تقرير / وكالة الصحافة اليمنية//
تعهد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بجعل التقدم في حقوق الإنسان والديمقراطية حجر زاوية في رئاسته، حيث وعد في حملته الانتخابية لعام 2020، بمساءلة الديكتاتوريين على مخالفاتهم الأخلاقية؛ من خلال إنهاء صفقات الأسلحة للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.
ولكن هناك علامات مقلقة بعد مرور 6 أسابيع من رئاسته، على أن “بايدن” غير راغب أو غير قادر على تحويل الخطابات إلى أفعال؛ حيث سمح للديكتاتوريين الملطخين بالدم بالإفلات دون عقاب حتى الآن، بما في ذلك ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” والرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”.
صفقات الأسلحة مستمرة
تم إطلاق سراح طالب الطب المصري الأمريكي “محمد عماشة” البالغ من العمر 24 عاما، في 5 يوليو/تموز 2020، بعد احتجازه لمدة 486 يوما في سجن مصري؛ لرفعه لافتة احتجاج تدعو إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين.
بعدها أدان المرشح، آنذاك، “جو بايدن” نظام “السيسي” على “اعتقال وتعذيب ونفي النشطاء” ووعد بأنه “لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل”.
ولكن على الرغم من بقاء مواطنين أمريكيين آخرين ومقيمين دائمين، بما في ذلك “حسام خلف”، “خالد حسن”، و”علا القرضاوي” في السجون المصرية، فقد أخلّ “بايدن” بوعده عندما وافق دون تحفظات على بيع 168 صاروخ تكتيكي لمصر، في فبراير/شباط، بقيمة 197 مليون دولار أمريكي.
أما الشيء الأكثر إثارة للقلق؛ فهو أن صفقة الأسلحة هذه أعلنت في نفس اليوم الذي اعتقلت فيه السلطات المصرية أقارب “محمد سلطان”، وهو ناشط أمريكي مصري ونجل عضو كبير في جماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة الآن.
وكان “سلطان” قد احتُجز لأكثر من 500 يوم، بعد احتجاجه على إطاحة “السيسي” بحكومة “محمد مرسي” المنتخبة ديمقراطيا في عام 2013.
وفي نهاية المطاف، لا قيمة لتغني “بايدن” بحقوق الإنسان إذا لم يكن مدعومًا بإجراءات ذات مغزى، وبمواصلة دعم صفقات الأسلحة إلى الأنظمة الاستبدادية، فإن إدارته تشجع ضمنيا الجرائم التي وعد بأن تنتهي، وبدلا من كبح الديكتاتوريين الشموليين، فإن تساهل الرئيس الجديد يشجعهم.
تدهور حقوق الإنسان
لا ينبغي أن ننسى أنه عندما استولى الجنرال “السيسي” على السلطة بوسائل عنيفة ودموية في عام 2013، لم يرفض فقط البيت الأبيض تحت إدارة “أوباما” و”بايدن” أن يسميه “انقلابا”، لكنه سارع أيضا في التطبيع معه كزعيم مدني مشروع، على الرغم من قتله أو سجنه عشرات الآلاف من خصومه السياسيين.
وعلاوة على ذلك، سارعت الإدارة الأمريكية لاستئناف تدفق 1.3 مليار دولار أمريكي من المساعدة العسكرية الأمريكية السنوية إلى مصر؛ مما يجعلها ثاني أكبر متلقي المساعدات الأمريكية بعد إسرائيل، والتي كانت مخصصة أساسا لجعل مصر تحافظ على السلام مع إسرائيل.
يقبع اليوم عشرات الآلاف من نشطاء حقوق الإنسان، والصحفيون، ومنتقدو الحكومة، والأكاديميون، في سجون “السيسي”، معظمهم بتهم إرهاب مزيفة لتجرؤهم على انتقاد الديكتاتور المصري.
وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “استمرت السلطات في إسكات الصحفيين والمدونين والنقاد على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط الاستخدام المتصاعد لقانون الجرائم الإلكترونية القمعي لعام 2018، وحظر مئات من مواقع الأخبار ومواقع حقوق الإنسان دون إذن قضائي منذ عام 2017”.
أحد هؤلاء هو الصحفي المستقل المصري “جمال الجمل”، الذي اعتقل في 22 فبراير/شباط بعد العودة من تركيا، حيث عاش على مدى السنوات الأربع الماضية.
خليل العناني: المعتقلون السياسيون في مصر والسعودية “بيادق” لمساومة بايدن
اتُّهم “الجمل” بنشر أخبار كاذبة، والانضمام إلى منظمة إرهابية، وتحريض الرأي العام ضد الحكومة، وفقا للجنة لحماية الصحفيين، ومن الواضح أنه اعتُقل لنشره مقالات تنتقد نظام “السيسي”.
يجب أن تكون هناك إشارات مقلقة لـ”بايدن” بشأن مصير “الجمل” وآلاف الصحفيين مثله، بعد المحنة التي مر بها صحفي “الجزيرة”، “محمود حسين”، الذي أُفرج عنه مؤخرًا، بعد أن احتُجز لأكثر من 4 سنوات دون محاكمة.
تعرض “حسين” لـ”معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة”، وفقا لفريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، بعد احتجازه لفترات طويلة في الحبس الانفرادي، وحرمانه من المعالجة الطبية، وإيذائه جسديا بشكل روتيني.
تصل حملة تخويف نظام “السيسي” إلى ما يتجاوز مصر، حيث تتهمه العديد من منظمات حقوق الإنسان بمضايقات أسر منتقديه الذين يعيشون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا وألمانيا كوسيلة لإسكاتهم.
سياق أوسع للفهم
من المستحيل أن نفهم لماذا لم يف “بايدن” بتعهده بالضغط على “السيسي” في حقوق الإنسان، أو تحميل ولي العهد السعودي المسؤولية شخصيا عن مقتل “جمال خاشقجي”، دون وضع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السياق الأوسع لما تأمل إدارته في تحقيقه، والذي يتضمن الانفكاك شبه الكامل – عسكريًا ودبلوماسيًا – عن المنطقة.
وقال مسؤول كبير سابق في الأمن القومي ومستشار مقرب من “بايدن” لمجلة “بوليتيكو”: “إذا كنت ستدرج المناطق التي يراها بايدن كأولوية، فإن الشرق الأوسط ليس في المراكز الثلاثة الأولى منها”.
يأتي هذا في ظل تطلع الولايات المتحدة للتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي منطقة من العالم ستكون مسؤولة عما قريب عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبالتالي، فإن الإدارة الأمريكية تحول الطاقة والموارد بعيدًا عن الشرق الأوسط، بما في ذلك المناصب الدبلوماسية، لمواجهة أكبر تحد جيوسياسي للولايات المتحدة، والمتمثل في قوة صينية عظمى، وتعتقد إدارة “بايدن” أن هز الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيعوق بلا داع ما يسمى بـ “محورها نحو آسيا”.
هذا يفسر رفض “بايدن” لفكرة نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من القدس إلى تل أبيب، ولماذا لا يضغط بشدة من أجل حقوق الإنسان في المنطقة.
من وجهة نظره، فإن الحروب تنحسر وأمن إسرائيل مضمون، فلماذا المخاطرة بدفع الحلفاء في الخليج أو مصر في اتجاه يتطلب التزامًا وانخراطًا أمريكيًا أعمق؟.
ضغط المشرعين الأمريكيين
ومع ذلك، فإن التخلي عن تعهده بحقوق الإنسان في المنطقة سيكون صعب التنفيذ؛ نظرًا لتزايد الإجماع الحزبي في الكونجرس الأمريكي الذي يدعو إدارة “بايدن” إلى الانخراط مع المشرعين بشأن خطط “العناية الواجبة الموسعة بحقوق الإنسان” قبل تزويد نظام “السيسي” بمزيد من الأسلحة.
وفي يناير/كانون الثاني، أعلن النائبان الديموقراطيان “دون باير” و”توم مالينوفسكي” عن تشكيل “التجمع المصري لحقوق الإنسان”، متهمين نظام “السيسي” بارتكاب “قمع غير مسبوق وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، كما حذرا من أن “المصالح الأمريكية لم تخدمها سياسة الدعم غير المشروط للجيش المصري، مع التقليل من شأن انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان التي يقودها الجيش، والفساد، وسوء معاملة المواطنين الأمريكيين”.
إذا كان “بايدن” صادقًا في إعادة التأكيد على حقوق الإنسان والديمقراطية، أو ما يسميه “القيم الأساسية”، فلن يتمكن من الاستمرار في تسليح النظام الذي يقود أسوأ حالة لحقوق الإنسان في مصر في الذاكرة الحية دون قيد أو شرط.
المصدر | سي جي ويرليمان/ إنسايد أرابيا