تعمل الصين على توسيع صادراتها من الأسلحة خارج آسيا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الوقت الذي لا تزال فيه روسيا تركز على حربها مع أوكرانيا، وتُقيِد عقبات الكونغرس في واشنطن صادرات الأسلحة الأمريكية إلى بعض دول المنطقة، فكيف برزت الأسلحة الصينية كبديل للأمريكية بالشرق الأوسط؟
لماذا أصبحت دول الشرق الأوسط تفضل الأسلحة الصينية؟
يقول نيكولاس هيراس، نائب مدير وحدة الأمن البشري في معهد ” خطوط جديدة ” للإستراتيجيات والسياسات، لموقع” ميدل ايست آي ” البريطاني إن الصين تبرز باعتبارها خياراً ثانياً لتوريد الأسلحة، مفضلاً للعديد من دول الشرق الأوسط. ويمثل مزيج نقطة السعر والقدرة الصناعية ميزة بيع كبيرة للأسلحة الصينية للعملاء الدوليين.
وصرّح هيراس: “لقد عمل الصينيون بجد لتطوير سوق عالمية لأسلحتهم، وقدموا للعملاء في جميع أنحاء العالم أسعاراً تنافسية على كل من الأجهزة وتكاليف الصيانة، وإمكانية ترقية وفيرة لأنظمة الأسلحة، وأسلحة فعّالة نسبياً”.
وبالنسبة للعملاء في الشرق الأوسط، يمكن أن يقلل شراء الأسلحة الصينية من اعتمادهم السياسي على الولايات المتحدة وأوروبا مع توفير وسائل غير مُكلِّفة لتخزين ترساناتهم.
ويشير هيراس إلى أنَّ الحرب الروسية الأوكرانية سمحت للصين بملء فراغ الأسلحة على مستوى العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط. وقال إنه قبل الحرب الروسية لأوكرانيا، كانت الصين توسِّع بالفعل حصتها السوقية في الشرق الأوسط، ويبدو أنَّ هذا الاتجاه سيتسارع كثيراً في المستقبل.
على الرغم من هذه الصفقات، فإنَّ بكين تواجه مشكلة “في شق طريقها إلى سوق أنظمة الأسلحة المتطورة والمرموقة التي تشمل الطائرات، وأجهزة الاستشعار المتقدمة، وأنظمة الدفاع عن المنطقة”.
ويُواجِه المُصنِّعون الصينيون لأنظمة الأسلحة المتطورة نقصاً في الثقة، مصحوباً بنقص الاختبارات الميدانية في مناطق الصراع. وجادل هيراس بأنَّ أنظمة الأسلحة الأمريكية والأوروبية والروسية، وحتى التركية، تتمتع بخبرة أكبر في هذا الصدد.
وقال نيكولاس هيراس: “في الوقت الحالي، تعمل الصين على زيادة حصتها في السوق لمبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط، لكن لاقتحام سوق الأسلحة المتطورة حقاً، سوف يتطلب الأمر حرباً تضم أسلحة صينية متطورة تتفوق على المنافسين في الأداء”.
استبدال روسيا
مع تورط روسيا في الحرب في أوكرانيا، من المرجح أن يواجه جيشها مشكلات في سلسلة التوريد لسنوات قادمة. ولا يحد هذا من قدرة موسكو على تصنيع المعدات العسكرية لعملائها فحسب، بل يقيد أيضاً قدرتها على تزويد المشغلين الحاليين للمعدات العسكرية الروسية بقطع الغيار والخدمات الأخرى.
ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الدول الإقليمية التي تشتري المعدات الروسية ستتحول الآن إلى الصينية.
ووفقاً لريان بوهل، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منصة ” سترافور” ، كانت روسيا بالفعل مصدراً هامشياً نسبياً للأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع.
وقال بوهل لموقع” ميدل ايست آي ” بالنسبة للدول التي تشتري المعدات الروسية، مثل مصر والجزائر وتركيا، قد لا يكون التحول إلى المعدات العسكرية الصينية هو الأفضل في جميع الحالات؛ لأنه سيتطلب إعادة تدريب وتكامل جديد مع تلك المنصات”.
وأضاف: “من السهل تبديل الأسلحة الصغيرة والأنظمة غير المتطورة نسبياً، على الرغم من أنه في حالة مصر وتركيا، فإنهما يفضلان الناتو أو المعدات المحلية بدلاً من التحول إلى الصين”.
أكثر الزبائن المحتملين للصين في الشرق الأوسط
يتوقع بوهل أنَّ الصين ستوجه أنظارها على الأرجح إلى دول الخليج العربية، وخاصةً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر؛ من أجل مبيعات الأسلحة المتطورة؛ لأنَّ هذه الدول لديها موارد مالية هائلة، وتسعى إلى تنويع ترساناتها العسكرية.
وفي هذه الدول أيضاً، يجب أن تتوقع بكين مواجهة حدود كبيرة لما يمكنها تحقيقه على أرض الواقع.
أوضح بوهل: “مع ورود شائعات الآن عن أنَّ الولايات المتحدة تقدم أنواعاً جديدة من الترتيبات الأمنية مع هذه الدول، ولا تزال الصين بعيدة عن استبدال الولايات المتحدة في دور الضامن الأمني في المنطقة، فمن المرجح أن تكون عمليات الشراء التي تجريها رمزية ومُصمّمة لعدم استعداء الولايات المتحدة”.
ويضيف بوهل أنَّ هذه الدول سيُطلَب منها النظر في كل من قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال قانون العقوبات، بالإضافة إلى الوقت والتدريب اللازمين للتحول إلى الأنظمة الصينية.
وتابع: “علاوة على ذلك، فإنَّ الشراء من الولايات المتحدة يشمل أيضاً شراء النفوذ في واشنطن؛ مما يساعد على تعزيز العلاقات الدفاعية الأمريكية مع دول الخليج العربية لحمايتها من إيران. لكن بغض النظر عن كمية المعدات الصينية التي يشترونها، من غير المرجح أن تحمي بكين دول الخليج العربية من إيران”.
نقطة بيع فريدة لبيع الأسلحة الصينية
انتهزت الصين في السابق فرصاً في الشرق الأوسط لبيع أسلحة لدول معينة أثبت الغرب أنه ممتنع عن بيعها لها.
عندما رفضت الولايات المتحدة تصدير طائرات من دون طيار إلى حلفاء مقربين، تدخلت بكين وباعت على الفور طائرات مسلحة من دون طيار إلى دول مختلفة في المنطقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة. واستُخدِمَت الطائرات من دون طيار الصينية الصنع من طراز “وينغ لونغ 2” على وجه الخصوص في النزاعات في اليمن وليبيا.
كما ورد أنَّ بكين تساعد السعودية في تطوير صواريخ باليستية. وسبق أن باعت للرياض عدداً من الصواريخ في عام 1987 وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى جانب بيع عددٍ من الصواريخ الباليستية القصيرة المدى لقطر في تاريخ غير معلوم.
ومع ذلك، لم تبِع الصين بعد طائرات “تشنغدو جيه-10” أو مقاتلات متقدمة أو أنظمة مثل نظام الدفاع الجوي “هونغ كي22” إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولأسباب مختلفة، من غير المحتمل أن تفوز بصفقات لمثل هذه المعدات.
وأضاف: “لكن يبدو أنهم مهتمون أكثر بالطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي الصينية، فضلاً عن الخبرة الفنية الصينية لمساعدة القوى العسكرية الإقليمية على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها”.
التنافس مع دول أخرى
وأشار بوهل أيضاً إلى أنَّ استعداد الصين لتوريد صواريخ باليستية وبيع طائرات بدون طيار دون متطلبات استخدام نهائي صارمة، على عكس الولايات المتحدة، يمنحها ميزة.
وقال بوهل إنَّ “هذين المجالين هما المجالان الأكثر احتمالاً الذي يمكن أن تنمو فيهما علاقات التسلح بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والصين، خاصة أنَّ الولايات المتحدة مترددة حالياً في فرض عقوبات بموجب (قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال قانون العقوبات) على هذه الحلفاء في أعقاب صدمات الأسعار التي سببتها الحرب في أوروبا”.
لكن الصين ليست اللاعب الوحيد في اللعبة. إذ ستتنافس مع الطائرات التركية من دون طيار، وفي بعض البلدان مع إسرائيل. ويرى بوهل: “لذا، في حين أنَّ هناك مجالات قد لا تملؤها الولايات المتحدة، هناك دول أخرى خارج الصين مستعدة لسد الفجوة”.