تسارعت وتيرة انخفاض قيمة الريال اليمني، وسجّل انهياراً قياسياً في التعاملات ابتداءً من يوم الاثنين، في المحافظات «المحرّرة».
ووصل صرف الدولار الأميركي في العاصمة الاقتصادية، عدن، إلى 895 ريالاً يمنياً للبيع، و890 للشراء.
أما في العاصمة صنعاء، فقد حافظ سعر الصرف على استقراره بـ 590 ريالاً مقابل الدولار، بسبب مجموعة إجراءات اتّخذتها حكومة صنعاء للحفاظ على استقرار العملة العام الماضي.
وعلى أثر انهيار العملة الوطنية في مناطق الاحتلال، دعت جمعية الصرافين في عدن جميع شبكات التحويل المالية المحلية، وجميع مالكي شركات الصرافة ومؤسسات ومنشآت وشبكات القطاع المصرفي في المحافظة إلى إغلاق محالّها، اعتباراً من أول من أمس.
قرار الإغلاق الذي التزمت به محالّ الصرافة، انسحب على مدينة تعز أيضاً.
وهذه ليست المرّة الأولى التي تغلق فيها المصارف ومحال الصرافة أبوابها، إذ إن جمعية الصرافين في عدن قرّرت في حزيران/ يونيو الماضي الإغلاق، بسبب عدم توصلها إلى اتفاق مع البنك المركزي اليمني حول أسعار العملات الأجنبية، قبل أن تعاود فتحها، وسط مطالبات الجمعية لـ»المركزي» بالتدخل من أجل وضع حدّ لانهيار العملة.
جدير بالذكر أن «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة أفاد، قبل أيام، بأن الريال اليمني فقد 250% من قيمته خلال السنوات الخمس الماضية، بينما ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنحو 140%.
وأكّد البرنامج الأممي أن الحياة اليومية تزداد صعوبة على الملايين من الأشخاص المحاصرين في الأزمة اليمنية، مشيراً إلى أن نطاق المساعدات الغذائية توسّع من مليون شخص إلى 13 مليوناً حالياً.
واتجهت حكومة هادي، منذ بداية الحرب، إلى طباعة كميات كبيرة من النقود من دون غطاء نقدي، لمواجهة أزمة السيولة، ما فاقم من أزمات الاقتصاد وتسبّب بمزيد من الانخفاض في سعر العملة المحلية.
وعلى رغم مناشدات الخبراء الاقتصاديين بوقف طباعة الريال، لم تلقَ تلك الدعوات صدىً.
الشيء الوحيد الذي فعلته حكومة هادي بأن عمدت إلى تغيير مكان إرسال الأموال إلى ميناء المُكلّا بدلاً من ميناء عدن بعدما تعرّضت شحنة من الأموال المرسلة إلى «المركزي» في عدن للسطو من قبل «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وأفرج عنها في حزيران/ يونيو الماضي بعد تدخّل السلطات السعودية.
ويوم أمس، وصلت إلى ميناء المكلا، مركز محافظة حضرموت، شحنة مؤلفة من 200 مليار ريال يمني هي إجمالي المطبوعات النقدية الجديدة مخزّنة في 11 حاوية، الأمر الذي لاقى استهجاناً واستنكاراً من أهالي المدينة، حيث خرج العديد من النشطاء للاعتصام أمام البنك احتجاجاً على إيداع تلك الأموال خزائن فرع «المركزي» في المكلا، وسط مخاوف من الأثر الكارثي لهذه المبالغ على الاقتصاد المحلي وقيمة العملة الوطنية في ظل استمرار ما يسمى الحكومة الشرعية انتهاج سياسة طباعة الأموال.
هذه العملية ــــ وما يتبعها من إصدار نقدي ــــ ينتج منه ارتفاع في عرض النقود بالعملة المحلية، مع محدودية المعروض من النقد الأجنبي بسبب انخفاض التدفقات الواردة بالعملة الصعبة، وكذلك نتيجة لارتفاع الطلب على النقد الأجنبي من قِبَل التجار لتغطية فاتورة الاستيراد، ومن قبل المواطنين لعدم ثقتهم بالعملة المحلية وتوقعاتهم بانخفاض قيمتها.
اتجهت حكومة هادي إلى طباعة كميات كبيرة من النقود من دون غطاء نقدي
وعلى رغم استمرار تدفق النقود الى المحافظات المحتلة، إلّا أن الرواتب لا تزال متوقفة عن الموظفين ــــ المدنيين والعسكريين ــــ منذ أكثر من ستة أشهر، وكذلك الموازنات العامة للوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها «الاخبار»، فإن الكثير من مشاريع الاستثمار السياسي والإعلامي والأمني بالعملة الصعبة من قِبَل التحالف السعودي ــــ الإماراتي قد توقّفت، باستثناء تغذية الحرب بين «المجلس الانتقالي الجنوبي» وحكومة هادي في محافظة أبين.
والشيء ذاته ينطبق على الصراع القائم بين «الإصلاح» والفصائل المدعومة من دولة الإمارات في محافظة تعز. يذكر أن أهم مورد اقتصادي للخزينة اليمنية يدرّ أموالاً بالعملة الصعبة على خزينة الدولة هو النفط، ولا سيما حقول المسيلة في حضرموت.
إلّا أن التصدير توقف في الأشهر الأخيرة على خلفية الصراع على حماية المنشآت النفطية وأنابيب النقل عبر ميناء الضبة النفطي في مديرية الشحر الساحلية في محافظة حضرموت بين النخبة الحضرمية الموالية للإمارات وحكومة هادي.
حكومة صنعاء، قبل عامين، تنبّهت إلى خطورة طباعة الريال واتخذت قراراً، أواخر العام الماضي، منعت بموجبه تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها الحكومة الشرعية.
وعلّل بيان «المركزي»، حينها، قراره بالقول إن تداول وحيازة تلك العملة يشكلان ضرراً على الاقتصاد الوطني.
وتعقيباً على الانهيار الحاد للريال اليمني في المحافظات المحتلة، أوضح وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط في حكومة صنعاء، أحمد حجر، أن قيام قوى العدوان بالدفع بكميات كبيرة من النقد المحلي مقابل تهريب العملات الصعبة تسبب في انهيار الريال، مشيراً إلى أن قوى العدوان تحاول تعزيز الشرخ بين أبناء اليمن بالاعتماد على الفوضى الاقتصادية، فيصبح الارتزاق هو السبيل الوحيد للحصول على الدخل.