متابعات / وكالة الصحافة اليمنية//
لاتزال جولة الصراع الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل ونتائجها وتأثيرها على الرأي العام العالمي محل اهتمام الصحف البريطانية.
نبدأ من صحيفة الغارديان ومقال رأي للكاتب جوناثان فريدلاند بعنوان “على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار: أن ثقل الرأي العام ينقلب ضدها”.
يقول الكاتب أن “الأمر (الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي) لم ينته، لأنه ما انتهى أبدا. لكن هناك على الأقل أمل في توقفه”. ويضيف أنه “بعد أقل من أسبوعين من مقتل ما يقرب من 250 شخصا، اتفقت كل من حماس وإسرائيل في وقت متأخر من يوم الخميس على وقف إطلاق النار.
فبالنسبة لحماس، السرد بسيط بما فيه الكفاية. وعلى الرغم من كونهم (مسلحو حماس) محبوسين في منطقة صغيرة، تمكنوا، بقدر بسيط من الموارد، من مفاجأة العدو وضرب قلبه المدني. وأطلقوا العنان لسيل من الصواريخ، أكثر تطورا من ذي قبل، بعضها خرق نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي وهبط ليس فقط على البلدات المحيطة بإسرائيل ولكن أيضا في وسطه مدينة تل أبيب، كما يقول الكاتب.
ويرى الكاتب أن حماس يمكنها أن تدعي، قبل منافسيها من حركة فتح في الضفة الغربية المحتلة، أنها الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وعلاوة على ذلك، شاهدت بارتياح تمزق النسيج الاجتماعي لإسرائيل، مع قيام المواطنين اليهود والعرب بمهاجمة بعضهم البعض في الشوارع التي كانوا يتشاركون فيها.
أما بالنسبة لإسرائيل، فيشير الجنرالات إلى أن عملية “حراس الأسوار” العسكرية الإسرئيلية أضعفت القدرة العسكرية لحركة حماس، وأن معظم القتلى كانوا من مقاتلي حماس، وأنه تم إنجاز المزيد في الأيام العشرة الماضية أكثر مما تم إنجازه في هجمات 2009 و 2012 و 2014 مجتمعة.
لكن لا يمكنهم أن يخدعوا أحداً، كما يشير الكاتب، قائلا، نقلا عن رئيس تحرير صحيفة هآرتس، إن إسرائيل تعرف أنها تحملت كارثة إستراتيجية، هو الحرب الحدودية الأكثر فشلًا وعديمة الجدوى” في تاريخها.
بل لم تكن تتوقع هجوم حماس، لأنها اعتقدت أنها أنهت القضية الفلسطينية كليا، مقتنعة بأن “اتفاقات أبراهام” مع دول الخليج وغيرها جعلت الفلسطينيين غير مهمين، لقد رأت الآن حماقة هذا الوهم، بحسب الكاتب.
ويشير الكاتب إلى “الخطر الاستراتيجي الآخر لإسرائيل”. فقد يقول البعض أن ماحدث لغزة حظي بالاهتمام الدولي لفترة قصيرة ويمكن أن يزول بسرعة، كما يحدث دائما في أي هجوم إسرائيلي على غزة، لكن الكثير من المراقبين يتساءلون عما إذا كان قد تم الوصول إلى نقطة تحول في الأسبوعين الماضيين في الطريقة التي يُنظر بها إلى الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم وخاصة في الغرب، حسب الكاتب.
ويعتقد الكاتب أنه ربما تتم إعادة صياغة الأمر ليس على أنه صراع وطني بين مطالبات متنافسة، ولكن باعتبارها مسألة تتعلق بالعدالة العرقية.
بل إنه يمكن لوسم فلسطين حرة FreePalestine# أن يكون في طريقه للانضمام إلى وسم حياة السود مهمة BlackLivesMatter# كمسألة يعتبرها جيل عالمي ذات أهمية قصوى، والتي لا تقتصر المشاركة فيها على السياسيين فحسب ، بل على الشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية، من لاعبي كرة القدم إلى المطربين وحتى المؤثرين في الموضة مع الملايين من المتابعين.
وتنشر صحيفة الفاينانشال تايمز مقالا بعنوان “الغضب الفلسطيني يفضح أوهام نتنياهو”.
إذ يشير المقال إلى أنه قبل حوالي أسبوعين، كان عدد قليل من الإسرائيليين قد تساءل عن أحد الإنجازات التي تحققت في مسيرة بنيامين نتنياهو السياسية التي امتدت لثلاثة عقود: وهي قدرته على إبقاء الفلسطينيين محاصرين مع تعزيز أفضل لعلاقات إسرائيل مع جيرانها العرب.
لكن نتنياهو، الذي قال للناخبين في الانتخابات الأخيرة إن الإسرائيليين آمنون ومزدهرون في الداخل، لم يعبأ بآلاف الشبان الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، بوتقة صراع الفلسطينيين مع الاسرائيليين، الذين وقفوا في شهر رمضان، أمام اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي كان عدوانيا بشكل خاص، وكرر الوعود بطرد العرب من القدس الشرقية، مؤكدا الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة التي تضم المسجد الأقصى.
وما هي إلا أيام حتى كانت إسرائيل تقاتل تمردا فلسطينيا على ثلاث جبهات مختلفة: حماس تطلق آلاف الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، فتنة طائفية واسعة النطاق اندلعت بين فلسطينيي الداخل واليهود، واشتباك آلاف المتظاهرين مع جنود الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، كما جاء في المقال.
وينقل المقال عن مصطفى البرغوثي ، العضو البارز في منظمة التحرير الفلسطينية قوله “اعتقدت إسرائيل أنها ستعمل على إضفاء الطابع الإسرائيلي على الفلسطينيين في الداخل وستقوم بتدجين الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت الاحتلال وأنهم سيفصلون غزة إلى الأبد..لقد فشلوا في الأمور الثلاثة، والآن لدى الفلسطينيين في كل مكان الآن هدف واحد – إنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي – وهو أمر غير مسبوق منذ عام 1948”.
ويخلص المقال إلى أنه بعد 11 يوما من العنف، تبددت أي آمال إسرائيلية في احتواء القضية الفلسطينية خلف الجدران والحواجز مع قيام إسرائيل بتوسيع المستوطنات – التي يعتبرها معظم العالم غير قانونية – في الضفة الغربية وأبقت غزة الفقيرة معزولة تحت الحصار.
وإلى صحيفة التلغراف ومقال بعنوان “سأعيش في خيمة فوق منزلي”، يوضح حال سكان غزة مع توقف القنابل الإسرائيلية عن السقوط ، وهم يحصون تكلفة ما خسروه.
يقول بسام عبد العزيز، وهو أب فلسطيني، كان يحتمي في مدرسة الشاطئ في شمال غزة، حيث اصطحب أبناءه الأربعة وابنتيه وزوجته قبل سبع ليال، عندما سقطت المدفعية والصواريخ الإسرائيلية حول منزلهم “لم يصب أحد من عائلتي… ندعو الله فقط أن نعود إلى المنزل بأمان”.
مثل 40 في المئة من سكان غزة، قال الأب إنه عاطل عن العمل، مما يعني أن العثور على المال لإصلاح السقف المصنوع من الصفيح المثقوب بالشظايا في منزله المكون من ثلاث غرف سيكون صعبا. ومع ذلك، كان يعتبر نفسه محظوظًا.
أما نظمي دحدوح، 70 عاما وهو أب لخمسة أطفال، فيقول إن الجيش الإسرائيلي دمر منزله في مدينة غزة في غارة جوية يوم الاثنين. مضيفا “ليس لدينا منزل آخر. سأعيش في خيمة فوق أنقاض منزلي حتى يعاد بناؤه”.
وقال الدفاع المدني في غزة يوم الجمعة إنه كان يعمل بأقل الوسائل المتاحة له لإزالة الأنقاض وإنقاذ الناس، وقد تعقدت المهمة بسبب الذخائر غير المنفجرة، والتي يتناثر “مئات” منها في أنحاء غزة، بحسب ما قال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأدنى والشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للصحيفة.
ويرى المقال أن إعادة بناء غزة ستشكل تحديا هائلا لحماس، التي تدير المنطقة المحاصرة منذ سيطرتها على السلطة في عام 2007، لأن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى مليارات.
كما تعرضت البنية التحتية الحيوية مثل شبكة الكهرباء والمستشفيات ومحطة تحلية المياه في القطاع الصغير المكتظ بالناس لأضرار أثناء القتال، بينما تضررت أميال من الطرق وأنابيب المياه والصرف الصحي. ولا تتوفر الكهرباء الآن إلى لمدة ثلاث أو أربع ساعات في اليوم.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا نقص الأدوية وإلحاق أضرار بما لا يقل عن 30 مرفقا صحيا. وتنقل الصحيفة عن ماتياس شمالي، مدير الأونروا في غزة، قوله إن الأمر الأهم للغاية هو أن المختبر المركزي الذي يجري اختبارات لفيروس كورونا قد “أصبح غير فعال بسبب انفجار ضخم سببته قنبلة”.
يتساءل مراسل شؤون الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، في مقاله في صحيفة التايمز “أزمة غزة: من ربح من 11 يوما من الحرب؟
يرى الكاتب أن هذه الحرب كانت غير متوقعة وانتهت بسرعة نسبيا، وأن الذين استفادوا أكثر من الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء القتال هم سكان غزة.
ويشير إلى أن قتلى هذه الغارات الجوية الإسرائيلية يمثل عُشر عدد القتلى في عام 2014، عندما أعقب الضربات غزو بري إسرائيلي للقطاع.
وحاولت اسرائيل مرارا وفشلت في اغتيال القائد العسكري لحركة حماس الأكثر كاريزما، محمد ضيف، الذي أصابه الجيش الإسرائيلي إصابة أدت إلى شلل، وقيل إنه فقد عينا أو يدا أو ذراعا، كما أنه فقد ساقيه أو على الأقل يمشي وهو يعرج. لكنهم فشلوا في قتله، وفشلوا مرة أخرى في محاولتين هذه المرة، حسب الكاتب.
ومع ذلك، يدعي الجيش الإسرائيلي أنه دمر 60 ميلا من النفق الذي تعتمد عليه حماس لإخفاء أفرادها وقوتها العسكرية عن أنظار الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار الإسرائيلية.
يقول الكاتب أن حركتا حماس والجهاد الإسلامي خسرتا، كالعادة ، من الناحية الفنية. فلم يدمروا إسرائيل، هدفهم المعلن، وتكبدوا خسائر عسكرية. صحيح أنهم ألحقوا أضرارا بممتلكات المدنيين في إسرائيل وتسببوا في معاناة واسعة النطاق، ولكن ليس بالطريقة المركزة التي عانت منها غزة.
كما انهم، من وجهة نظر الكاتب، فشلوا حتى في هدفهم المحدود والمعلن المتمثل في “حماية” سكان القدس الشرقية. إذ لم تقدم إسرائيل أي تنازلات فيما يتعلق بمنع المزيد من عمليات الإخلاء للسكان الفلسطينيين أو عرض تغيير الطريقة التي تسيّر بها حرم المسجد الأقصى.
لكنهم مع ذلك، يؤكد الكاتب، حققوا مكاسب كبيرة بطرق أخرى. إذ أثاروا احتجاجات السكان الفلسطينيين في إسرائيل، وأثبتوا، مرة أخرى، أنهم المتحدثون الفلسطينيون الوحيدون الذين سيواجهون إسرائيل بالفعل.
كما أثبتوا أيضا أنه بدون إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، لن تضمن اتفاقات أبراهام للسلام، وأن نموذج تطبيع العلاقات الذي تتبعه دول الخليج والدول العربية الأخرى بناءً على طلب إدارة ترامب، لن يضمن السلام، بحسب المقال.
ولعل الأهم من ذلك أن هذه الجولة من القتال أثارت شيئا ما في أمريكا: صوت عام مؤيد للفلسطينيين في وسائل الإعلام والكونغرس لم يسبق له مثيل من قبل، وفق الكاتب.
ونختم من صحيفة الإندبندنت الإلكترونية ومقال كتبه كيم سينغوبتا بعنوان “وقف لإطلاق النار ولكن الآن يأتي الجزء الصعب بالنسبة لإسرائيل وحماس”.
فقد خرج الناس من منازلهم في الساعات الأولى من صباح الجمعة وتدفقوا إلى الشوارع للاحتفال بوقف إطلاق النار بعد 11 يوما من القتال الوحشي الذي أودى بحياة المئات وألحق دمارا هائلا، حسب الكاتب.
ويرى أن نهاية الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس، على الأقل في الوقت الحالي، ترك القضايا الرئيسية دون حل، والعداوات المريرة والمتنامية بين المجتمعات داخل إسرائيل دون إصلاح، وكشفت أيضا عن الانقسامات بين الحلفاء الغربيين.
وأعلن كلا الجانبين النصر، كما كان متوقعا، لكن تباينت الروايات حول ما تم الاتفاق عليه لإنهاء القتال.
أصر الإسرائيليون على أنهم لم يقبلوا أي شروط. وزعمت حماس أن حكومة نتنياهو قدمت تنازلات مهمة في النزاع على القدس، بشأن طرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح والتوترات الدينية في المسجد الأقصى.
يقول الكاتب إن المسؤولين المصريين والقطريين والأمميين هم من سهلوا المحادثات بين الجانبين. ونقل قول أسامة حمدان، أحد كبار مسؤولي حماس، إنه تلقى ضمانات من وسطاء بأن “الاحتلال سيرفع يده عن الشيخ جراح والأقصى”.
ونفى مسؤولون إسرائيليون هذا الادعاء. وقال وزير الدفاع بيني غانتس: “الواقع على الأرض سيحدد استمرار الحملة … الهدوء سيقابل بالهدوء”.
ويعتقد أن المحادثات ستستمر بشأن المطالب التي طرحها الجانبان على الطاولة.
وتشمل مطالبة حماس إسرائيل بوقف اغتيال قادتها، والمطالبة الإسرائيلية بوقف حماس بناء أنفاقها تحت الأرض، ووقف الهجمات الصاروخية والمظاهرات على الحدود.
لكن الأمر الأهم من وجهة نظر السياسية الفلسطينية المخضرمة، حنان عشراوي، هو أن هذا الصراع أعاد قضية فلسطين إلى الاهتمام الدولي. ويجب على المجتمع الدولي “إعادة الانخراط، وإلا فإن هذه الصراعات الرهيبة ستستمر في تكرار نفسها بتكلفة بشرية هائلة”.