شهد شهر فبراير الماضي، فصلا مسرحيًا جديدًا لمجلس الأمن الدولي تجاه الحرب على اليمن، بإصدار قرار يقضي بحظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين في صنعاء، حتى الـ 28 من فبراير القادم 2023م.
القرار الذي حظي بتصويت 11 دولة تتقدمها أمريكا وروسيا، بالإضافة إلى كونه قد فتح العديد من الاستفهاميات حول التعامل الساذج مع معاناة الشعب اليمن، أثار سخرية تمتد بحجم الحرب التي تقترب من عامها الثامن.
اليمن التي تُعاني أزمة اقتصادية خانقة، وبات سكانها على حافة مجاعة مهلكة، أبرز ما يصل إليها من دعم خارجي هو “الغذاء” المصرح بدخوله عبر برنامج الأغذية العالمي، ويفرض التحالف حصارًا كاملًا عليها، من أين لها أن تستورد أسلحة باهظة الثمن، وكيف لها أن تحصل على عقود صفقات التسليح، إذا كانت الدول التي تشن الحرب عليها، هي ذاتها التي شاركت في التصويت على قرار حظر الأسلحة، وقبل كل ذلك هي التي تُغذي هذه الحرب باستمرار عقد صفقات كبيرة للدول المشاركة في الحرب.
انحاز مجلس الأمن للدول التي تتمتع بثروات طائلة، تنفقها في سبيل السيطرة على بلدان الآخرين، وتدفعها لمن يجيد القتل والتدمير؛ لتحقيق نزوات استعمارية لحكام وجدوا أنفسهم غارقون في الثراء، فتحولوا إلى استبداديين، يصنعون عروشهم الديكتاتورية بقوة المال والسلاح، مهما كانت “الكوارث” التي سيخلفونها، ومهما كان سيل الدماء.
ليس غريبًا أن يقف قرار مجلس الأمن في صفٍ بعيد عن الحقيقة متعمدًا، فإحصائيات الأمم المتحدة المتدنية نفسها تقول بأن عدد المدنيين الذين قتلهم التحالف في اليمن بلغ 377 ألفًا، معظمهم ماتوا بالغارات والقصف المتواصل منذ 2015م، والبقية فتكت بهم الأمراض والجوع، وهي عوامل أدت إليها الحرب، لتضاعف من أرقام الضحايا مع استمرارها.
بالعودة إلى التقارير الاستخباراتية التي تنشرها المواقع المهتمة بالحروب وانعكاساتها على الدول ، سنجد أن اليمن خارج قائمة الدول المستوردة للأسلحة، وأن من يتصدر شرائها على مستوى العالم هما السعودية والإمارات، فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، زادت السعودية من واردتها بنسبة 61% في الفترة بين 2016-2020م،
وشكلت حجم مشتريات المملكة من السلاح 11% من حجم مبيعات الأسلحة العالمية، وتصدّرت أميركا قائمة مزودي السعودية بالسلاح بنسبة 79%، تلتها بريطانيا (9.3%)، ثم فرنسا (4%).
فيما شكلت واردات الإمارات من الأسلحة 3% من الإجمالي العالمي، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة مورّدي البلاد بنسبة (64%) ثم فرنسا (10%) ثم روسيا (4.7%).
المشهد الأكثر سخرية في ملامح مجلس الأمن، هو أن من صاغ القرار بريطانيا، التي كشفت أرقام حكومية عن وصول مبيعاتها من الأسلحة للرياض، إلى ثلاثة أضعاف مما كان يُعتقد في السابق، وبحسب الأرقام الرسمية للحكومة فقد وصلت تلك المبيعات 20مليار جنيه استرليني؛ لتصدير القنابل والصواريخ والطائرات منذ بدء الحرب على اليمن، حيث تبين أن عائدات شركة واحدة فقط هي BAE Systems، بلغت ما يقرب من 17 مليار جنيه إسترليني .
لم يقتصر التوجه السعودي والإماراتي على شراء الأسلحة من أمريكا وبريطانيا فقط، فتدفق الأسلحة على البلدين يصل من دول كبرى مثل فرنسا وإيطاليا والصين وإيطاليا وإسبانيا وجنوب إفريقيا وألمانيا واستراليا ومؤخرا كشف التلفزيون السويسري (ار تي اس) أيضًا عن تورط بلاده في توريد أسلحة إلى الرياض.
لقد تغاضى أعضاء مجلس الأمن عن هذا التدفق المهول من الأسلحة وتواصل عقود الصفقات بأرقام كبيرة، تغاضوا أيضًا عن تقارير لجنة الخبراء المختصة بالشأن اليمني والتي تم إيقافها بإيعاز سعودي، دهسوا كل الأرقام التي حملت في طيأتها عدد الضحايا في اليمن، وأغمضوا أعينهم عن تجار السلاح الفعليين ومستورديه، وخرجوا بقرار “هزيل” منزوع الحقيقة، في مغالطة سافرة، يدرك من نفذها بأن البلدان الضعيفة هي حقول تجارب لطباخة القرارات العشوائية وأماكن فقط لدفن “الواقع” ومحطات للتلاعب بقضايا الأوطان.
أظهر العديد من المتعاطفين مع اليمن شعورًا إنسانيًا تجاه رفض الحرب، حيث تم تنظيم العديد من الاحتجاجات والتظاهرات السلمية الداعية لإيقاف الحرب على اليمن، نُفذت وقفات احتجاجية تُدين تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب، وطالبت بعدم تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات، بالمثل حصل في إيطاليا واسبانيا وحتى في نيجريا، ومع ذلك دهس قطار مجلس الأمن كل التضامن مع اليمن وأصدر قرارا عكسيًا يؤكد أنه شريك في إزهاق أرواح اليمنيين.
قرار مثير للدهشة
المثير للدهشة أن قرار مجلس الأمن جاء بعد مطالبة 99 منظمة دولية، وشبكة حقوقية عربية ودولية في الـ 11 من فبراير الماضي بتجميد مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات ووقف الحرب ورفع الحصار عن اليمن، مؤكدين في بيان أن استمرار الحرب أوصل اليمن إلى أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، كما طالبت المنظمات بإلغاء كافة صفقات الأسلحة باعتبار ذلك قرار صائب وإيجابي لوقف الحرب وإحلال السلام.
من جهة ثانية ذهبت تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن أدراج الرياح، بعد سراب وعوده التي قال فيها بأنه سيوقف تصدير الأسلحة إلى السعودية وجعلها دولة منبوذة خلال حملته الانتخابية، وهي التصريحات التي لاقت ترحيبًا من خلال مناهضي الحرب على اليمن، لكن بعد مرور سنة، وافق على مبيعات بقيمة 650 مليون دولار للرياض، وهي خطوة لم تكن غريبة على محرك الحرب الفعلي على اليمن “أمريكا”.
أمريكا مستمرة في الشرق الأوسط
وكان مركز الابحاث الأمريكي ريسبنسبول ستيتكرافت، قد قال بإنه بينما كانت الأنظار تتجه إلى أوكرانيا، وافقت الولايات المتحدة على صفقات عسكرية أجنبية ضخمة للسعودية والإمارات والأردن والكويت.
وتابع التقرير الذي كتبه نيك كليفلاند وتايلور جورنو ونشره المركز اليوم الأثنين، أن الخارجية الأمريكية وافقت على ما يقرب من 26 مليار دولار خاصة بالمبيعات العسكرية الأجنبية، بينما أجبر الصراع في أوكرانيا على بيع دبابات بقيمة 6 مليارات دولار إلى بولندا.
وأوضح التقرير أن المبيعات العسكرية الأجنبية هذا الشهر أكثر من أي شهر آخر منذ نوفمبر 2020م، حيث ذهب ما يصل إلى 5 مليار من مبيعات الأسلحة في فبراير إلى الشرق الأوسط ، بما يتعارض مع نية الإدارة المعلنة بالابتعاد عن المنطقة.