تحليل/ لقمان عبدالله // وكالة الصحافة اليمنية //
في أول لقاء له برئيس حكومة الإنقاذ، عبد العزيز بن حبتور، ومحافظي المحافظات في العاصمة صنعاء أول من أمس، أعلن الرئيس الجديد للمجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، عن خطة يجري وضعها لتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد. الخطة التي ستخرج إلى الضوء «في وقت قريب»، وسيكون الجميع بموجبها «تحت طائلة القانون، وأولهم الرئيس» كما قال المشاط، سيعقبها قيام وزارة المال والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة الإدارة المحلية بتشكيل لجان ميدانية للنزول إلى مؤسسات الدولة.
تحركات تشي بأن ثمة اقتناعاً لدى المشاط مفاده بأن «أنصار الله» لم تعد معذورة في الاستمرار في إشاحة النظر عن الفساد المتراكم منذ عشرات السنين. وهو اقتناع يضع الرئيس الجديد أمام جملة تحديات، برزت إرهاصاتها في محاولة أصحاب المصالح والثروات غير المشروعة التشويش على انطلاق مسيرة المشاط في إدارة الدولة واستعادة انتظامها. ومع ذلك، فإن المشاط أظهر إصراراً على الوقوف في وجه تلك التحديات والتهديدات على المستويين الداخلي والخارجي، وسدّ الفراغ الذي خلّفه الرئيس الشهيد صالح الصماد لما كان يتمتع به من روح قيادية وشخصية.
إلا أن المسؤوليات والمخاطر التي تواجه المشاط تختلف عن تلك التي تحمّلها الصماد. فالدولة في عهد الأخير كانت لا تزال مثقلة بالإرث المظلم للرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، ومستلزمات التحالف معه قبل انحيازه إلى جانب دول العدوان، وكذلك بإرث الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، الذي يمسك من الرياض بـ«كارت» المرور التجاري من خلال التصاريح الممنوحة من قبل تحالف العدوان. كانت عناصر من العهدين الماضيين (صالح، وهادي) لا تزال تتحكم في كثير من مفاصل الدولة العميقة، ولم يكن التخلص منها دفعة واحدة بالأمر السهل، وخصوصاً أن الانتظام العام في مؤسسات الدولة يقتضي التدرج في الإصلاح، وصولاً إلى الاستغناء عن معظم عناصر المنظومة الحاكمة سابقاً.
اليوم، يمكن القول إن تلك الحقبة وامتداداتها في حكومة الإنقاذ أصبح متاحاً القطع معها، والانطلاق نحو مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن توازنات حكم العهدين.
غير أن ذلك يحمّل «أنصار الله» مسؤولية مباشرة أمام الناس، ويحتّم عليها وضع خطط وبرامج لمحاربة الفساد والتربح غير المشروع، واستغلال مناصب الدولة للغايات الشخصية أو القبلية، في مهمة صعبة لا تقلّ أهمية عن مواجهة العدوان. وعليه، فما لم يحسن المشاط مواجهة الفساد واستئصاله، فإنه سينفجر في وجهه، ويضع الحركة الحديثة العهد في إدارة الدولة أمام تحديات الثقة والصدقية إزاء الشعب اليمني، الذي بات ينظر إلى «أنصار الله» على أنها تمثل النزاهة على المستويات كافة.
تصدر حكومة صنعاء، من وقت لآخر، بيانات تفيد بأنها تؤمن عشرة في المئة من موارد الدولة. نسبة، على ضآلتها، من الأهمية بمكان ضبط صرفها ومنع مسارب الفساد فيها. على أن الأكثر صعوبة هو وجود مجموعة من رجال الأعمال وكبار التجار والمحتكرين في مختلف القطاعات، الذين كانوا يستفيدون من تسهيلات صالح وهادي سابقاً، وأصبحوا متربعين على ثروات هائلة، ولا يزالون يتحكمون بالكثير من القطاعات، ويتلاعبون بالأسعار، ويحتكرون السلع، بدفع أحياناً من دول «التحالف» التي يهمّها إفقاد «أنصار الله» ثقة الناس، ووضع الحركة أمام مواقف حرجة.
بالنتيجة، وبالنظر إلى أن خبرة المشاط لا تقلّ عن خبرة الصماد، وإلى أن كلا الرجلين من مدرسة واحدة، فسيبدأ الأول من حيث انتهى الثاني، منطلِقاً من الاستراتيجية نفسها (يد تبني ويد تحمي)، مع اختلاف في طبيعة مرحلة كل منهما، لا يطال الهدف المتمثل في توحيد صفوف الجبهة الداخلية، وتعزيز صمود الناس في مواجهة العدوان.