تتزايد الاغتيالات في مدينة تعز ويتزايد معها الغضب الشعبي الذي يحركه الخوف من جرهم إلى واقع أكثر مأساوية من الذي يعيشونه الآن.
وتتسع خارطة الانفلات الأمني وتتوزع عبوات القتل الناسفة على الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية ووصلت فعلاً إلى المطاعم وحتى المساجد.
وتوفي ظهر اليوم امام وخطيب جامع العيسائي في تعز عمر دوكم متأثراً بجراحه الخطيرة، بعد ثلاثة أيام على محاولة اغتياله بعد خروجه من صلاة الجمعة برصاص مسلحين كانا على متن دراجة نارية.
ومجدداً خرج مئات من أبناء تعز يوم أمس للتنديد بالأعمال الإرهابية والتفجيرات ونهب الممتلكات العامة والخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة مسلحي التحالف.. الأصوات المحتجة تلك هي ذاتها التي صاحت ونددت واستنكرت وطالبت، منذ ثلاثة أعوام دون جدوى، ولم تحدث أي فارق، فما زال الرعب يفرض سطوته على المدينة التي وقعت في فخ “التحالف” الذي جرها إلى العنف ومسلسل طويل من الاغتيالات والصراع المسلح وسلمها للقاعدة وداعش ومجرمي السجن المركزي الذين أطلقوهم ليعيثوا قتلاً وفساداً في أرجاء مدينة أصبح الأمن أغلى أمانيها.
ولم تعد المساجد آمنة في تعز، كما هو حال المدينة بأكملها، فقد تكررت عمليات الاغتيالات والعبوات الناسفة التي تنفجر أمام أبوابها، وتستهدف مصلين وعسكريين وسياسيين وأئمة وخطباء، أخرها حادثة الاغتيال التي حدثت أمام جامع العيسائي وسط تعز بعد خطبة وصلاة الجمعة الفائتة، استهدفت خطيب المسجد عمر دوكم القيادي الإصلاحي البارز الذي أصيب بجروح خطيرة عانى منها ثلاثة أيام ثم توفي اليوم الاثنين، فيما قتل صديقه التربوي رفيق الأكحلي من فوره.
تأتي واقعة الاغتيال هذه في حين طفت على سطح “تعز” صراع نفوذ سياسي وعسكري بين الإصلاح وخصومه الكثيرين وعلى رأسهم الناصريين وأبو العباس ومسلحيه الذين يحركهم التحالف وخاصة الإمارات التي خططت بخبث ودهاء للقضاء على حزب الإصلاح في تعز، من خلال استهداف قياداته السياسية والميدانية وناشطيه.. المخطط الإماراتي طبخ على نار هادئة، وعند معرفة أبرز المنفذين له ستتضح الصورة الكاملة لسيناريو صراع مرعب ، “القتل” خياره الوحيد.
أصل الحكاية
ترتيبات حثيثة ، ضمن خطة انتشار أمني في عدد من مديريات محافظة تعز التي يسيطر عليها مسلحي التحالف، تسير في طريق القضاء على “الإصلاح” بمليشياته وقياداته السياسية وحتى المتفرغة للخطابة في المساجد.
خطة الانتشار الأمني التي وضع لها مبرر “محاربة الإرهاب” تعودت عليه الإمارات في معاركها ضد الإصلاح في حضرموت وشبوة، سٌخر لها أربعة ألف مجند من منتسبي الحرس الجمهوري والأمن المركزي، تم تجميعهم أولاً في معسكر بدر في عدن وتم نقلهم إلى معسكر تدريبي في مديرية “المخا” .. فتحركات الإمارات في الشهرين الأخيرين متسارعة.
ولكن كيف خططت الإمارات ومن هم ادواتها ومنذ متى ولماذا ؟ّ!..اسئلة تحتاج إلى تفصيل دقيق وموجز سيأتي في السطور المقبلة التي تحمل مفاجأت وتكشف عن مؤامرة خبيثة استهدفت تعز بأيدي أبنائها، أغرقتها في الفوضى والخراب والقتل، فيما تجهزها لما هو أسوء من ذلك بكثير.
وتكشفت الخطة الإماراتية للسيطرة الكاملة على “تعز”.. وأدواتها هم حمود خالد الصوفي الذي يدير المخطط من أبوظبي وطارق صالح ميدانياً مسنوداً بأبي العباس ومسلحيه الذين هم خليط من سلفيين متشددين ومن تنظيمي داعش والقاعدة بالإضافة إلى الناصريين.. فيما يلعب أمين أحمد محمود المحافظ المعين بضغوط إماراتية دوراً ادارياً بالغ الأهمية.
الشركاء المذكورين في السطور السابقة جمعهم أمرين أولاً كراهيتهم لحزب الإصلاح وقياداته وحتى قواعده الذين يسيطرون على مناطق كثيرة داخل مدينة تعز ولهم طبعاً أجندتهم الخاصة التي تتوافق مع دولة قطر عدوة الإمارات اللدود. .وثانياً الدعم الإماراتي السخي الذي مكن أبو العباس ومن معه عملياً من مناطحة الإصلاح بل والتقاسم معهم لمناطق عديدة لم يكن الاصلاحيين يتخيلون أنها ستخرج من تحت أيديهم، لكن ذلك حدث، ويبدو أن مدينة تعز في الأيام المقبلة ستخضع بالكامل للإرادة والإدارة الإماراتية.. والحديث هنا عن المناطق الواقعة تحت سيطرة مسلحي التحالف.
ومنذ وقت طويل قررت أبوظبي السيطرة على محافظة تعز، كي تؤمن مدينة المخا وشريط الساحل الغربي الذي يصل إلى باب المندب، فزرعت رجالها داخل مدينة تعز في المناطق الواقعة تحت سيطرة مسلحي التحالف وقوت حضورهم من خلال دعمهم بالمال والعتاد العسكري، فضلاً عن دعم لوجستي.
وقد استطاعت الإمارات بمباركة سعودية من إدخال تعز في معمعة حرب خصصت أصلاً لتدمير المدينة، مستخدمة بصورة خبيثة ورقة الدين والمناطقية والمذهبية لتعزيز الدافع العاطفي لدى شريحة من أبناء تعز هم في الغالب حزبيين أو متشددين أو عصابات معروفة بسوابقها الإجرامية في القتل والنهب والبلطجة.
ويدور صراع لم يعد خافياً بين تلك الفصائل والأحزاب التي عملت تحت راية التحالف، وبات معروفاً من يدير الصراع ومن هم أدواته وكيف تأمروا جميعهم على تعز وحولوها إلى مدينة مدمرة، متناحرة، تفوح منها رائحة الكراهية التي لا تليق بمدينة حالمة كانت أرقى من الطائفية والمذهبية إلى أن سلمت زمام أمرها للرياض وأبوظبي.
وعملت الإمارات على خلق شبكة تدين بالولاء لها، ووفقاً لتسريبات مؤكدة فإن حمود خالد الصوفي القيادي المؤتمري والمعروف بولائه المطلق لصالح والمتواجد حالياً في الإمارات قد كُلف قبل فترة بتشكيل خلية إعلامية تعمل على الترويج لضرورة التواجد الإماراتي في تعز عبر أولاً تمكين طارق صالح من إدارة المعركة هناك، وثانياً من خلال ما يسمى بقوات الحزام الأمني، وتنشر فضائح قيادات الجيش والمسلحين الموالين للتحالف وتحديداً التابعين لحزب الإصلاح.
مهمة الصوفي ذات أبعاد عديدة وخطيرة، فالرجل الذي يعرف تعز جيداً كونه أحد أبنائها وقد كان محافظاً لها لأكثر من خمس سنوات، كما أنه معروف بكراهيته للإصلاحيين وقربه من الناصريين الذي جاء منهم إلى حزب المؤتمر الشعبي العام.
وعليه فإن الإمارات رأت فيه خياراً نافعاً لمخططها خاصة وأنه سيكون مدعوماً – حسب التوجيهات الإماراتية – من قبل المحافظ أمين محمود وأبو العباس والناصريين، وعديد فصائل مسلحة استطاعت الإمارات تطويعهم وفقاً إرادتها بعد أن أجزلت لهم العطايا ووفرت لهم كل ما يحتاجونه من عتاد تسليحي جعل فرق الإمكانيات واضح بينهم وبين خصومهم الإصلاحيين.
وتقول مصادر خاصة أن حمود الصوفي استطاع استقطاب عدداً لابأس به من جنود الحرس الجمهوري والأمن المركزي المنتمين لمحافظة تعز وخاصة من قبائل المخلاف وشرعب وتم تجميعهم إلى معسكر طارق صالح في عدن حيث صُرف لهم رواتب لهم ومكافأت مالية بغرض إعادة تأهليهم وتجهيزهم لمعركة السيطرة على مدينة تعز.
ومن ضمن مهام حمود الصوفي – بحسب مصادر خاصة – تشكيل فرق اغتيالات على غرار عدن، تستهدف سياسيين وعسكريين ورجالات دين وناشطين، ويبدو أن الصوفي وطارق من خارج تعز، ومحمود وأبو العباس من داخلها ، بدأوا فعلاً في تنفيذ ذلك المخطط داخل تعز منذ مدة ليست قليلة مطلع العام الجاري، فعمليات الإغتيالات شبه اليومية شهدت ارتفاعاً لافتاً خلال العام الفائت وتزايدت بعد ظهور طارق صالح مطلع العام الجاري لتشمل عناصر من الشرطة العسكرية أو شخصيات عسكرية تابعة للإصلاح وغيرهم.
ومنذ وصول حمود الصوفي رئيس جهاز الأمن السياسي الأسبق إلى أبوظبي وصناعته كرجل للإمارات مهمته اختراق ما يسمى بمقاومة تعز، وقد أكدت أنباء صحفية أن استقطاب الصوفي كان جزء من عملية أوسع تم خلالها استقطاب عدد كبير من ضباط الأمن القومي وجهاز مكافحة الإرهاب ونقلهم إلى أبوظبي مع الملفات الخاصة بعمليات مكافحة الإرهاب، وذلك بالتنسيق مع أحمد علي صالح.
ووفق احصائية رسمية، شهدت تعز أكثر من 200حالة اغتيال العام الفائت وحوالي 15 منذ مطلع العام الجاري، صنفت كاغتيالات سياسية نفذت بمسدسات كاتمة للصوت واستهدفت ضباطاً وجنود وعناصر من مسلحي التحالف، وحتى مواطنين مدنيين عاديين.
وتركزت الاغتيالات في مناطق الجمهوري وباب موسى والباب الكبير والمجلية، وكلها تقع تحت سيطرة كتائب أبو العباس، ويصعب على أجهزة الأمن التابعة لهادي دخولها بسبب التفاوت الواضح في مستوى التسليح.
ومن ضمن المخطط ، سرقة كابلات الاتصالات بغرض قطع الاتصال داخل المدينة في المناطق المسيطر عليها مسلحي التحالف، بصورة لافتة.. فقد كانت عصابات سرقة الكابلات معروفة وتتحرك علانية، كما أنها كانت تمتلك المخطط الرسمي الخاص بمواقع تلك الكابلات، وهذا يثبت تواطؤ جهات رسمية في حكومة بن دغر وداخل تعز.
ومؤخراً استطاعت الخلية التي تدير ذلك المخطط الخبيث من أبوظبي الهادف لدفع تسليم تعز للإمارات من حشد قرابة 4 ألف من عناصر الحرس الجمهوري والأمن المركزي داخل معسكر بدر في عدن الذي يديره طارق صالح والهدف معروف، معركة مقبلة تقضي على تواجد مليشيات الإصلاح في تعز ..إما ذلك أو سيكون هناك صراعاً عنيفاً داخل المناطق التي يسيطر عليها مسلحي التحالف الذين هم مجاميع من عناصر تابعة لتنظيمي القاعدة وداعش أو من مجرمين تم اخراجهم من السجن المركزي في تعز قبل عامين تقريباً وبالتالي فإن الاقتتال بين تلك الجماعات وارد كخطوة بديلة في حال عجزت الإمارات من السيطرة الكاملة على تعز.
ومن المثير للسخرية أن محاربة “القاعدة وداعش” ساقتها الإمارات كمبرر لتولي ما تسمى بقوات الحزام الأمني مسألة ضبط الأمن في تعز، في حين تدعم الإمارات نفسها قيادات وعناصر ميدانية تنتمي للتنظيمين وتضعهم في قوائم الإرهاب الخاصة بها، أو في قوائم الإرهاب التي أعلنت عنها كل من أميركا والسعودية..!
ويري ناشطين محسوبين على “الناصري” أن الإصلاح خسر تعز ولم يعد موثوقاً به حتى مستقبلاً.. مؤكدين أنه سيكون حالة من الاستمرارية بين صراعين صراع يمثله الإصلاح بشكله واستغلاله وتفكيره الضيق وتجسيده لحالة التدمير والعنف والفساد وبين ما أسموه بمشروع تعز الذي يرفض الاحتكار والكذب والتضليل والتلاعب والمناقصات والمقاولات في كل شيء.
وتعالت أصوات الناصريين مطالبة بأحقية المحافظ المحسوب عليهم اتخاذ الإجراءات المتعلقة بالشأن العسكري باعتباره رئيس اللجنة الأمنية التي يعد ما يسمى بقائد المحور خالد فاضل نائب له.. وذلك بعد اشتداد الخلافات بين أمين محمود وخالد فاضل وقيادات من مناطق صبر والحجرية وشرعب وأبو العباس والإصلاح.
فيما وصفت قيادات وناشطين اصلاحيين ما يقوم به الناصريين وبقية خصومهم بأنه (أشرس وأخبث حملة إعلامية في تعز) تستهدف ما أسموه بالجيش الوطني والاصلاح والشرعية باستثناء المحافظ، ينفذها اعلاميون حزب متطرف وجماعة ارهابية ويعتقد ان من يديرها حمود خالد الصوفي من أبوظبي ، بحسبهم .