاصمة.
ووفقًا لكشوفات مستشفى الثورة العام بمحافظة تعز فان نسبة المصابين بمرض اعتلال القلب بالمحافظة خلال مرحلة المواجهات المسلحة قد وصل الى ٧١ حالة.
امراض اخرى اصيب بها العديد من المواطنين وخصوصًا كبار السن ، الحاج حاتم ٦٣ عامًا أحدهم لايكاد يبرح مكانه حتى يرافقه صديقه الجديد المتمثل في كيس ادويته ، حتى وان كانت وجهته نحو المسجد،لم ينسى بعد انه فقد عائلته دفعة واحدة في قصف متبادل أثناء المواجهات الدائرة بمحافظة تعز.
يرفض الحديث دائما فما عساه يقول عن عائلة شكل معها مفردات حياته وبناء مع أفرادها مكنونها التي لطالما حلم بها – رأيت ذلك في عينيه -وكأنه يخبرني انه ليس الاخير مر من امامي متجها نحو طبيبه الذي يصطف أمامها العديد ممن يحملون كابوس الحاج حاتم ، العشرات في تعز والمئات في صنعاء وعمران وحجة …الخ.
أصبحوا ضمن قائمة المصابين بأمراض مثل السكري والضغط والتبول اللاإرادي بسبب غارات طيران التحالف.
وفي مجمل حديثه حول الأمراض التي تسببت بها الحرب العدوانية على اليمن اوضح الدكتور بندر ان هناك آلاف الحالات التي اصيبت بامراض الدم والقلب خلال مرحلة العدوان على اليمن. وبين ان هناك اشخاص مصابون بامراض مثل السكري وضغط الدم من قبل ولكن بفعل العدوان أصبحت حالتهم اكثر سوا.
وعن الحالات التي وصلت المستشفيات خلال مرحلة العدوان اوضح انه لاتوجد احصائيات معينة حول عدد المصابين بهذه الامراض ولكن هناك اقبال شديد على المستشفيات والمراكز الصحية خلال الفترة الماضية.
هذا ما اثبته منصور حسان صيدلاني حيث اشار الى ان اقبال المواطنين على شراء أدوية مثل ( الأسبرين ، الانسولين ، قطر الحديد …) قد ارتفع خمسة أضعاف مقارنة بالفترة التي سبقت العدوان.
معللًا ذلك بالخوف الشديد الذي يصيب المواطنين جراء احداث القصف والمواجهات المسلحة التي تتعرض لها المناطق الواقعة تحت خط النار.
يضيف الدكتور حامد القبسي ان الحرب القائمة قد اوقعت العديد في دائرة امراض القلب والدم.،وقال : اغلب الامراض تكون ناتجة عن تدهور الحالة النفسية للمريض وتتطور لتنعكس بعد ذلك على الحالة الصحية للمريض.
مراكز السرطان وغسيل الكلى هي الاخرى اصابتها لعنة هذه الحرب العدوانية ، حيث اصبحت اغلب هذه المراكز مهدده بالاغلاق. اللجنة الدولية للصليب الاحمر أعلنت ان الالف اليمنين المصابين بالفشل الكلوي مهددين بالوفاة مالم تمد مراكز الغسيل بالادوية والاجهزة الازمة. واوضحت اللجنة ان 25% من حالات الاصابة بالفشل الكلوي اصيبت بالوفاة في مجمل المعدل السنوي للجنة.
هذا وقد تم اغلاق 4 مراكز للغسيل الكلوي من اجمالي 32 مركز بسبب الحصار الذي تفرضه دول العدوان ونقص المواد التشغيلية لهذه المراكز. ويعاني اكثر من 4000 مريض بالفشل الكلوي ويحتاجون الى جلسات الغسيل بشكل دوري.
فوبيا الحرب
مبارك ١٢ عامًا طفل لم يعد يستطيع الخروج إلى تلك الأزقة والشوارع الرملية بدرجاته الهوائية كسابق عهده، مجرد سماعه لأصوات مشابه للطائرات الحربية مثل الدراجات النارية والسيارات كفيل بإصابته بحالة خوف وهستيريا شديدة.
مبارك الآن مصاب ب”افيوفوبيا” وهي حالة خوف شديدة من اصوات الطائرات.
محمد ١١عامًا هو الاخر اصبحت رؤيته لأي سلاح كفيلة بتحويل هدوئه الى هستريا بكاء شديدة بعد إصابته ب” باليتوفوبيا” وهي حالة خوف شديدة من الرصاص والسلاح حالتين تعلق عليهما الدكتور / زهرة جميل اخصائية علم نفس بقولها : الأمراض والحالات النفسية هي نتاج واضح لحالة الخوف التي يعيشها المريض.
لدينا أكثر من ١٥٠ حالة تصيب الاطفال وكبار السن حتى الشخوص العاديين، هناك حالات وانواع مرضية تكون ملازمة للحرب من ضمنها الاكوستيك فوبيا وافينوفوبيا وباليتوفوبيا وغيرها، كلها ناتجة عن حالات الخوف الشديدة من الحرب ومن أصوات طائرات التحالف و المدافع والانفجارات.
وتضيف هناك آلاف المصابين بامراض نفسية نتيجة الحرب في اليمن ، تتنوع تلك التأثيرات مابين خفيفة تبدأ بالرهاب والخوف الطبيعي وتتطور تدريجياً حتى تصل الى مراحل معقدة.
وعن نسبة المصابين بالامراض تعلق الدكتور زهرة بان الاقبال على مراكز العلاج النفسي ضعيف جدا بسبب الثقافة السائدة ولكن بالرغم من ذلك في الإقبال خلال المرحلة القائمة كان كفيل بملاحظة ارتفاع نسبة الاصابة بهكذا امراض.
مستشفى الامل للامراض النفسية في صنعاء أكد وصول عشرات الحالات يوميا للعلاج بسبب الامراض النفسية الناتجة عن الحرب العدوانية وقال ان هناك اكثر من 70 حالة تزور المستشفى يوميا للعلاج واغلب الحالات يتم تشخيصها على انها حالات فوبيا وتوترات عصبية.
ووفقاً لدراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري يقدر عدد المتضررين نفسياً من الحرب بحوالي خمسة ملايين و455 ألفاً و348 متضرراً.