تقرير/خاص/وكالة الصحافة اليمنية//
وسط تفاقم أزمة العلاقة بين المؤجر والمستأجر التي تتجلى يومياً في ارتفاع حجم الشكاوى والمرافعات في المحاكم اليمنية، وزيادة ديون المجتمع الموصولة بالإيجارات، وغيرها من تبعات أزمة الحرب والحصار التي فرضت موجات من النزوح المتزامنة مع توقف المرتبات، ووسط النداءات الاجتماعية بضرورة إيجاد حلول مشكلات السكن القائمة في مدن اليمن الرئيسة.. أقر مجلس النواب بصنعاء، الأحد، مشروع تعديل بعض مواد القانون رقم (۲۲) لسنة ۲۰۰۹م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر 2021م، على أساس تقرير اللجنة المشتركة من لجان الخدمات، والعدل والأوقاف، وتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، والدستورية والقانونية.
وكانت اللجنة المشتركة قد طلبت في الـ21 من يوليو الماضي من رئاسة البرلمان تأجيلاً للإقرار بغية القيام بنقاش مستفيض وضع المعالجات الموصولة بتداخل المشكلات التي من أهمها ارتباط مشروع القانون بمجموعة من القوانين النافذة، على اعتبار أن الإشكالية لا تكمن في التعديل فقط، وإنما ضرورة معالجة الموضوع من جذوره، كما تطرق النقاش الذي سبق الإقرار العديد من الجوانب العملية الأخرى المتعلقة بالحكومة، والتي يجب أن تركز عليها من خلال إنشاء مشاريع سكنية لكافة شرائح المجتمع بما يكفل زيادة العرض للقضاء على أزمة السكن القائمة في المدن اليمنية.
وخلاصة النقاشات أفضت إلى أن المشروع أخذ حقه من الوقت للدراسة وتفادي أي تكرار أو تناقض مع المنظومة التشريعية وبين ما قدمته الحكومة، وخاصة ما تضمنه القانون المدني النافذ الذي نظم العلاقة العقدية وأثرها، وكذلك القانون النافذ بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وقانون المرافعات والتنفيذ المدني ليتم التوصل إلى قانون منصف لأطراف العلاقة الإيجارية.
تقنين تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، خطوة أولى على طريق حل أزمة السكن التي تشهدها المدن اليمنية الكبرى، نظراً للفجوة القائمة بين مؤشر النمو السكاني السنوي البالغ 3% وبين اتساع خارطة النشاط العمراني، وفق الدراسات التي أشارت إلى أن 47.7% من العوائل يستأجرون في صنعاء، بينما يستأجر 16.9% من العوائل في عدن، وفق إحصاءات سنوات ما قبل الحرب والحصار في 26 مارس 2015م.
المفارقة الأهم بين ما قبل الحرب وما بعدها– حسب الدراسات- أن حجم عجز المساكن في اليمن قبل الحرب بلغ 214 ألفاً و866 مسكناً، حيث بلغ إجمالي المساكن حينها مليونين و619 ألفاً و571 مسكناً، تشمل 443 ألفاً و225 مسكناً من الخيام والعشش والمساكن الخشبية والصفيح، فيما يصل حجم الأسر إلى مليونين و 834 ألفاً و 37 أسرة، وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن 2004م، كما تشير الدراسات إلى أن نسبة الإهلاك للمساكن القائمة تقدر بـ 5% من إجمالي المساكن، وتعادل 130 ألفاً و978 مسكناً، ليصبح إجمالي الاحتياج السكني الفعلي 787 ألفاً و69 مسكناً حتى العام 2010م.
هذه المشكلة المزمنة تعني اليوم وبعد سبع سنوات من الحرب التي دمرّت قرابة نصف مليون مسكن، منها 400 ألف مسكن دمره طيران التحالف، أن الحصول على سكن في مدن يمنية كـ”صنعاء” و”تعز” و”عدن” بات مسألة معقدة للغاية يعاني منها ملايين السكان، وسط ازدحام سكاني رفع أسعار الإيجارات إلى حدود غير مسبوقة، قد تدفع محدودي الدخل إلى العراء في أي لحظة.
وفيما تشير التقارير أن أسعار إيجارات الشقق المكونة من ثلاث غرف، في المدن الكبيرة في تعز وعدن ومأرب، والمكلا وسيئون، قفز- بعد انهيار قيمة العملة إلى قرابة 1200 ريال للدولار الواحد- من 60 ألف ريال إلى ما فوق 300 ألف ريال.. فإن المشكلة الأكثر تعقيداً في صنعاء هي الازدحام السكاني غير المسبوق بعد أن أصبحت حاضناً لكل أبناء المحافظات اليمنية، وارتفعت تقديرات سكانها حالياً وفق تقديرات إلى قرابة 4 ملايين نسمة، ما رفع الإيجارات فيها من 30 ألف ريال لشقة من ثلاث غرف ومطبخ وحمام إلى 120 ألف ريال وقد لا تكون موجودة.
هذه الأزمة دفعت بكثير من المؤجرين من ضعاف النفوس إلى محاولات إخراج المستأجرين القدامى الذين يتعذر عليها رفع الإيجارات عليهم- وفق الأعراف العقارية المتعارفة بين المؤجرين والمستأجرين، ولا سيما في ظل التوجيهات الحكومية بمنع رفع إيجارات المساكن بشكل مبالغ فيه، بغية الحصول على عقود إيجار جديدة تكفل للمؤجر أسعار الزمن والمكان الذي ارتفع بشكل جنوني، كما أن هذا الزحام السكاني الهائل دفع بالمؤجرين إلى إعادة تقسيم بناياتهم لتكثر فيها الشقق الضيقة التي لا تزيد أحياناً عن غرفة ومطبخ وحمام لتكفل لهم مبالغ إيجارية أكثر.
هذه الأزمة المركبة التي وُجدت في ظروف الحرب والحصار وانحسار المساكن وزيادة السكان الوافدين على المدن الكبرى وانقطاع المرتبات؛ ازدادت تعقيداً إثر تراكم ديون مؤجري المساكن في مختلف المدن الرئيسية باليمن، خصوصاً في العاصمة صنعاء، مفرزة تداعيات كارثية تجلت– بحسب مصادر قضائية- في ازدحام المحاكم والنيابات بالشكاوى والقضايا بين ملاك المساكن (المؤجرين) وبين المستأجرين، خصوصاً والتقارير الاقتصادية تؤكد أن 80% من ديون المجتمع المتراكمة موصولة بالإيجارات المستحقة لملاك العقارات.
خلاصة القول: إن المعطيات السابقة تؤكد بلا شك أهمية إقرار البرلمان لمشروع تعديلات القانون (22) 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر 2021م، لكن الأهم هو تطبيق هذا القانون لما يسهم بحلول عاجلة تخفف من معاناة كثير من المستأجرين الذين بلغت الأوضاع ببعضهم للاضطرار إلى ترك مساكنهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات، والتي زادت ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب، بينما يصر ملاك العقارات على التمسك بشروطهم وطلباتهم وإجراءاتهم في عقود تأجير العقارات والمساكن.