وكالة الصحافة اليمنية/خاص/
قبيل عدّة أيّام من صدور قرار نقل البنك المركزي الى عدن كان بن دغر قد قدم تقريرا تفصيليا للمؤسّسات مالية الدولية تثبت “كما يقول” عدم حيادية البنك المركزي في صنعاء وأن نقل البنك المركزي أصبح ضرورة لإنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار، متّهماً “أنصار الله” بالعبث بالمال العام، مطالبا صندوقَ النقد الدولي بوقف التعامل مع محافظ البنك محمد عوض بن همام، وحجز الاحتياطات المالية الأجنبية للبنك في البنوك الدولية، والبالغة 1.6 مليار دولار.
في ذاك الوقت صرح كثير من مراقبين أن قرار هادي سيحدث حالة من الإرباك الشديد للقطاع المصرفي المحلي.. واما فيما يتعلّق بالتعاملات المالية الدولية فبموجب القرار ستستحوذ حكومة بن دغر على الاحتياطات المالية الأجنبية للبنك في البنوك الدولية، باعتبار حكومة هادي معترفاً بها دوليا، يضاف إلى ذلك أن قرار وقف التعامل مع البنك المركزي في صنعاء سوف يتسبّب بوقف التحويلات المالية الدولية إلى صنعاء وتحويلها إلى عدن، كما سيجبر البنوك التجارية والاسلامية على التعامل مع البنك في عدن.
في 18 سبتمبر من العام الماضي أصدر “المستقيل” هادي قراره من الرياض بإقالة مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في صنعاء، ونقله من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن.
بن دغر لدى لقائه القائم بأعمال سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى اليمن ريتشارد رايلي، اشار إلى أن سلطات الأمر الواقع في صنعاء أو ما أسماهم “الانقلابيين”، قاموا بإيقاف مرتبات الموظفين في المناطق المحررة – كما يزعم- إلى جانب إيقافهم النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية، وان هذا القرار جاء استشعارًا من الحكومة لمسؤوليتها تجاه جميع فئات الشعب اليمني.
وعلى حد قوله أن “الميليشيا الانقلابية” استنزفت أموال الدولة في تمويل المجهود الحربي، وأن حكومته سوف تعمل على إعادة ترتيب إدارة البنك ورفده بالموارد اللازمة لتغطية الاحتياجات والنفقات لموظفي الدولة مدنيين وعسكريين” دون استثناء، وتعهد بن دغر بأن تفي حكومته بكل ما عليها من التزامات بالدين الداخلي والديون الخارجية.
تحذيرات
خطوة الفار هادي التي تضمنت نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن قوبلت بأول رد بدأه محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام ونائبه محمد أحمد السياني ومدراء عموم البنوك العاملة في اليمن، بان هذا اجراء غير قانوني، وسيترتب على هذا القرار تبعات كارثية على الاقتصاد الوطني، مؤكدين ضرورة استمرار تعزيز الثقة بالجهاز المصرفي.
فيما تحدث قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في خطاب له أن هذا القرار “جاء بتوجيهات من أمريكا وأن البنك المركزي كان حريصا على البقاء محايدا طوال الفترة الماضية للعدوان”، مبدياً ثقته الكبيرة في قدرة الشعب اليمني على مواجهة التحديات العسكرية والاقتصادية في آن واحد.
القرار مغامرة، كما وصفه العديد من الخبراء الاقتصاديين، باعتباره “يعرض مصادر عيش 1.2 مليون موظف يمني معظمهم في المحافظات الشمالية للخطر بل يعرض الاقتصاد اليمني للانهيار”، وحمل في طيّاته جملة من التساؤلات حول شرعية القرار، والأسباب التي تقف خلفه، فضلاً عن إمكانيّة التطبيق في ظل العديد من التحديات التي تواجه.
كما كانت هناك تحذيرات اخرى من البنك الدولي من خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة، فالقرار جاء متعارضًا بصورة كلية مع التوجهات المعلنة للمجتمع الدولي والدول الـ 18 الراعية للتسوية، ومع الموقف المعلن للأمم المتحدة، التي شددت على لسان المبعوث الأممي في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن والتي شددت على دعم البنك المركزي اليمني وإدارته ودعم جهودها المستقلة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
غطاء دولي
في ذاك الوقت نقل دبلوماسي أوروبي رفيع لـ”وفد صنعاء” في جولة الكويت الثانية عن معلومات تؤكد أن خطوة نقل البنك المركزي لم تحظَ بتأييد واسع من قبل المجموعة الأوروبية، أو ما يسمى دول الـ18، وأن الخطوة كانت سعودية بضوء أخضر أميركي، وأشار الدبلوماسي إلى تحفّظ مؤسسات مالية دولية على هذه الخطوة لما لها من تداعيات خطيرة على الوضع الاقتصادي في اليمن، غير أن واشنطن ودولاً خليجية تمارس ضغوطاً كبيرة على تلك المؤسسات، في إشارة إلى إمكانية استجابة تلك المؤسسات للضغوط، وهو ما حدث بالفعل.. في تلك الحظة باشرت وكالات والصحف الدولية بنشر تقارير متعددة اتفقت جميعها أن القرار جاء بهدف استخدام ورقة التجويع ضمن أدوات الحرب التي تستهدف كل الشعب اليمني.
قانونية القرار
ومع كل هذا فقد جاء قرار نقل البنك المركزي إلى عدن وإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك مخالفة صريحة للدستور والقانون، فقد قضت المادة 4 من القانون رقم 14 لسنة 2000 بشأن البنك المركزي اليمني بأن يكون المركز الرئيسي للبنك مدينة صنعاء لتسير أعماله داخل الجمهورية وخارجها.
فيما قضت المادة 10 من ذات القانون بأن يتكون المجلس من سبعة أعضاء، وان يعين المحافظ ونائب المحافظ وأعضاء المجلس بقرار جمهوري بناء على ترشيح من مجلس الوزراء، ووفقًا للدستور فإن مجلس الوزراء الذي يترأسه أحمد عبيد بن دغر “غير شرعي”، كونه لم يحصل على ثقة البرلمان اليمني وبالتالي فإن قرارته أو ترشيح مجلس إدارة البنك المركزي مخالفة للدستور والقانون.
في نفس الوقت تضمن قرار هادي “المنتهية صلاحيته” تعيين 7 أعضاء جدد وهم موظفون عموميون، وهذا يخالف نص الماده11من قانون البنك المركزي اليمني التي تنص “على عدم جواز تعيين عضو في مجلس الإدارة أو أن يستمر في عضويته إذا كان عند تعيينه أو أصبح بعد تعيينه عضوًا في مجلس الوزراء أو عضوًا في مجلس النواب أو موظفًا عامًا باستثناء ممثل وزارة المالية”.
كما أن القرار لم يلتزم بالقانون بقيامه بتنحية جميع مجلس إدارة البنك بالمخالفة للفقرة 4 من المادة 10 من ذات القانون، وذلك من حيث المدد التي أوجبت استمرار العضو في عضوية المجلس حتى يكمل مدته وهذا أمر وجوبي، حيث حدد القانون الحالات التي ينحى فيها العضو بنص صريح ولا وجود لأي حالة تحق تنحية مجلس الإدارة.
تداعيات
وبرغم كل التحذيرات من تبعات قرار الفار هادي وما سيترتب عليه من اوضاع كارثية على الاقتصادي الوطني، وتهديده للمصلحة العامة وتتضرر حياة المواطنين نتيجة عجز البنك عن توفير الرواتب والاجور، وتحميل اليمن التزامات قانونية كون هذا القرار سيسمح لحكومة الرياض استغلال الموارد المالية المتأتية الى البنك المركزي، سواء عن طريق تحصيل أموال الدولة أو عن طريق القروض الخارجية في تمويل الحرب، وبذلك يكون البنك المركزي قد حمل الدولة التزامات خارجية ناتجة عن تصرفات حكومة الرياض ويتحمل تبعاتها أبناء الشعب اليمني كافة، كما أن هذا القرار يشكل خطرا على الشكل القانوني للدولة.. برغم كل تلك التحذيرات الا ان الفار هادي لم يكترث اليها ولم يعرها اي اهتمام.
تبعات اقتصادية
بعد مرور اكثر من عام على نقل البنك الى عدن هل انقذ بن دغر الاقتصاد من الانهيار وهل اوفى بتعهداته التي التزم بها تجاه الشعب اليمني!؟..واين ذهبت الحماسة التي كان يتحدث بها عند اطلاقه لقرار نقل البنك وقدم من خلالها الوعود للشعب اليمني بإنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار وتسليم الرواتب!؟
ما هي الا لحظات وسرعان ما تحولت تلك الحماسة إلى خيبة أمل، فالرواتب لم تصرف والضائقة المالية زادت عن حدها، وبدأ الانهيار الشامل للاقتصاد اليمني تدريجيا.. فأغلب المناطق اليمنية تعاني أزمة إنسانية، لا سيما بعد تنصّل الفار هادي من دفع رواتب موظفي الدولة، فيما تجد صنعاء نفسها أمام عدوان اقتصادي قد يكون أكثر فتكاً من الآلة العسكرية المستمرة في القتل والتدمير.
فالحرب الاقتصادية تستهدف جميع اليمنيين بلا استثناء، من خلال الحصار الخانق والحظر الجوي وممارسات خفية تهدف إلى سحب ما تبقى من سيولة ماليّة، فضلاً عن توسّع نشاط السوق السوداء وظهور مؤشرات المجاعة وسوء التغذية في بعض المناطق الساحلية الغربية، بعد ان منع العدوان مئات الصيادين من ممارسة أعمالهم.
فالقرار سبب في حدوث أزمة الاقتصادية عصفت بأكثر من مليون موظف في اليمن يعولون اكثر من 10 مليون فرد من اسرهم مع اوضاع معيشية طاحنة، فيما امعنت الرياض وعملائها في حكومة الفار هادي في ممارسة الابتزاز والمماطلة في صرف مرتبات الموظفين على الرغم من تعهداتها للأمم المتحدة والمؤسسات النقدية الدولية منذ نقل البنك إلى عدن والتحكم في موارد النفط والغاز وتسلم عملة نقدية بمبلغ 400 مليار ريال يمني طبعت في روسيا، وتعهدها بإنهاء ازمة المرتبات وصرفها لكافة موظفي الدولة في عموم البلاد وتحييد البنك المركزي ودوره عن الصراع والحرب ووقف ممارسات العقاب الجماعي بحق اليمنيين.
ونتيجة لهذا القرار الكارثي واستمرار العدوان وانعدام الخدمات الأساسية وتدهور الوضع الاقتصادي والإنساني ارتفعت نسبة الفقر في اليمن إلى مستويات غير مسبوقة، فوفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 85 % من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 27.4 مليون نسمة بينما يعاني 17 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، و 20.7 مليون نسمة بحاجة الي مساعدات انسانية، فيما 9.8 مليون نسمة مهددين بخطر المجاعة والموت جوعا.
ماذا بعد
في أغسطس الماضي تحدث “أوك لتسما” مدير البرنامج الإنمائي باليمن التابع للأمم المتحدة في إحاطته لصحفيي الأمم المتحدة عبر الأقمار الصناعية من مكتبه في صنعاء، بقوله: “نحن نعلم أن البنك المركزي قد انتقل إلى عدن، ومن غير الواضح إلى أين تنتهي الإيراداتُ التي تحصّل في محافظات اليمن الجنوبية وإيرادات بيع النفط”، وأضاف قائلاً إنه “ليس من الواضح ما إذا كانت الأموالُ تذهَبُ إلى البنك المركزي في عدن أَوْ لحسابات الحكومة في الخارج، لكن ما هو واضح أنه أينما ذهبت تلك الأموال إلا أن المرتبات لم يتم دفعُها من قبل الحكومة في عدن”.
خرج بعد ذلك رئيسُ الوزراء السابق في حكومة هادي المنتهية صلاحية ليتهم حكومة بن دغر بنهب سبعمئة مليون دولار من نفط منطقة المسيلة في حضرموت خلال عام.. وأضاف في تغريدات على تويتر أن حكومة هادي مازالت تنهب النفط، إضافة إلى سرقتها 400 مليار ريال يمني المطبوعة في روسيا، وأن ذلك موثق حسب تعبيره.
ان كل هذه الاحداث تؤكد دقة السياسة التي انتهجتها دول العدوان ومن يقف وراءها من دول العالم ومرتزقتهم من الداخل لتدمير الاقتصاد اليمني، وتضييق الخناق على الشعب دون استثناء، في إطار عدوان اقتصادي هو الاقذر من نوعه على مر التاريخ.
لذلك يمكننا اليوم ان نقول ان البنك المركزي في صنعاء قد نجح فعلا في عمله وحيادتيه واوفاء بالتزاماته خلال أكثر من 18 شهر من بدء العدوان في فترة ما قبل استصدار الفار هادي لهذا القرار!!. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اين ذهبت وعود بن دغر!؟
وهل اوفى هادي بالتزاماته “غير الشرعية” التي وعد بها بعد اصداره لقرار نقل البنك المركزي الى عدن!؟