وكالة الصحافة اليمنية//
منذ أن بدأت الحرب على اليمن تحت ما سمي بـ (عاصفة الحزم) في مارس 2015، انقسم اليمنيون ما بين ضحايا للحرب، أو فريسة للكوليرا، أو واقفين على حافة المجاعة، أو عائدين إلى البلاد بعد الترحيل القسري من السعودية في انتظار نصيبهم من المهلكات، وفي ظل هذا الوضع لم تخل البلاد من أي مرض اقتصادي يمكن توقعه، بداية من الفقر والبطالة، ومرورًا بالتضخم وانهيار العملة المحلية، وصولًا إلى نفاذ الاحتياطي وفقدان الحكومة للسيطرة، وما زالت البلاد تستكمل مسيرتها في خسارة ما تبقى من الاقتصاد، ولا زالت حتى الآن الحلول بعيدة أمام الأزمة الإنسانية والغذائية والمالية، وتلبية الاحتياجات العاجلة، وإعادة الإعمار.
خلال هذه الرحلة العصيبة التي دخلت في عامها الرابع، كانت السعودية اللاعب الأهم في هذه الأحداث، فبعيدًا عن الدور العسكري والسياسي بات دور السعودية الاقتصادي محوريًّا في اليمن، ولعل ما حدث مع انهيار الريال اليمني مؤخرًا، وتدخل السعودية خير دليل على ذلك..
يرى رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة «العربي الجديد»، مصطفى عبد السلام، أن السعودية تؤثر اقتصاديًّا في اليمن عبر التحكم في ملفات عدة أبرزها العمالة، ودعم الاحتياطي، والسيطرة على المنافذ البحرية والمواني، ومنع تصدير النفط اليمني للخارج، إلا أنه يرى أن ملف العمالة اليمنية في السعودية لا يقتصر على اليمنيين فقط؛ بل يتم تطبيقه على كل العمالة الوافدة إلى المملكة بشكل عام بهدف تخفيض عددها، والحد من تحويلاتها النقدية.
وتابع عبد السلام خلال حديثه لـ«ساسة بوست» بأن فكرة استثناء السعودية للعمالة اليمنية من الرسوم وخطة السعودة سيعطي الحق لجاليات أخرى في الحصول على المزايا نفسها مثل المصرية والسودانية والهندية، وعن تحكمها في الاحتياطي، قال: «السعودية باتت الممول الأول للاحتياطي، والمتحكم به في ظل انهيار صادرات اليمن النفطية، وتحويلات اليمنيين المقيمين في الخارج».
«السعودية تتعامل مع هذا الأمر بمنطق الابتزاز، فهي تعد ولا توفي بوعدها إلا بعد فوات الأوان، وتتدخل بعد حدوث الكارثة، وما أعنيه بالكارثة هنا انهيار العملة اليمنية، وبالتالي فحتى ولو جاء الدعم السعودي للاحتياطي فإن تأثيره يكون ضعيفًا؛ لأن التحرك جاء متأخرًا»، كما يقول عبد السلام.
وحول سيطرة السعودية على اقتصاد اليمن عبر النفط والمواني، قال الكاتب الاقتصادي إن المملكة «تمنع صادرات النفط؛ وبالتالي تعرقل أهم مورد للنقد الأجنبي، بالإضافة إلى أنها تؤثر سلبًا في حركة التجارة الخارجية لليمن عبر وضع قيود شديدة على حركة السفن بحجة حملها لسلاح قادم من إيران، وهذا المسلك يؤدي لتفاقم الأسعار داخل البلاد وعرقلة الواردات».
وتلقت العمالة اليمنية في السعودية عدة ضربات خلال الأشهر الأخيرة، بدأت عندما وجد المغترب اليمني نفسه أمام خيارات صعبة بعد أن فرضت الرسوم السعودية الجديدة عليهم أعباء مالية جديدة تجعلهم الأكثر تضررًا قياسًا برواتبهم المتواضعة، إذ إن رواتب معظم العمالة اليمنية لا تتجاوز 3 آلاف ريال سعودي في الشهر، فالدخل المحدود للمغترب يجعله يستسلم للعجز والتعثر أمام الرسوم الجديدة، وفي النهاية لا مفر أمامه إلا الدفع أو الترحيل.
وتعد العمالة اليمنية ورقة ضغط كبيرة تتحكم بها المملكة في الاقتصاد اليمني، إذ يبلغ عدد اليمنيين العاملين في دول الخليج حوالي مليون ونصف المليون عامل، أغلبهم في السعودية بنحو مليون و200 ألف عامل، بينما تشير التقارير إلى أنه تم ترحيل مئات الآلاف من المقيمين اليمنيين في المملكة بعد حصر بعض الأعمال بالسعوديين، وإغلاقها في وجه الوافدين، في حين أصدرت قرارات بترحيل كل من لا يملك تصريح عمل نظامي، وذلك بهدف خفض معدّلات البطالة بين السعوديين، وتوفير فرص عمل للشباب السعودي.
وتنذر هذه الترحيلات بكارثة إضافية قد تصيب اليمن وتهدده بآثار اقتصادية واجتماعية سلبية، إذ تفيد إحصاءات وزارة الداخلية السعودية بأنّ 65% من الذين جرى ترحيلهم أخيرًا من أراضيها هم يمنيون، وتشير توقعات يمنية، إلى إمكانية وصول أعداد المرحلين إلى 600 ألف يمني، وذلك في حال لم تستجب السعودية لمطالب حكومة الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي باستثناء اليمنيين من الإجراءات الأخيرة؛ نظرًا للأوضاع الإنسانية التي تعيشها البلاد.
ويتوقع أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء طه الفسيل، أن يتكبد الاقتصاد اليمني خسائر تبلغ 4 مليارات دولار،على خلفية الإجراءات السعودية لترحيل العمالة اليمنية، إذ يعتمد الكثير من الأسر اليمنية على تحويلات المغتربين بشكل أساسي، في ظل توقف مصادر الدخل، وتسريح آلاف الموظفين من القطاع الخاص، وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ نحو عام وشهرين، وهذه الإجراءات تعني توقف أهم مصادر الاقتصاد اليمني حاليًا، فهل ستستمر السعودية في خطتها أم ستقدم استثناءات لليمنيين؟
وفي منتصف يناير الماضي تناقلت جميع الوسائل الإعلامية، عن بيان رسمي سعودي، أن المملكة قررت إيداع ملياري دولار في بنك عدن المركزي ، وذلك بعد يوم من مطالبة رئيس حكومة هادي بمساعدات مالية عاجلة، وفي اليوم نفسه الذي أعلنت فيه المملكة هذا، قال البنك المركزي اليمني: إنه تلقى «تأكيدًا بإيداع الحكومة السعودية ملياري دولار في حساباته الخارجية».
كان هذا التفاعل السعودي رغم تأخره ينظر إليه حينها على أنه تجاوب سريع بهدف دعم استقرار العملة اليمنية، التي شهدت انهيارًا غير مسبوق خلال هذه الفترة، فيما قال محافظ البنك المركزي اليمني في عدن منصر القعيطي، إن الوديعة السعودية جاءت استجابة لحاجة الاقتصاد اليمني، لتفتح آفاقًا جديدة لتحسين القدرة على المواءمة بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، وتحسين الوضع الكلي لميزان المدفوعات؛ بينما نقل موقع قناة العربية السعودي عن مصادر مصرفية يمنية، أن سعر العملة اليمنية ارتفع بنحو 15% أمام الدولار الأمريكي بعد الإعلان عن الوديعة السعودية.
ولكن بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر تظهر المفاجأة، إذ قال البنك المركزي في اليمن إنّ الوديعة السعودية المقدرة بملياري دولار لم تُسلم للبنك حتى الآن، وهو تضارب غريب يشير إلى أن الأمر ليس كما يبدو في الظاهر، وهو ما أكده مصدر في حكومة بن دغر لموقع الجزيرة قائلًا إنّ الرياض أرجأت تسليم الوديعة التي أعلنتها، بعد أن اشترطت على الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي تعيين محافظ جديد للمركزي مقابل تسليم الوديعة للبنك.
قرار هادي بإقالة محافظ المركزي جاء بالفعل بعد أيام قليلة من الكشف عن الوديعة، إذ تم إصدار قرار جمهوري بتغيير محافظ البنك المركزي منصر القعيطي، بوزير المالية الأسبق محمد زمام، الذي كان قد أقيل قبل ذلك بسبب علاقته بقضايا فساد، بينما أكد مصرفيون أن تغيير محافظ المركزي يعد إجراءً غير دستوري ومخالفًا لقانون البنك الذي يمنح مجلس إدارة البنك المركزي مدة قانونية لا يجوز تجاوزها أو إلغاؤها.
على الجانب الآخر، يتحدث مراقبون عن أن فكرة نقل مقر البنك المركزي اليمني إلى الأردن، تأتي في الأساس بسبب ضغوط سعودية، وهو ما يعد سحبًا للجانب الاقتصادي من يدي طرفي الصراع، وفرض وصاية دولية على الاقتصاد اليمني، وهو الأمر الذي ينفيه المركزي، بينما تؤكد مصادر صحافية أن هذا الإجراء لا تزال تجري نقاشات حوله، بين الأطراف اليمنية.
على كل، يبقى نفوذ السعودية قادرًا على تحريك سعر العملة اليمنية هبوطًا وصعودًا، سواء من خلال الضغط المباشر، أو من خلال التصريحات التي تحرك السعر في سوق الصرف كما حدث منتصف يناير الماضي.
ويتحكم التحالف الذي تقوده السعودية تقريبًا في المجال الجوي والمسارات البرية والبحرية المؤدية إلى اليمن، وهو الأمر الذي يشل الحركة الاقتصادية، ويقوض تعاملات اليمن مع الخارج، خاصةً أن البلاد تعتمد على الواردات لتوفير جميع الاحتياجات الضرورية، إلا أنه لا يُسمح دائمًا بنقل الأغذية والأدوية والوقود، وبحسب ما تقول الأمم المتحدة فإن 7 ملايين يمني على شفا المجاعة.
وفي نوفمبر 2017، أمر التحالف الذي تقوده السعودية بإغلاق جميع المواني البرية والجوية والبحرية اليمنية بشكل مؤقت، وذلك بعد إطلاق سلطات صنعاء صاروخ باتجاه مطار الرياض، وهو ما يعد حصارًا كاملًا لاقتصاد البلاد، أدى إلى ارتفاع الأسعار في غضون أيام مع زيادة في أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 170%، وأسعار المياه بنسبة 133%، فيما يواصل التضخم تسجيل مستويات قياسية منذ ذلك الحين، وبالرغم من إعادة فتح بعض المواني في الأسابيع التالية، إلا أنه لا يسمح إلا بإمدادات، تقول المنظمات الإنسانية إنها غير كافية لليمن، سواء كانت مساعدات أو شحنات تجارية، وهو ما يوضح أن كل المنافذ الاقتصادية في قبضة السعودية.
من ناحية أخرى وبالرغم من أن اليمن دولة نفطية، إلا أنها تعيش حاليًا أزمة وقود خانقة، إذ غادرت جميع الشركات الأجنبية العاملة في مجال إنتاج النفط في اليمن، نتيجة الحرب التي تشهدها البلاد، بينما يقف الحصار الحالي عائقًا أمام عودة هذه الشركات للعمل في البلاد مرة أخرى، بالإضافة إلى أن البلاد تلجأ إلى استيراد الوقود لسد احتياجاتها.
ومؤخرًا وصل إلى اليمن، فريق هندسي من شركة نمساوية، لاستئناف عملية إنتاج النفط المتوقفة في البلاد، فهل ستكون هذه العودة بداية نشاط قطاع الطاقة مرة أخرى، ونشاط الاقتصاد المتعطش للعملة الأجنبية بالتالي، هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
نقلاً عن “ساسة بوست”