متابعات / وكالة الصحافة اليمنية //
في السنوات الأخيرة في اليمن، ارتفعت كمية استخدام مبيدات الآفات النباتية على بعض المحاصيل الزراعية، مما فاقم عدد من الأضرار الصحية على السكان.
ارتفاع الطلب على المبيدات، تسبب بزيادة الممارسات الخاطئة والعشوائية من قبل المزارعين، جراء قلة الوعي، وضعف الرقابة، وتزايد الأصناف المهربة، وتدني الخبرات لدى محلات بيع المبيدات.
ضمن سلسلة تقارير حلم أخضر، يتناول هذا التقرير التأثيرات الصحية لمبيدات الآفات الزراعية في اليمن، ويرصد الأسباب والنتائج، والامراض المنتشرة جراء الاستخدام المفرط للمبيدات في البلاد.
ضعف خبرة بائعي المبيدات
الكثير من المزارعين اليمنيين لا يثقون باستشارة أصحاب محلات بيع المبيدات في البلاد، نظراً لعدم امتلاكهم الخبرة بأمراض النبات، الأمر الذي يجعل المزارعين يتداولون المبيدات بطرق ممنوعة ومهربة.
حاول فريق التحقق من الامر، والتقى بعدد من المزارعين، ومحلات التجزئة لبيع المبيدات في صنعاء. تحدث بعضهم، لكن الغالبية لم يفضلوا الحديث وذكر اسمائهم.
وتحدث المزارع أحمد الزيدي (61 عاماً) وهو أحد منتجي فاكهة الفراولة في محافظة المحويت، شمال البلاد. أثناء تواجده لشراء أسمدة من أحد محلات بيع المبيدات في العاصمة صنعاء.
يقول أحمد الزيدي: “تلقى محل مبيدات مش فاهم عند استشارته، فتجده لا يفهم شيء، لأنه ليس خريج زراعة، وليس عمله او اختصاصه، وتجده مثل الدكان، وهنا نواجه مشاكل عندما تعطيه عينة الورقة او النبتة من أجل ان يعطيك العلاج لها، لكنه يعطيك علاج يضر بها، أو يضر بك”.
على ذات السياق، يتفق المهندس الزراعي محمد النجار، مدير أحد محلات بيع المبيدات بصنعاء، على ضعف الوعي والخبرة لدى غالبية محلات المبيدات في البلاد.
وقال النجار :”تقريباً 70% من محلات بيع المبيدات بالتجزئة في بلادنا، غير فاهمين وليس لديهم كادر هندسي (مهندسين زراعيين) وحوالي 30% من المحلات فاهمين وليهم مختصين بهذا المجال”.
تاريخ المبيدات في اليمن
عرفَ اليمن استخدام المبيدات منذ قرابة تسعة عقود، وترجع إحدى المصادر التاريخية ذلك إلى العام 1935، عندما طلب الخبير الزراعي أحمد وصفي زكريا، من سيف الإسلام عبد الله بن حميد الدين، استيراد الصابون الأسود لمعالجة مرض جرب التفاح.
ويشير أحد المراجع، أنه تم جلب الكبريت الطبي في تلك الحقبة لمعالجة مرض الدراق في قرية “الروض” المعروفة باسم قرية “القابل” في محافظة صنعاء. (EPA, 2008)
أما في جنوب اليمن، تشير الدراسات إلى تأكد استخدام المبيدات في النصف الثاني من القرن الـ19، ابان الاستعمار البريطاني لعدن.
إذ كانت تستخدم المبيدات لمكافحة آفات الصحة العامة، كالقمل والبق والبعوض الناقل للأمراض. حفاظاً على صحة الجنود البريطانيون. وقد أشار الى ذلك عالم النبات إسحاق بلفور الذي درس البيئة النباتية في سقطرى، جنوب البلاد.
وخلال أربعينيات القرن الماضي، ظهرت المركبات الهيدروكربونية المكلورة مثل (DDT، جامكسان، وباراثيون) واتسع استخدامها في الخمسينيات لمكافحة الجراد وآفات القطن والنخيل وآفات الصحة العامة. (السياني، 2012)
وفي حقبة الستينيات، توسع استخدام المبيدات في اليمن، من خلال المشاريع الثنائية، حيث ظهرت المركبات الفسفورية والكربماتية العضوية مثل: الملاثيون/السيفين وغيرها. (EPA, 2008)
وفي العقود الأخيرة للقرن العشرين، ازداد استخدام المبيدات في اليمن بشكل مكثف نتيجة الكثافة الزراعية، وإدخال محاصيل زراعية جديدة، وأصناف عالية الجودة والإنتاج، لتلبية الاحتياج المتزايد من الغذاء، وتنوع النمط الاستهلاكي.
وتشير الخطة الوطنية للملوثات العضوية الثابتة، أن تلك الأنواع الجديدة للمحاصيل، أظهرت مقاومة أقل للآفات والأمراض، مما دفع بالمزارعين اللجوء لاستخدام المبيدات والأسمدة لحماية محاصيلهم، وزيادة إنتاجياتها.
مع ازدياد الطلب على المبيدات من قبل المزارعين، دخل القطاع الخاص اليمني في عملية استيراد المبيدات من دول عديدة، ولم تكن -آنذاك- عملية الرقابة تامة.
وفي مطلع الثمانينات بدأت وزارة الزراعة اليمنية بتنظيم عملية مراقبة المبيدات وتداولها، من خلال انشاء الإدارة العامة لوقاية النباتات. وبدعم من جمهورية ألمانيا الاتحادية أنشأت البنية الأساسية لوقاية النبات. (EPA, 2008)
إذ تم انشاء مختبر فحص وتشخيص الأمراض النباتية، ومختبر لتربية وإكثار الأعداء الحيوية لبعض الآفات، ومختبر لمراقبة المبيدات وتحليل الجودة، ومختبر للكشف على الأمراض الفيروسية النباتية. وآخر لاختبار صحة البذور.
المبيدات: 80% على القات
طبقاً لتقرير وحدة اتفاقية ستوكهولم في هيئة حماية البيئة اليمنية، تتوفر المبيدات في اليمن لمن يريدها في كل مكان، ويمكن اقتنائها بسهولة ويُسر، من الشركات والموردين وبائعو التجزئة وحتى البقالات والباعة المتجولون!
هذا التوفر للمبيدات، يمنح مرونة للمزارعين. إلا أنه من ناحية يفاقم مشاكل كبرى: كالغش التجاري وتهريب الأنواع الممنوعة من المبيدات، ويزيد من سوء الاستخدام.
يخلق الاعتماد المتزايد على استخدام مبيدات الآفات في الإنتاج الزراعي اليمني. آثار سلبيه على صحة الانسان والحيوان، والبيئة بشكل عام.
وقد فاقم الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة الكيميائية، خلال السنوات الأخيرة، الكثير من المخاطر الصحية على السكان المحليين في البلاد.
بحسب المختصين، تستخدم المبيدات باليمن بشكل مكثف على نبات القات بدرجة رئيسة، ثم الخيار والطماطم، بالدرجة الثانية. في حين تستخدم البقية منها على آفات الصحة العامة.
في حديثة يقول البروفيسور عبد الرحمن ثابت، أستاذ سُمية المبيدات، بكلية الزراعة جامعة صنعاء: “بالنسبة لنا في اليمن نستورد سنوياً ما يقرب من 3 مليون لتر/كجم من المبيدات. هذه المبيدات وصلت إلى ما يزيد عن 1200 اسم تجاري متداول في الأسواق المحلية».
ويضيف: ” 80% من المبيدات في اليمن تستخدم على شجرة القات. و20% منها موجهة للصوب البلاستيكية (البيوت المحمية) لزراعة الخيار”، أما بالنسبة للمحاصيل الزراعية في اليمن، فهي محاصيل موسمية تعتمد على هطول الامطار فلا نستخدم المبيدات عليها”. قال البروفيسور ثابت.
السُمية المزمنة جراء المبيدات
يقول البروفيسور عبد الرحمن ثابت: “لدينا مخاطر تدعى سُمية حادة، يعني ان المستهلك لسعلة غذائية وانا أركز على القات لأنه لا توجد لدينا سلع خضار أو فاكهة تستخدم عليها المبيدات بهذا الشكل الكثيف. ذلك أن 80% من المبيدات تستهلك على شجرة القات”.
وأضاف “ما يحصل بالبداية هو سمية حادة، يعني أن أي شخص مستهلك للقات يبدأ يشعر بنوع من الغثيان، زغللة في العيون، مغص، قيئ، واسهال كأعراض بسيطة لمدة 24 ساعة طيلة فترة تعاطي القات وتنتهي”.
لكن الخطورة هي السُمية المزمنة والتي تحصل نتيجة تراكم المبيد لمدة سنة أو سنتين أو عشر سنوات، فتبدأ تظهر خلال هذه المرحلة الامراض وتشوهات في الأجنة!”. قال ثابت.
يرى البروفيسور عبد الرحمن ثابت، أن خطر المبيدات يؤثر بشكل واضح على صحة النساء الحوامل والمواليد في اليمن، وهو ما أظهرته احدى الدراسات التي شارك فيها قبل 6 سنوات.
المزيد من المشاركات
وفي حديثه قال البروفيسور عبد الرحمن: “في اليمن تتسبب المبيدات بحدوث تشوهات في الأجنة. تحدث تشوهات الأجنة لدى الأمهات خلال فترة الحمل (الأشهر الأولى من الحمل) حين تقوم الأم بتعاطي أغصان نبات القات! علمياً تحسب الجرعة السامة بالملي جرام لكل كيلو جرام من وزن الانسان. فنجد الأم لو حصل لها شوية مغص. ووزنها 70 كيلو والجنين عندنا وزنه نصف كيلو (1-2 كيلو في المراحل الأخيرة للحمل) فتكون الخطورة على الجنين بشكل أكبر، حيث تتركز فيه التشوهات”.
ويضيف البروفيسور عبد الرحمن: “قبل 5 سنوات أجرينا دراسة في مستشفى السبعين للامومة والطفولة بصنعاء، ووجدنا تشوهات في الأجنة بشكل مرعب لدى النساء اللواتي يتعاطين القات، حيث أظهرت النتائج 800 حالة تشوهات في الأجنة خلال فترة الحمل”.
أمراض سرطانية تصيب المزارعين
الفلاحون في اليمن يستخدمون المبيدات بطرق خاطئة وعشوائية، دون الوعي بخطورة تأثيراتها، مما يؤثر على صحتهم وصحة المستهلكين على حد سواء.
يعلق البروفيسور عبد الرحمن ثابت، بالقول: “في اليمن تستخدم المبيدات بطرق خاطئة، من حيث التطبيق أولاً: لا يهتم المزارع بالتوقيت المناسب للرش، وما هي الآفة التي يكافحها!”.
ويضيف البروفيسور ثابت: “يرش المُزارع المبيدات عكس اتجاه الريح، وأغلبية المزارعين وأسرهم في حالة يرثى لها. ومن خلال دراسات ميدانية في محافظة ذمار وجدنا كثير من الامراض السرطانية منتشرة في المزارعين أنفسهم وابنائهم نتيجة الاستخدام الخاطئ للمبيدات، بالإضافة انهم لا يلتزمون بفترة الأمان بعد رش المبيدات”.
أيضاً جني محصول القات.. هناك مواد هرمونية تضاف للقات هي التي تعمل على هيجان النمو الخضري، فنجد المادة الفعالة للمبيد حسب الارشادات الدولية انه في المناطق البادرة مثلا لازم تنتظر من 25 يوم الى شهر لا تجني المحصول. وفي المناطق الحارة يمكن تقل لأنه يحدث النتح”.
ويقوم المزارعين المحليين، بجّني المحاصيل مثل: القات، والخيار، والطماطم، بعد 3-4 أيام من رش المبيدات. مما يفاقم المخاطر الصحية بشكل كبير.
انتشار سرطانات الفم والمستقيم
تشير بعض الدراسات المحلية إلى وجود تركيزات لمتبقيات المبيدات بنسب عالية في بعض المحاصيل، وعلاقتها بازدياد حالات السرطان.
يؤكد البروفيسور عبد الرحمن ثابت، أستاذ سمية المبيدات، “هناك انتشار لسرطانات الفم لدى كبار السن في اليمن، وهي راجعة الى المبيدات. وسببها ان الشخص وهو يتعاطى القات، يطحن القات في أجزاء الفم، ويحصل انحسار لـ اللثة وتمزقها. وتجد المبيد في عصارة القات يكون ملاصق للجروح، ومع التعاطي اليومي للقات، تمتص الجروح كمية من المبيدات المعرضة لها”.
ويضيف: «لدينا مؤشرات مؤكدة بالنسبة لتأثيرات المبيدات المستخدمة على القات، وهي: سرطانات الفم، والمستقيم، وسرطانات الكبد، وهي راجعة للمبيدات المستخدمة على القات».
ماذا عن القوانين والتشريعات؟
أصدر اليمن عدداً من القوانين والتشريعات المتعلقة بوقاية النبات، منها قانون الحجر النباتي رقم (32) لسنة 1999، كما صدر قانون تنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية رقم (25) لسنة 1999. والقانون رقم (7) لسنة 2011 لتعديلات الحجر النباتي.
كما صدر القانون رقم (26) لسنة 1995 بشأن حماية البيئة والذي تنص في مواده على “عدم استخدام أي مبيد إلا بترخيص مسبق وان تكون مخازن ومحلات بيع المبيدات بعيدة عن الأحياء السكنية. وحظر تداول المواد السامة والنفايات الخطرة إلا بترخيص”.
هدفت تلك التشريعات إلى حماية البيئة والانسان من المواد الكيماوية والسامة التي قد تصيب الكائنات الحية والبشر، في المحيط الجغرافي بالضرر.
وصادقت اليمن على عدد من المعاهدات الدولية ذات الصلة بالمبيدات، منها: اتفاقية روتردام PIC المتعلقة بتطبيق إجراء الموافقة المسبقة عن علم على المواد الكيميائية والمبيدات في التجارة الدولية. واتفاقية بازل لنقل النفايات الخطرة عبر الحدود.
كما صادقت اليمن على الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات IPPC، واتفاقية ستوكهولم للملوثات العضوية الثابتة POPS. وبروتوكول مونتريال للمواد المنفذة لطبقة الأوزون.
المبيدات الممنوعة وتضارب المصالح
في اليمن، صدرت أول قائمة رسمية للمبيدات الممنوعة في العام 2007. احتوت هذه القائمة على ما يزيد عن حوالي 900 اسم تجاري تم منع تداولها في البلاد.
وتشير وثيقة من الإدارة العامة لوقاية النبات بوزارة الزراعة، بأن قائمة المبيدات الممنوعة في اليمن، بلغت حوالي 196 مبيداً ممنوعاً حتى 2017. في حين بلغت المبيدات المقيدة بشدة حوالي 154 اسم.
يوضح البروفيسور عبد الرحمن ثابت، لـ «حلم أخضر»: “في تلك الفترة 2007، كانت عبوة المبيد عبارة عن مادة فعالة واحدة. لكن اليوم -للأسف الشديد- وصلت الى 3 مواد فعالة توجد في عبوة واحدة، وأغلبها مواد ممنوعة والكارثة أن المزارعين يخلطون بين عبوتين”.
وبحسب التقارير الحكومية، تمنع اليمن استخدام المركبات الهيدروكربونية المكلورة المُصنعة في المبيدات. كون استخدامها كمبيد زراعي يؤدي لإصابة الإنسان بالفشل الكلوي وأمراض السرطان.
غير أن مهربي المبيدات يُدخلونها إلى الأسواق اليمنية، وهناك بعض المبيدات المحظورة يتم تداولها عن طريق محلات بيع المبيدات. فيما يقبع مهربوها الرئيسيون خارج دائرة المسؤولية.
وفي الفترة الأخيرة، ومع ازدياد جرائم تهريب المبيدات، أصدرت وزارة الزراعة في صنعاء قرار وزاري رقم (33) لسنة 2018، بشأن القائمة السوداء لمستوردي وتجار مبيدات الآفات النباتية.
تهريب المبيدات لليمن
في العام 2009، تم احتجاز شحنة تالفة من مبيد الكبريت في منفذ الوديعة، كانت قادمة من السعودية، وتبين أنها غير صالحة للاستخدام الزراعي. وقد كشفت -آنذاك- عدد من الوثائق الرسمية أن الشحنة تابعة لمؤسسة بن دغسان للتجارة والخدمات الزراعية، بحسب ما نقله موقع “حلم أخضر”.
وبعد مرور 5 سنوات من احتجاز شحنة الكبريت تلك، وتحديداً في يوليو/تموز 2013، تم الافراج عن تلك الشحنة، من قبل وزير الزراعة والري (آنذاك) فريد مجور، بعد توجيه صدر من الوزير، إلى رئيس مصلحة الضرائب بالأفراج عن تلك الشحنة.
وبحسب تقرير سابق فأن أجهزة الشرطة اليمنية عثرت في 16 من نوفمبر 2013، على كمية كبيرة من المبيدات (حوالي 3 طن) وجدت مدفونة في إحدى الاراضي بحي الجراف بالعاصمة صنعاء، وقالت إنها سامة وشديدة الخطورة.
وفي مطلع فبراير/شباط 2014، كشفت وسائل الاعلام الرسمي المحلية، عن 18 مهرباً من المهربين الرئيسيين المتورطين بجرائم تهريب المبيدات والسموم الممنوعة والمحرمة دولياً، دخلت البلاد بطرق غير قانونية.
وكان تقرير بثته جريدة “الثورة” اليومية الحكومية، نقلاً عن تقرير رسمي لوزارة الزراعة، أشار أن كميات المبيدات المهربة والمواد شديدة الخطورة التي دخلت البلاد بالفترة من مارس 2012، وحتى مارس 2013، بلغت حوالي 61,221 كيلو جرام/لتر.
في ظل ذلك كله، ومع ضعف الرقابة وعدم نفاذ القوانين، وتضارب المصالح، وتدني النظام الصحي في اليمن، تتزايد خطورة المبيدات على الصحة العامة للمجتمعات، في بلد يعاني من أزمة غذائية حادة، في ظل تفاقم الازمة الإنسانية والصراع المرير.
نقلا عن موقع “حلم أخضر” المختص بالبيئة