بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي : جبهة الجولان أولى معادلات القوة !!
وكالة الصحافة اليمنية// خرجت واشنطن من الاتفاق النووي. ومعها بدأ العالم يُطلق تحليلاته حول الآثار والنتائج. أسئلةُ عديدة طرحها العالم خلال يومين تمحورت حول سؤالٍ مركزي: هل المنطقة على شفير حرب؟ وكأننا لا نعيش الحرب! بالأمس تدحرجت الأمور نحو تصعيدٍ عسكري كانت ساحته هضبة الجولان السورية. لم يكن ما حصل منفصلاً عن أحداثٍ سبقته من […]
وكالة الصحافة اليمنية//
خرجت واشنطن من الاتفاق النووي. ومعها بدأ العالم يُطلق تحليلاته حول الآثار والنتائج. أسئلةُ عديدة طرحها العالم خلال يومين تمحورت حول سؤالٍ مركزي: هل المنطقة على شفير حرب؟ وكأننا لا نعيش الحرب!
بالأمس تدحرجت الأمور نحو تصعيدٍ عسكري كانت ساحته هضبة الجولان السورية. لم يكن ما حصل منفصلاً عن أحداثٍ سبقته من الاعتداءات الإسرائيلية على محور المقاومة في سوريا وصولاً الى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. لكنه شكَّل تحوُّلاً في مسار الصراع سيُعيد خلط الأوراق من جديد. فكيف كانت معادلة جبهة الجولان أولى رسائل القوة؟
منذ التاسع من نيسان/ابريل تمارس “تل أبيب” سياسة التصعيد العسكري في سوريا وتُرفقه بتصعيدٍ سياسي وإعلامي اقليمي. كل ذلك بهدف منع محور المقاومة بحسب ادعائها، من تركيز التواجد العسكري في المنطقة الموازية للحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة. مارست “تل أبيب” التصعيد العسكري عبر استهدافها غير مرة مراكز يتواجد فيها مستشارون إيرانيون . منذ ذلك الوقت، أدخلت القيادة الإسرائيلية نفسها في لعبة مباشرة مفتوحة مع إيران، انتظر فيها الإسرائيليون الرد حتى أيقنوا أنهم دخلوا مقامرة ستكون نتائجها عليهم عكسية. أدخلهم الإنتظار في نفقٍ من الهستيريا والتخبُّط عكسه الاستنفار الأمني والعسكري.
شهرٌ من الإنتظار دفع نتنياهو ليفقد صبره في انتظار الرد الإيراني، ويُمارس اسلوبه المعروف بالتسوُّل السياسي عبر توجهه الى موسكو أمس، ولقائه الرئيس الروسي. خرجت صحيفة “هآرتس” لتستهزئ بتوقعات رئيس الحكومة، وأشارت في مقال تحت عنوان “ستندم (اسرائيل) على رهان نتنياهو السيئ على بوتين” لتؤكد أن نتنياهو سمع لغة روسية قاسية وصلت لحد تعبير الجانب الروسي عن أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا لا يقل عن كونه “لَعِب خطر بالنار” وعلى “تل أبيب” تحمل مسؤولية خياراتها ونتائج تصعيدها بشكل منفرد.
ليلة أمس، عاودت “تل أبيب” ممارستها التصعيد، عبر استهدافٍ مدفعي لمواقع في محافظة القنيطرة، وبلدة حَضَر ومواقع أخرى. فجر اليوم، سقطت عشرات الصواريخ على أهداف إسرائيلية عسكرية نوعية في الجولان وهي: مركز الاستطلاع الفني والإلكتروني، مقر وحدة الجمع الصوري 9900 الحدودية، مركز عمليات التشويش الالكتروني، مركز التنصت على الشبكات السلكية واللاسلكية في السلسلة الغربية و محطات اتصال، مرصد وحدة السلاح البري المُوجه، مقر القيادة العسكرية الإقليمية للواء 810، مقر قيادة قطاع كتائب حرمون، المقر الشتوي للوحدة الخاصة “البنستيم”. في المقابل زعمت تل أبيب بأنها ردَّت عبر استهداف مصادر النيران، ومواقع معادية.
لم يكن ما حصل فجر اليوم في الجولان أمراً عادياً. بل إن القراءة الأولية كافية لتُظهر تحولاً في مسار الصراع، نشير لدلالاته عبر التالي:
أولاً: اشتعلت جبهة الجولان لأول مرة منذ عام 1974. وهو ما يُرسل رسالة واضحة لجيش العدو الإسرائيلي بأن أي مواجهة ستبدأ من حيث انتهت كل المواجهات السابقة، وستكون جبهة الجولان الحساسة بالنسبة للكيان، جبهة حرب حتمية. ما يعني الكثير على الصعيد الجيوعسكري بالنسبة للحسابات الإسرائيلية.
ثانياً: الاستهداف مدروس حيث أن المراكز المُستهدفة ترتبط بقيادة الجو والبر العسكرية. وهو ما له العديد من الدلالات خصوصاً لما تعنيه هذه المراكز في حسابات الحرب والميدان والتحكم في عمليات الرصد وتغذية المعركة بشكل مباشر براً وجواً.
ثالثاً: عكَس التكتُّم المقصود للجيش الإسرائيلي وجهاز الرقابة العسكرية حول عدد الصواريخ التي سقطت وأنواعها والأماكن التي سقطت فيها حالة التخبُّط أمام نجاح عملية الرد نوعاً وكماً.
رابعاً: فهمت “تل أبيب” الرسالة وعبَّرت عن خيارها عدم التصعيد من خلال دعوتها المستوطنين للخروج من الملاجئ والبقاء قريبين منها. وهو يعني فشل فرضية التصعيد الإسرائيلي والتزام السقف العسكري الطبيعي حتى الآن.
إذن، يشهد شهر أيار/مايو الحالي تحولاتٍ على الصعيدين السياسي والعسكري ليست ببعيدة عما حدث بالأمس. خروج أمريكا من الإتفاق النووي كان خطوة لوضع المستقبل أمام سيناريوهات عديدة مفتوحة. لكنها سيناريوهات ستنتهي حتماً بالعودة الى لغة التسويات، حيث يُدرك أصحاب القرار أن محور المقاومة قادر على قلب المعادلات وإخراج الكثيرين من اللعبة الإقليمية. من هنا يجب قراءة نتائج الخروج الأمريكي بربطه بالسياسة التي سيتَّبعها اللاعبون الأساسيون كرد فعل وهو ما يعني أن سلوك الأطراف يُحدد الخيارات. في الحقيقة سعت أمريكا لإعطاء حلفائها الغربيين فرصة سياسية (بين 3 الى 6 أشهر) للجوء الى تسويات مع طهران قد تُحقق أفضل من الاتفاق الحالي.
وكذلك أعطت واشنطن حلفاءها القارعين طبول الحرب، فرصة عسكرية لتحقيق شيء في معادلات الميدان ما قد يُساهم في تعزيز أوراق واشنطن المستقبلية.
في المقابل، جاء الرد الإيراني على الفرصتين مُحكماً ومدروساً وجسَّدت تصريحات قائد الثورة القاعدة الأساسية لذلك. على الصعيد السياسي الدبلوماسي، ينطلق الإيرانيون من حقيقة أن أفضل ما يمكن أن يحصل عليه الغرب كان هذا الإتفاق. وعلى الصعيد العسكري، أراد محور المقاومة بالأمس إيصال رسالة لتل أبيب مفادها أنها لن تُحقق أي شيء عسكري ولو خرجت أمريكا من الإتفاق، وبالتالي باتت إيران وحلفاؤها هم من يتحكم بقواعد اللعبة. فـ سياسياً، ستُدرك واشنطن قريباً أنها أخطأت الرهان بعد أن أسقطت ورقة الاتفاق الدبلوماسية وأعطت طهران الفرص والذرائع لكافة الخيارات المفتوحة لا سيما ابتزاز أوروبا وإظهار وجهها القبيح. عسكرياً، فإن ما جرى بالأمس يعني بدلالاته بأن الحرب إن اشتعلت ستبدأ من المكان الموجع لتل أبيب، وستكون حتماً خاسرة لها ولحلفائها وهو ما قد يمنع وقوعها. وفي كلا الحالتين، باتت النتيجة معروفة.
محمد علي جعفر / العهد