اقتصاد: وكالة الصحافة اليمنية
في خطوة وصفها البعض بـ”المتأخرة” أعلنت الدوحة إزالة جميع البضائع التي يتم استيرادها من دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من رفوف كل المتاجر القطرية اعتبارًا من أمس السبت، في تعميم رسمي يحذر المخالفين باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.
القرار جاء بعد مرور قرابة 356 يومًا على قطع الرباعي العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي ضدها بزعم تمويل الإرهاب، وهي الاتهامات التي نفتها الدوحة شكلًا ومضمونًا، مؤكدة أن مثل هذه التحركات تستهدف سيادتها واستقلالها.
تساؤلات عدة أثارها هذا القرار المفاجئ مع اقتراب الأزمة من عامها الأول، في الـ5 من يونيو/حزيران القادم، سواء من حيث التوقيت أم الدوافع التي ساقت إلى هذا التحرك، فضلًا عن الرسائل التي تود الدوحة أن تبعث بها للداخل والخارج، ثم السؤال الأبرز: هل تؤثر مثل هذه الخطوة على مستقبل حلحلة الأزمة التي دخلت ثلاجة المفاوضات في ظل تعنت الدول الرباعية المتمسكة بشروطها المرفوضة قطريًا؟
المعاملة بالمثل
وزارة الاقتصاد والتجارة في قطر وجهت بالأمس تعميمًا رسميًا لكل منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية العاملة في الدولة، بعدم تداول البضائع والسلع التي تم استيرادها من دول الحصار ورفعها فورًا من فوق الأرفف، محذرة من مخالفة هذا التعميم، حيث تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي التعميم الصادر عن وكيل الوزارة المساعد لشؤون المستهلك الشيخ جاسم بن جبر بن حسن آل ثان الذي وُجه إلى المسؤولين في منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية في بلاده.
التعميم نبه إلى أن مفتشي الوحدات الإدارية التابعة لقطاع شؤون المستهلك بالوزارة سيمرون على جميع منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية بالدولة، للتأكد من إزالة ورفع البضائع المذكورة، وأن هناك إجراءات رادعة وعقوبات قاسية ضد كل من يخالف تلك التعليمات لأي سبب من الأسباب.
القرار جاء وفق ما أعلنه في وقت سابق رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثان، من باب تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، وتضامنًا مع مطالب المواطنين والمقيمين ممن ناشدوا الحكومة القطرية بضرورة ترجمة المقاطعة الاقتصادية للدول الرباعية إلى خطوات عملية ردًا على القرارات المتخذة ضد الشعب القطري من حكومات تلك الدول التي يراها القطريون استهدافًا لحياتهم الشخصية واستقلالية قرارهم بعيدًا عن المزاعم الصادرة لتبرير موقفهم.
تجاوز الحصار
كان الرهان بداية إعلان دول الحصار مقاطعتهم لقطر أنها لن تستطيع أن تصمد طويلًا أمام تلك الإجراءات المفاجئة، خاصة أن الدوحة ما كان في حسبانها هذا المأزق الذي أثر عليها بلا شك في الأيام الأولى إثر غلق كل المعابر والحدود والموانئ والمطارات التي كان يعتمد عليها القطريون في الحصول على مستلزماتهم المعيشية.
ومن ثم كانت المطالب الـ13 التي أعلنها الرباعي في الـ23 من يونيو/حزيران العام الماضي أي بعد نحو 18 يومًا من قرار المقاطعة، غير أن رد الدوحة الذي جاء رافضًا لحزمة المطالب معتبرًا إياها محاولة لفرض الوصاية على القطريين، مفاجأة أربكت حسابات دول الحصار، لتتوالى فيما بعد اجتماعات القاهرة والمنامة والرياض لبحث سبل تصعيد أخرى.
كرست الدول الرباعية جهودها كافة للضغط على الدوحة للخضوع للمطالب المزعومة، مستخدمة في ذلك كل أنواع الحصار، وصل إلى حد دراسة إنشاء قناة مائية تستهدف عزل قطر جغرافيًا بصورة كلية على منفذ “سلوى” الحدودي البري الوحيد مع السعودية، وهي الخطوة التي ربما قلبت الموازين ودفعت القطريين إلى اعتماد سياسة المعاملة بالمثل.
بلغت مستويات النمو في القطاعات غير النفطية في قطر 4% هذا العام، أفضل من المستويات التي يتمتع بها جيرانها الخليجيين
ورغم ذلك نجحت الدبلوماسية القطرية في احتواء الأزمة سياسيًا واقتصاديًا، وإجهاض تداعياتها التي أثارت قلق وهلع القطريين في بدايتها، إلى الحد الذي هرول فيه الكثيرون إلى المتاجر ومنافذ البيع للحصول على أكبر قدر من الطعام والشراب، خشية أن يتسبب الحصار في أزمات معيشية لاحقة، وهو ما لم يتحقق بفضل سياسة التنويع التي اعتمدت عليها الدوحة في توفير احتياجاتها الأساسية، سواء عن طريق تركيا أم المغرب أم إيران.
وبعد مرور عام على الأزمة يمكن القول إن قطر نجحت في كسر الحصار وإجهاض محاولات تركيعها بصورة شبه كاملة، وهو ما تكشفه الأرقام والإحصاءات الواردة، فضلًا عن تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية التي ثمنت الجهود القطرية المبذولة لتوفير احتياجات شعبها في الوقت الذي أغلق فيه جيرانها منافذهم كافة.
الدكتور محجوب الزويري مدير مركز الدراسات الخليجية في جامعة قطر قال في حديث له لموقع “ميدل إيست آي” إنه بعد مرور سنة من الحصار أصبح من الواضح أنه لم يكن هناك مستوى التأثير المتوقع، حيث توفرت في الدوحة المزيد من السلع والمواد أفضل مما قبل الحصار، مضيفًا “يبدو أن قطر تمكنت من الاستجابة السريعة لهذه الاحتياجات الأساسية، ونجحت في جهودها الرامية إلى تقليل آثار الحصار”.
الزويري أشار إلى أنه وفي نهاية المطاف يمكن القول إن البلدان المحاصرة فشلت في سعيها لعزل قطر، حيث نجحت الدوحة في تعزيز التحالفات مع الدول الأخرى في أوروبا وآسيا، كما أدى الحصار إلى تعزيز روح التضامن والتلاحم بين المواطنين القطريين والمقيمين، حيث اجتمعوا على روح الوطنية.
في تقرير حديث اعتبر صندوق النقد الدولي أن الآثار الاقتصادية للحصار كانت “عرضية”، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي انخفض فيه التمويل الأجنبي والودائع الخاصة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تم تعويض ذلك عن طريق النقد الذي قدمه البنك المركزي وصندوق الثروة السيادي القطري، وفي هذا السياق أفاد بعض المحللين أن الحصار أجبر قطر على إيجاد بدائل للسياسات المتبعة منذ فترة طويلة، سواء على صعيد الجغرافيا السياسية أم الأداء الأساسي لاقتصادها.
علاوة على ذلك بلغت مستويات النمو في القطاعات غير النفطية في قطر 4% هذا العام، أفضل من المستويات التي يتمتع بها جيرانها الخليجيين، كما ظل النمو الاقتصادي المحلي على ما كان عليه في الماضي، حيث وصل في الفترة ما بين 2000 – 2014 إلى نسبة 12%، وهي المرحلة التي زاد فيها عدد السكان من 600 ألف نسمة إلى 2.5 مليون نسمة، حسبما أشار “عربي21” نقلًا عن تقرير نشرته “فايننشال تايمز”.
التقرير كشف النقاب عن إستراتيجية قطر في مواجهة التداعيات الاقتصادية للحصار، وذلك عبر عدة خطوات منها استثمار 200 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية من طرق وخطوط سكك حديدية، بالإضافة إلى أن الحكومة وجهت 50 مليار من الصندوق السيادي لحماية النظام المصرفي وسعر الصرف.
الرسالة الثانية إلى دول الحصار، وفيها تأكيد على فشل مخطط التركيع وانتهاك السيادة الوطنية، فرغم الضغوط التي مورست لإثناء الدوحة عن قرارها ومواقفها الرسمية، فإن الصمود كان السلاح الأبرز في مواجهة هذا المخطط
المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي جهاد أزعور قال: “قطر استطاعت التكيف من خلال عدد من الإجراءات للتعويض عن مخاطر التجارة والتمويل”، مضيفًا: “لكنه ليس الوضع الأمثل، فإن أي فرق تجاري مع الدول الجارة يؤثر على مواقف الاستثمار”.
الصحيفة نوهت إلى أن الحكومة القطرية التي تعد أكبر مصدر في العالم للغاز المسال، توسع عقودها لتزويد طويل الأمد مع بنغلاديش وفيتنام، وأعلنت شركات جديدة مع القطاع الخاص لمناطق لوجيستية ومشاريع بنى تحتية، ما ساعدها بشكل كبير في ترتيب أوراقها من جديد بما يغنيها وبنسبة كبيرة عن جيرانها الخليجيين.
كما نقل التقرير عن وزير المالية القطري علي شريف العمادي قوله إن تغيير القانون للسماح للأجانب بالاستثمار في قطر دون كفيل محلي وامتلاك عقارات قد يجعل من بلاده مكانًا جاذبًا للاستثمار، مشيرًا إلى أنه دون الاعتراف بالمفارقة بشأن عزلة قطر وتحولها إلى مركز تجاري، يقول العمادي إن الخطوط الجوية ومينائها الجديد قد يغذي النمو.
ما الرسائل؟
لا شك أن اختيار توقيت إعلان قرار حظر استيراد بضائع دول الحصار ليس عشوائيًا على الإطلاق، خاصة أنه يأتي قبل أيام قليلة من الذكرى الأولى للأزمة، إذ إن هناك عددًا من الرسائل تسعى الدوحة لتوصيلها للداخل والخارج بعد مرور عام على مقاطعتها ومحاصرة حدودها برًا وجوًا وبحرًا.
الرسالة الأولى إلى الشعب القطري، وفيها طمأنة على ما وصل إليه الاقتصاد الوطني من استقرار نسبي ونمو معقول في ظل المؤشرات والتقديرات الأخيرة التي تشير إلى عدم تأثر مستويات النمو بالأزمة بالصورة المتوقعة، بما يجهض الرهان على تعرض الاقتصاد القطري للانهيار مع الأيام الأولى للحصار.
علاوة على ذلك ففيها انتصار لكرامة القطريين واستجابة لرغباتهم في أن تكون المعاملة بالمثل مع الدول الرباعية، وهو ما أشار إليه رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثان، تضامنًا مع مطالب المواطنين والمقيمين.
الرسالة الثانية إلى دول الحصار، وفيها تأكيد على فشل مخطط التركيع وانتهاك السيادة الوطنية، فرغم الضغوط التي مورست لإثناء الدوحة عن قرارها ومواقفها الرسمية، فإن الصمود كان السلاح الأبرز في مواجهة هذا المخطط، الذي لم يجن ثماره بعد مرور عام علي انطلاقه حسبما أشار المحللون.
الرسالة الثالثة إلى المجتمع الدولي، وفيها أن قطر طيلة الأشهر الماضية لم تترك باب حوار أو مفاوضات إلا وطرقته، فتحت نوافذها للوسطاء كافة، تعاونت مع المبعوثين من مختلف الدول، حتى في الوقت الذي كانت تعزف فيه دول الحصار على أوتار التصعيد كانت الدوحة تحث على الجلوس والتفاوض ونبذ الخلاف.
وطيلة هذه الفترة لم تتخذ الدوحة أي قرار مناهض لتلك الدول، لكن وبينما تدخل الأزمة عامها الأول وفي ظل هذا التعنت كان لا بد من توجيه رسالة واضحة تجسد رؤية القطريين ومواقفهم، لذا كانت هذه الخطوة التي تعكس مدى استغناء قطر عن بضائع جيرانها ومحاصريها في ظل تنوع مواردها وتعدد علاقاتها الخارجية، وهي الميزة التي كان يفتقدها الاقتصاد القطري طيلة السنوات الماضية، حيث كان الاعتماد أولًا وأخيرًا على الجيران الأشقاء، وهي نقطة الضعف التي تكشفت في الأيام الأولى للحصار.
وهكذا يبدو أن طرفي الأزمة قد ارتضيا البقاء عند هذه النقطة، فالسعودية والإمارات والبحرين ومصر رغم الخلاف بينهم بشأن الأزمة في بعض الأحيان غير أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه ربما يكون رغبة مشتركة من الجميع، وفي المقابل ما عادت الدوحة تطرق أبواب التفاوض كما كانت في السابق بعد تمسك الطرف الآخر بمواقفه، لتدخل الأزمة نفقًا باردًا، لا انفراجة ولا تصعيد، بعدما كيّف كل طرف أوضاعه بالشكل الذي يؤهله للاستمرار في نفس الطريق حتى إشعار آخر.