تقرير: مرزاح العسل //
تحتفل سلطنة عمان غداً الأربعاء باليوبيل الذهبي لذكرى نهضتها المتجددة والطموحة، في ظل تحقيق مزيداً من الإنجازات تحت قيادتها الحكيمة لمواصلة مسيرة البناء والتقدم في كل مناحي الحياة.
وتأتي مناسبة هذا العام والعُمانيون يستذكرون فقيدهم ومؤسس نهضتهم ودولتهم الحديثة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، وإنجازاته العظيمة ومآثره الخالدة، بعد مسيرة من العطاء دامت لأكثر من 49 عامًا كان فيها الإنسان العُماني هو محور التنمية وأساسها.
ويُعد الـ18 من شهر نوفمبر من كل عام بحق إحدى أهم الذكريات الوطنية الراسخة في تاريخ عُمان الحديث لما لها من دلالات عميقة تشير بكل وضوح إلى التحول الحضاري الذي شهدته السلطنة منذ انطلاق نهضتها التي أرسى قواعدها المغفور له الراحل السلطان قابوس، والاستمرار بكل عزم وثقة في مسيرة التطوير والتحديث بقيادة السلطان هيثم بن طارق الذي أخذ على عاتقه مواصلة المسيرة نحو التقدم والُرقي.
وتمكّن خير خلف لخير سلف السلطان هيثم خلال الأشهر العشرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد من تحقيق العديد من المنجزات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين في مختلف المجالات، تُوجت بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتتواكب مع “رؤية عُمان 2040” التي شارك في رسم ملامحها جميع فئات المجتمع العماني.
ووعد السلطان هيثم بن طارق وهو يمضي بعُمان في نهضة متجدّدة وعهد يبشّر بالمزيد من الإنجازات، أن ينتقل بها في المرحلة القادمة إلى مستوى الطموح في شتى المجالات بمشاركة المواطنين الدعامة الأساسية للعمل الوطني.. مؤكدًا يقينه التام وثقته المطلقة بقدرات أبناء عُمان المخلصين في التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة والمراحل التي تليها، بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذةٍ وحكمةٍ بالغة وإصرار راسخ وتضحيات جليلة.
وقال رئيس مجلس الشورى العماني خالد بن هلال المعولي في برقية تهنئته لسلطان البلاد بهذه المناسبة: “لا تقاس الأمم والحضارات بالسنين، وإنما بما تحقق من نهضة عصرية تنموية شاملة وإنجازات عظام، فها هي بلاد العزّ والأوطان، تنعم بالخير والأمان، وتتقلد في عقدها الخامس مكانة السؤدد والسموّ، فاليوم أصبحت عُمان بين الأمم حاضرة رائدة”.
من جهته قال رئيس جهاز الأمن الداخلي العماني سعيد بن علي الهلالي خلال تهنئته أيضاً: “لقد رعى الله نهضة عُمان الحديثة، وبارك غرسها النديّ الطاهر، وأنبته نباتًا حسنًا، حتى استغلظ واستوى إلى الـ50 عاما، فاصطفاكم لها سلطانًا معظّمًا وقائدًا مُلهمًا، تقودون نهضة متجدّدة برؤى سديدة وأهداف تحمل في مكنونها بشائر الغد المشرق وآفاق النمو المستدام، وكان من قدر الله تعالى وحكمته أن تمر بلادنا وغيرها بمنعطفات صعبة للغاية، فعبرتم بسفينة عُمان إلى الأمام بخطى الواثق بعون الله وتأييده، والآخذ بأسباب المنعة والتقدم”.
وأضاف “وهاهي عُمان اليوم تقف شامخةً بشعبها الوفي، وعلى اتساع ربوعها الغنّاء، وميادينها الغرّاء، صفًّا واحدًا، تنشد عازي الفخر، وتهتف نشيد المجد، لتبقى كما أردتموها.. واحةً للأمن والسلام، وموئلًا للتسامح والوئام”.
ولقد نصت أوامر السلطان الراحل، على أن يتم إعداد وبلورة وصياغة الرؤية المستقبلية “عُمان ٢٠٤٠” بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع وبمشاركة فئات المجتمع المختلفة، بحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومستشرفة للمستقبل بموضوعية، ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين.
ومن هنا أنطلق النهج التشاركي في إعداد الرؤية المستقبلية “عُمان 2040” مرسخاً عملية المشاركة المجتمعية في مناقشة القضايا المطروحة وتبادل الآراء وإيجاد حوار مجتمعي حقيقي حولها، وصولاً إلى صياغة النتائج التي سترسم مستقبلاً مزدهراً لعُمان، حيث تتبنى رؤية “عمان 2040” هذا النهج خلال مراحل تطوير المشروع، والذي يضمن مشاركة كل القطاعات الفاعلة ذات العلاقة في الدولة.
وتسمو ذكرى اليوبيل الذهبي للنهضة العمانية عندما نتناول المنجزات الاقتصادية العديدة التي تحققت في مختلف القطاعات فالأرقام المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي للسلطنة تشير إلى أن هذا الناتج خلال العام الماضي 2019م بلغ 3ر29 مليار ريال عماني وهو دليل على تمكن السلطنة من تنويع مصادر دخلها وتنشيط مختلف قطاعات الإنتاج الاقتصادي.
وساهمت الأنشطة غير النفطية البالغة حوالي 5ر20 مليار ريال عماني بنحو 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية وهي أرقام تعكس مدى الاهتمام الذي أولته النهضة الحديثة التي انطلقت في 23 يوليو 1970 لتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية.
ولو عدُنا إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي لوجدنا أنه كان عند 6ر103 مليون ريال عماني في العام 1970 بداية عهد النهضة الحديثة، لكنه سرعان ما سجل قفزات متتالية ليبلغ 2ر566 مليون ريال عماني في العام 1974 ثم زاد بشكل متواصل ليبلغ مستوى الـ30 مليار ريال عماني في العام 2018.
هذا وقد شهدت السلطنة خلال العقود الـ5 الماضية تنفيذ مشاريع اقتصادية عملاقة من أبرزها مصافي النفط في مسقط وصحار والدقم ومشروعات الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية في صحار وصور وصلالة والدقم.
وبحسب البيانات الرسمية فإن مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي بلغت العام الماضي لوحده 3 مليارات و8ر71 مليون ريال عماني ما يشكل حوالي 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية.
كما اهتمت الحكومة العمانية بتشجيع الأنشطة التجارية والصناعية المختلفة وقدمت لها الدعم اللازم للنجاح والاستمرار.. وبلغ إجمالي الناتج المحلي للأنشطة الصناعية العام الماضي 6ر5 مليار ريال عماني فيما بلغ الناتج المحلي للأنشطة الخدمية التي تشمل مختلف الأنشطة التجارية 1ر14 مليار ريال عماني.
في الوقت نفسه عملت السلطنة على تحديث القوانين والتشريعات المتعلقة باستقطاب الاستثمارات وأصدرت العام الماضي العديد من القوانين المشجعة على الاستثمار المحلي والأجنبي من أبرزها قانون استثمار رأس المال الأجنبي الذي سعى إلى تعزيز مكانة السلطنة كوجهة استثمارية قادرة على استقطاب رأس المال الأجنبي وتعزيز تنافسية السلطنة في المؤشرات الدولية.
وتم إصدار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدف تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية والخدمات العامة وتحسين نوعية الخدمات العامة وخفض تكاليف إنشائها وتشغيلها.
واستثمرت السلطنة خلال السنوات الماضية الفوائضَ المالية الناتجة عن الإيرادات النفطية في تأسيس بنية أساسية مشجعة للاستثمار كالموانئ والمطارات والمناطق الصناعية والاقتصادية والحرة وشبكة الطرق السريعة التي تربط مختلف محافظات السلطنة.
وعززت منظومة البُنى الأساسية في قطاعات السياحة والصحة والإسكان والبيئة وغيرها من القطاعات الأخرى لتنعكس إيجابا على حياة المواطنين والمقيمين بالسلطنة، وترفد الاقتصاد العماني وتحفزه للاستفادة المثلى منها، كما يعد قطاع السياحة أحد القطاعات الأساسية في تعزيز النمو والتنويع الاقتصادي.
ولان ظروف انخفاض أسعار النفط وتأثيرات انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) السالبة على اقتصاد دول العالم جميعها ومن بينها السلطنة فقد شكلت تحدّيًا حقيقيًّا للحكومة الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ عدد من الإجراءات المهمة يأتي في طليعتها الإعلان عن (خطة التوازن المالي) متوسطة المدى (2020 – 2024) التي حظيت بمباركة القيادة العمانية.
وتسعى هذه الخطة إلى تحقيق الاستدامة المالية والمحافظة على الإنجازات التي تحققت خلال العقود الـ5 الماضية والازدهار الاقتصادي الذي تنعم به البلاد من خلال تقليص حجم الدّين العام والعجز المالي وتعزيز أداء القطاعات غير النفطية وزيادة مساهمتها في الإيرادات الحكومية.
وتعتبر الاستدامة المالية أحد ممكّنات “رؤية عُمان 2040” بحيث تساهم خطة التوازن المالي في استيعاب التحديات المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا وتهيئة الاقتصاد الوطني لمرحلة انطلاق جديدة تستفيد من البنى الأساسية التي تم تشييدها خلال سنوات النهضة الحديثة.
وبلغت جُملة الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة العمانية لعام 2020 نحو (10) مليارات و(700) مليون ريال عماني باحتسابها على أساس سعر النفط (58) دولارًا أمريكيًّا للبرميل حيث قدر إجمالي الإنفاق العام (13) مليارًا و(200) مليون ريال عماني بعجز تقديري يبلغ نحو (5ر2) مليار ريال عماني أي بنسبة (8) في المائة من الناتج المحلي.
وفي سبيل توفير سبل العيش الكريم للمواطن العُماني في ظل التطورات الاقتصادية على مستوى العالم يعد صدور قانون نظام “الأمان الوظيفي” وتمويله بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني من قبل السلطان، كبداية لتأسيسه تأكيدًا للتوجيهات السامية التي تهدف إلى الإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية يضمن حماية ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي من أي تأثيرات متوقعة جراء تطبيق ما تضمنته خطة التوازن المالي متوسطة المدى.
وفيما يتصل بالتعليم في السلطنة فقد أولى سلطان عمان اهتمامًا بالغًا بقطاع التعليم وجعله في مقدمة الأولويات الوطنية، كما أنه وجّه بتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن المواطن العماني من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة.
فعلى صعيد البحث العلمي والابتكار يسهم “تحديث الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040 لتتواكب مع رؤية عُمان 2040” في إيجاد مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة تركز على تحويل المعرفة إلى عائد اقتصادي.
أما في مجال الاهتمام الأصيل بالبيئة فقد عملت السلطنة منذ بواكير النهضة على تطبيق سياسة تأمين سلامة البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على النظم البيئية المخـتلفة في إطار الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة وحماية الحياة الفطرية وصون الطبيعة والحفاظ على الموارد المتجددة والعمل على استغلالها بصورة مستدامة.
وعند الحديث عن النهضة المتجدّدة التي يقودها سلطان عمان فإنه لا بدّ من الحديث عن أفق حرية الرأي والتعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة في مادته (٢٩).. والتي تؤكد أن حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون.
ويأتي منح السلطان هيثم بن طارق لوسام الإشادة السلطانية من الدرجة الثالثة لعدد من الإعلاميين العُمانيين، ليؤكد إيمانه بدور الإعلام والإعلاميين في مسيرة النهضة العُمانية منذ انطلاقتها الأولى، وحتى الوقت الراهن ويؤكد كذلك اهتمامه وتكريمه الشخصي لعطاءاتهم الإعلامية وإسهاماتهم الطيبة التي خدمت مسيرة الإعلام العماني وحتى يواصلوا تحقيق منجزات النهضة المتجددة المنشودة.
ومن الجوانب المشرقة أيضاً في عهد النهضة المتجددة الاهتمام بالمرأة العُمانية وتأكيد دورها الحيوي في بناء الوطن أسوة بأخيها الرجل على مختلف الأصعدة، والحرص على أن تتمتع المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها.
وعند التطرق إلى جانب الاهتمام بقطاع الشباب وأهمية هذا القطاع في بناء عُمان المتجددة فإنه لا بد من ذكر وصف السلطان لهم بأنهم “ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني” وتأكيده على أهمية “تلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم”.. وما احتفال السلطنة بيوم الشباب العماني الذي يصادف الـ٢٦ من أكتوبر من كل عام إلا تأكيد آخر على حرص الحكومة العمانية على تسليط الضوء على هذه الفئة من المجتمع وتسخير الإمكانات التي تسهل لهم المضي قدمًا في مسيرة البناء والتنمية.
فيما يتصل بالسياسة الخارجية العُمانية فقد أكد السلطان هيثم بن طارق في أول خطاباته على ثوابت هذه السياسة وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية.. كما أكد انتهاجه خُطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله.
وأكدت الحكومة العمانية في سبتمبر الماضي أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة أن السلطان أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطنة ستواصل السياسة الحكيمة التي وضعها السلطان الراحل باني نهضة عُمان الحديثة ومهندس سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية على مدى الــ50 عاما الماضية.
وتتمثل المبادئ والأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية العُمانية في نهضتها المباركة انتهاجها طرق الحوار لحل المشكلات المختلفة ودعم قيم التسامح والعدل والمساواة وحسن الجوار وسيادة القانون واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والتسوية السلمية للنزاعات على أسس أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي “والذي عزز بدوره من مكانتها إقليميًّا وعالميًا حتى غدت منارة للأمن والسلام”.
الجدير ذكره أن سلطنة عمان هي إحدى دول الخليج العربي تقع في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية وتمتد سواحلها مسافة 3165 كيلومترا من مضيق هرمز في الشمال وحتى حدودها المتاخمة لليمن.. وتطل على 3 بحار هي الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.
تبلغ مساحة السلطنة حوالي 309.5 ألف كيلومتر مربع.. وتتميز باختلاف طبيعة أراضيها التي تتكون من الجبال والوديان والسهول.. وتنقسم إداريا إلى 11 محافظة تتبعها 61 ولاية ومحافظات السلطنة.. هي: (مسقط- ظفار- مسندم- البريمي- الداخلية- شمال الباطنة- جنوب الباطنة- جنوب الشرقية- شمال الشرقية- الظاهرة- والوسطى).
……………………………………………….
المصدر: وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”