متابعات: وكالة الصحافة اليمنية//
الـ15 من مايو/أيار 2018، إنه يوم الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية التي زاد من غصة إحيائها هذا العام تزامنها مع تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وسط موجة تطبيع وغزل عربي غير مسبوق تجاه “إسرائيل”، لم يشفع لها ضجيج المواقف المعلنة في قمتي القدس بإسطنبول والدمام.
سبعينية النكبة.. موسم الهجرة إلى أحضان “إسرائيل”
قرار الرئيس الأمريكي كان بمثابة الوعد الجديد لـ”إسرائيل”، وهي تحتفل بالعيد السبعين لقيامها، بينما مثَّل القرار نكبة جديدة للفلسطينيين، زادها يأسًا تصريحات وخطوات برزت من دول عربية بدت منسجمة مع الموقف الأمريكي من القدس ومهرولة نحو التطبيع مع “إسرائيل”.
لم يستطع الحكام العرب إصدار أي بيانات شجب أو استنكار للقرار الأمريكي، فيما اكتفت الجامعة العربية بإصدار بيان “هزلي” دعا لعقد اجتماع طارئ يوم الأربعاء لبحث تداعيات افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس، رغم أنّ القرار معلن منذ أكثر من شهر، اجتماع العرب لن يكون إلا لإعطاء صك الموافقة والمباركة على القرار.
وفي حين يبدو قرار ترامب مرفوضًا في ظاهره ببيان يعلن الاستنكار بعد تنفيذه، تكشف تسريبات نشرتها وسائل إعلام غربية بعد قرار ترامب، تفاهمًا أمريكيًا مع عواصم عربية رئيسية على قرار نقل السفارة ضمن ترتيبات ما باتت تعرف بـ”صفقة القرن”.
وعلى عكس المواقف العربية المعلنة، صدرت خلال الأشهر الماضية تصريحات وخطوات نحو التطبيع أظهرت أن الضجيج الذي صدر عن عواصم عربية لا يمت بصلة علاقة إلى الأفعال على الأرض، والتي بشَّرت بـ”عصر جديد من العلاقات غير المسبوقة بين العالم العربي و”إسرائيل” كما وصفها نتنياهو نفسه في تصريح له قبل أشهر قليلة.
وبين وعد ترامب وضجيج العرب، يغرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبيل افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس المحتلة يوم الإثنين، قائلاً: “الرئيس ترامب وعد بأنه سيعترف بأورشليم عاصمة لـ”إسرائيل” ووفى بذلك، ووعد بنقل السفارة الأمريكية إلى أورشليم وهو يفي بذلك”.
ويجمع مراقبون أن القضية الفلسطينية تذبذبت أهميتها على أجندات الأنظمة العربية صعودًا وهبوطًا، وليس أقلها على طاولة حكام باعوا القضية بثمن بخس، وباعوا معها ضمائرهم وذممهم، مقابل رضى “إسرائيل” وأمريكا، فسكتوا على تهويد القدس، وقبلوا بنقل السفارة للمدينة المقدسة، ورقصوا على إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وأعطوا الضوء الأخضر لتمرير ما يعرف بصفقة القرن.
محمد بن سلمان.. هرولة سعودية متسارعة للتطبيع مع “إسرائيل”
التقت خطط ترامب سريعًا مع الجهود السعودية مع تولي الشاب محمد بن سلمان ولاية العهد، وبدا أن المحرك الإقليمي الأبرز للتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط هو القيادة السعودية الجديدة التي يبدو أنها تحظى بدعم أمريكي كبير، وبدت العلاقة مع “إسرائيل” محور التغيير المحتمل القادم في الشرق الأوسط.
ومنذ ظهور ولي العهد الجديد في الصورة، عمد على مدار الأشهر الماضية إلى إثارة الجدل بشأن القضية الفلسطينية، بتصريحات ومواقف مثيرة للجدل، عن حق اليهود في أرض فلسطين تارة، وضرورة التعاون والتطبيع مع “إسرائيل” تارة أخرى.
أبرز هذه المواقف ما كشفته القناة العاشرة الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي من تصريحات أدلى بها محمد بن سلمان في أثناء لقاء سري جمعه مع ممثلي منظمات يهودية أمريكية خلال زيارته للولايات المتحدة نهاية مارس/آذار الماضي هاجم فيها القيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.
وذكرت القناة نقلاً عما قالت إنها مصادر عدة، أن ابن سلمان قال: “منذ أربعين عامًا والقيادة الفلسطينية تفوت الفرص، حيث رفضت جميع المقترحات التي قدمت لها، لقد حان الوقت كي يقبل الفلسطينيون الاقتراحات والعروض والعودة لطاولة المفاوضات أو فليصمتوا ويتوقفوا عن التذمر.
وفي اعتراف صريح بشأن تخلي السعودية عن دورها في قضية القدس، قال ابن سلمان: “القضية الفلسطينية ليست الأولوية القصوى لحكومة المملكة ولا للرأي العام السعودي، وهناك قضايا أكثر أهمية وأكثر إلحاحًا للتعامل معها مثل إيران، على الرغم من ذلك يجب أن يكون هناك تقدم حقيقي نحو اتفاق مع الفلسطينيين قبل أن يصبح بالمستطاع تعزيز التطبيع بين المملكة العربية السعودية وبقية العالم العربي مع “إسرائيل””.
هذه التسريبات جاءت بعد أسابيع قليلة من مقابلة أجراها ابن سلمان مع مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية اعترف فيها بوطن لـ”إسرائيل” في فلسطين، الأمر الذي تسبب بموجة غضب فلسطينية كبيرة، وقال: “ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة “إسرائيل”، وأعتقد أن لكل شعب الحق في أن يعيش في وطنه بسلام”.
وقبل ذلك، بدأ ابن سلمان في تحريك أجهزته الإعلامية لتمهيد الرأي العام السعودي والخليجي، لتطبيع كامل متكامل مع “إسرائيل”، كما مارس أدوارًا مشبوهة في الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن لقبول ما يعرف بـ”صفقة القرن” والتمهيد لفتح سفارة إسرائيلية على أرض الحرمين الشريفين، وإجراء العديد من اللقاءات السرية مع قادة إسرائيليين للتمهيد لتلك اللحظة.
لم يكتفِ ابن سلمان بذلك، لكن الرجل ضخّ مليارات الدولارات في خزانة الرئيس الأمريكي ترامب قائد ومخطط صفقة القرن، وذلك أملًا منه أن تقبل الإدارة الأمريكية اعتلاءه عرش المملكة خلفًا لأبيه مقابل صمته عن قرارات ترامب بشأن القضية الفلسطينية.
وبرأي المحلل السياسي الدكتور عزام التميمي، في حديثه للجزيرة، فإن ترامب “لم يكن ليتخذ قراره لولا حصوله على ضوء أخضر من السعودية”، وتابع “للأسف الذي تغير ليس الموقف الأمريكي وإنما الموقف العربي الذي شجعه ومنحه الضوء الأخضر لنقل السفارة للقدس.
أبناء زايد و”إسرائيل”.. علاقات من السر للعلن
لا تختلف الإمارات كثيرًا عن السعودية، فالحلفاء لا يختلفون في الخيانة والغدر، وكلاهما أهم مكونات محور الاعتدال بحسب التوصيف الإسرائيلي؛ وقد تحولت الإمارات بفضل سياستها الخارجية المثيرة للجدل إلى داعم رئيسي لتهويد القدس وشريك أساسي في تمرير “صفقة القرن”.
يعد حكام الإمارات محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، ومحمد بن راشد ولي عهد دبي، أهم أبرز المسؤولين عن عملية التفريط في القدس، لما لهما من نفوذ قوي وتأثير واسع على صناعة القرار في الداخل الأمريكي بحسب التحقيقات التي تجرى حاليًا مع مستشارين للرئيس الأمريكي ترامب.
فيما تمضي خطوات التطبيع بين كل من أبو ظبي وقبلهما الرياض مع “إسرائيل” حثيثًا في مساراتها وأبعادها المختلفة، لا يخفى على أحد الأدوار المشبوهة التي قامت بها الإمارات في التطبيع مع “إسرائيل”، سواء عن طريق الضغط على السلطة الفلسطينية لقبول “صفقة القرن”، أو الترويج لها عربيًا ودوليًا أو محاربة التيارات الإسلامية أو تضييقها المتواصل على حركات المقاومة في فلسطين.
ولا تحتاج التسريبات التي لاحقت الإمارات من خلال اختراق بريد سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة، إلى دلائل وبراهين أخرى للدلالة على ما آلت إليه العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، فضلًا عما كشفه نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال الخطيب بالداخل المحتل من أن دولة الإمارات كانت تضخ الأموال من أجل إضعاف صمود المقدسيين والتآمر عليهم لصالح المؤسسة الإسرائيلية.
وقبل يومين فقط كشفت وسائل إعلام أمريكية لقاء جمع سفيري الإمارات والبحرين في واشنطن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطعم راقٍ بواشنطن في مارس/آذار الماضي، وبحسب صحيفة واشنطن بوست، سلط اللقاء الضوء على أحد أسوأ الأسرار المحفوظة في العالم العربي، وهي “العلاقات الهادئة بين “إسرائيل” والإمارات وبعض من جيرانها العرب الذين يزداد اقترابهم من “إسرائيل” بقيادة السعودية، رغم عدم اعترافهم رسميًا بوجودها.
وعلى عكس مواقف الإمارات والبحرين المعلنة رفضًا لقرار ترامب خطت الإمارات خطوات جديدة نحو التطبيع الرياضي مع “إسرائيل”، كان آخرها مباراة أقيمت بين منتخبها للسيدات مع نظيره الإسرائيلي في بطولة أوروبا المفتوحة للـ”النت بول” أو كرة الشبكة.
وتأتي هذه الخطوة المتزامنة مع الذكرى الـ70 لنكبة فلسطين بعد قرابة أسبوع على مشاركة الإمارات والبحرين في سباق طواف إيطاليا 2018 الذي استضافته “إسرائيل”، ضمن احتفالاتها بالذكرى السبعين لقيامها، حيث شارك دراجون إماراتيون وبحرينيون في سباق نظم بالقدس المحتلة ضمن فعاليات سبعينية قيام “إسرائيل”.
آل خليفة والسير على خُطى السعودية والإمارات
ورغم غياب التطبيع الرسمي والدبلوماسي بين “إسرائيل” والبحرين، فإن لقاءات واتصالات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين جرت في السر والعلن، كان آخرها قبل أيام من افتتاح السفارة الإسرائيلية بالقدس، حيث كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، عن لقاء جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكل من السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، والبحريني عبدالله بن راشد آل خليفة، في مارس الماضي.
وسعى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لإتمام “صفقة القرن”، مقابل أن تحميه “إسرائيل” من التمدد الشيعي والخطر الإيراني الذي يطارد عرشه في السلطة، ويؤكد ذلك العشاء الذي جمع نتنياهو بالعتيبة وآل خليفة، فقد أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إلى أن هناك قضية جديدة مشتركة تجعل هؤلاء أكثر قربًا من “إسرائيل”، وهي الوقوف ضد إيران.
ظهر ذلك جليًا مع التأييد العلني الأخير لوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة للضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد مواقع إيرانية بسوريا، واعتبارها حقًّا من حقوق “إسرائيل” للدفاع عن نفسها.
كثيرة هي الخطوات البحرينية التطبيعية، وليس آخرها المشاركة في مهرجان رياضي احتفالاً بالذِّكرى السَّبعين لنكبة فلسطين، فقد سبق أن أرسلت البحرين وفدًا تجول في شوارع القدس المحتلة في أوج موجة الغضب الفلسطينية احتجاجًا على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
ومن الخطأ النظر إلى السياسة الخارجيّة البحرينية على أساس الاستقلال، حيث ألحقت المملكة الصغيرة سياساتها الخارجية بنظيرتها السعوديّة، فتستخدم الأخيرة البحرين كرأس حربة في المشروع التطبيعي لتنفيذ ما تعجز عنه في ملف العلاقات مع “إسرائيل”، وهذا ما دفع بالبعض لتسمية وزارة خالد آل خليفة بدائرة البحرين في وزارة الخارجيّة السعوديّة.
مصر في عهد السيسي.. عصر التطبيع الذهبي
خلافًا لما هو معهود، لم يعد التحرك إلى أحضان العدو يتم سرًا في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولم يعد التواصل مع الإسرائيليين يجري في جنح الظلام إنما يتم جهارًا نهارًا وسط القاهرة، وحتى عبر زيارة تل أبيب والتودد للمسؤولين هناك.
ولم يكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتحرك في السر كالسعودية والإمارات، لكنه كان صريحًا منذ اللحظة الأولى التي انقلب فيها على مرسي، وفي مناسبات عديدة عبَّر عن التزامه بأمن “إسرائيل” رغم استمرارها في خنق قطاع غزة وتهويد القدس وتقطيع أوصال الضفة.
وحرص السيسي في كل المحافل الدولية على التأكيد أن حماية وأمن “إسرائيل” من مهامه، وأنه لا يسمح لحدود مصر أن تكون مصدر إزعاجها، فضيّق الخناق على المقاومة الفلسطينية وهدم الأنفاق ومنع عنهم السلاح والمؤنة ومارس عليهم ضغوطًا سياسية وقضائية وساومهم بمعبر رفح، إرضاءً لـ”إسرائيل”.
وفي لقاء تليفزيوني مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، أعلن السيسي أن 50 دولة عربية وإسلامية ستطبع العلاقات مع “إسرائيل” في حال توصلت لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن مصر تعتبر أحد أهم الدول التي تشارك في الدفع بتلك التسوية.
وأفاد تقرير صحفي نشرته قناة “i24news” الإسرائيلية على موقعها، بوجود ضغوط من السيسي وابن سلمان، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقبول صفقة سلام طرحتها الولايات المتحدة تحت مسمى “صفقة القرن”.
وكشفت التسريبات التي بثتها قنوات معارضة لنظام السيسي، أنّ مخابرات السيسي أعطت أوامر لوسائل الإعلام والمثفقين والفنانين، بأن يمهدوا الرأي العام لصفقة القرن، وأن يقنعوا العرب والمصريين، بأنه لا فرق بين القدس والضفة، وليس هناك من أزمة أن تعطّى “القدس” لليهود، في مقابل أن تحل القضية الفلسطينية للأبد.
السيسي أيضًا لعب دورًا مهمًا في الضغط على الأطراف الفلسطينية المختلفة وفي مقدمتهم فتح وحماس لقبول بنود “صفقة القرن”، وكان آخرها محاولة إحباط مسيرات العودة خلال زيارة وفد حركة حماس بقيادة إسماعيل هنية إلى القاهرة، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن النظام في مصر أبلغ حركة “حماس”، بأن جيش الاحتلال سوف ينفذ اغتيالات بحق قادة الحركة حال وقوع مواجهات ضخمة على السياج الحدودي المحيط بقطاع غزة.
تلك التصريحات والخطوات التي تسير عليها الدول الأربعة دفعت مراقبين لاعتبارها تشكل أخطر موجة تطبيع مع “إسرائيل”، كونها تأتي في ظل تسارع الخطى الأمريكية لتمرير “صفقة القرن”، وفي أوج الاحتجاجات الفلسطينية على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.