لم تعد قضية طرد اليمنيين المغتربين من السعودية، حالة عدائية فرضتها الحرب التي تستمر في عامها الثامن، ولكنها باتت تمثل شرخًا تاريخيًا في علاقة الجار بالجار، وقبل أن يكون ما تقوم به السلطات السعودية من عمليات طرد تنصب في إطار التعامل اللاإنساني، فإن الرياض تنتهك أسس وبنود معاهدتين سابقتين بينها وبين اليمن وهما معاهدتي الطائف وجدة.
منذ أعوام سابقة والسعودية تختلق المبررات لطرد اليمنيين الذين أفنوا أعمارهم في تطوير المجتمع السعودي وبناء حاضر المملكة بجهودهم التي كانوا يرونها لا تشكل فرقًا في المكان، إيمانًا منهم بأن البلد الجار سيحمل لهم جميل ما صنعوه خلال تلك السنوات.
فرضت السعودية بقرار أمريكي حربًا على اليمن فاقمت من معاناة البلد الفقير وأوصلته إلى كوارث عديدة سواء على مستوى الاقتصاد أو الصحة والتعليم، وأثقلت كواهل اليمنيين في الداخل بتواصل الحرب والحصار البري والبحري والجوي.
وحين وجدت آلة الحرب السعودية الأمريكية أن هناك شعبًا صامد وصبور يرضى بقليله ويكتفي بما تيسر من الغذاء ويحتمل الآلام ، بدأت بالضغط على المقيمين فيها من خلال إصدار العديد من القرارات التعسفية، منها نظام الكفالة وسعودة المهن، ورفع رسوم الإقامة بمبالغ كبيرة، لا يستطيع معها المغترب اليمني أن يوافي أسرته بما كان يقيهم ذل السؤال، لتواصل فيما بعد انتهاج سياسة علنية بطرد العمال اليمنيين والأكاديميين بحجج واهية، لم تعكس تلك القرارات سوى فشلها في تركيع الشعب بالسلاح فلجأت إلى الطرد كأحد الحلول التي ترى أنه سيحقق لها ما تريد حين تفرض ستار الجوع على المدنيين بما فيهم الأطفال والنساء وكبار السن.
ما تقوم به الرياض من طرد لليمنيين وسط تغاضي منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، هو انتهاك لمعاهدتين سابقتين إحداهما كانت في 1934م، وهي معاهدة الطائف التي كانت أبرز بنودها إنهاء الحرب والتسامح وحسن الجوار، والثانية معاهدة جدة 2000م.
المادة الأولى من معاهدة الطائف نصت على ما يلي ” تنتهي حالة الحرب القائمة بين مملكة اليمن والمملكة العربية السعودية بمجرد التوقيع على هذه المعاهدة، وتنشأ فورًا بين الملكين وبلاديهما وشعبيهما حالة سلم دائم وصداقة وطيدة، وأخوة إسلامية عربية دائمة لا يمكن الإخلال بها جميعها أو بعضها. ويتعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بأن يحلا بروح الود والصداقة جميع المنازعات والاختلافات التي قد تقع بينهما، وبأن يسود علاقتهما روح الإخاء الإسلامي العربي في سائر المواقف والحالات”
وبالتركيز على هذه البنود، يبدو واضحًا أن التعنت السعودي نسفها مرة واحدة، وهي التي كانت بمثابة التزامات أخلاقية قبل أن تكون نصوصًا قانونية.
من ذلك المنطلق جاءت معاهدة جدة في العام 2000م مستندة على معاهدة الطائف، بتفاصيلها، فترسيم الحدود كان امتدادًا مشروطًا بحسن الجوار واحترام المواطن اليمني ومعاملته بروح الإخاء. يحظى بموجبها المغترب اليمني بإمتيازات خاصة في السعودية.
حالات طرد كبيرة
تأكيدًا على أن حالات طرد اليمنيين بات قرارًا سعوديًا غير معلن، استمرار تدفق المقيمين إلى اليمن، حيث كشفت منظمة الهجرة الدولية أمس الأربعاء، عن قيام الرياض بترحيل 5440 خلال شهر مايو الماضي، ليرتفع عدد المرحلين خلال خمسة أشهر من العام الجاري إلى 29 ألف مغترب.
أما منظمة ” أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخليج” فقد أكدت أن السعودية تواصل الاستهداف الظالم للمغتربين اليمنيين منذ يوليو 2021م، وأوضحت المنظمة أن المغتربون اليمنيون تعرضوا لعددٍ لا يحصى من الانتهاكات التي اقترفتها السلطات السعوديَّة بما فيها الاعتقال التعسفي والقيود التمييزيَّة على الممارسات الوظيفيَّة وفقدان مصادر العيش بسبب الفسخ غير المُبرَّر لعقود عملهم.
في أغسطس 2021م، وجهت السلطات السعودية إنذارًا لجميع منشآتها في نجران وعسير وجيزان ممن لديهم عمال يمنيين، بإنهاء كفالتهم وترحيلهم خلال ثلاثة أشهر، وإثباتًا لهذه القرارات التعسفية والكارثية، فقد وجهت السلطات أيضًا بإحلال عمال آخرين من جنسيات مختلفة، وهو ما تأكد فعليًا بإعلان الفلبين تلقيها طلبًا سعوديًا بإرسال عمال من مانيلا، للعمل مكان اليمنيين، ما يعني أن هناك نية كبيرة مبيتة لطرد المزيد.
وبحسب مراقبون وحقوقيون، فإن السعودية تشن على اليمن حربًا أخرى موازية لحربها العسكرية المدعومة غربيًا، وهي حرب لا تقل خطرًا عنها. حيث اعتبرت منظمة ” أمريكيون من أجل الديمقراطية” أن السعودية “تمارس عمليات انتقامية ضد المغتربين اليمنيين في المملكة”.
غليان الشارع اليمني
من جهة ثانية ووفقًا لخرق وانتهاك معاهدتي الطائف وجدة، وتنصل السعودية من مسؤوليتها تجاه اليمن واليمنيين، فإن الرأي العام في الشارع اليمني، يناهض سياسة الإذلال السعودية لليمنيين، ويطالب بفك ارتباط المعاهدتين وإعادة الاراضي اليمنية إلى ما قبل معاهدة الطائف، حتى تعود الحكومة السعودية إلى رشدها، لعلها تجد في معاهدة ثالثة، ما يجبرها على احترام الانسان سواء في اليمن أو غيرها من الدول التي اكتوت بالمؤامرات السعودية.