ما تشهده محافظة عدن هذه الأيام من غليان وغضب، بسبب تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الكهرباء، واستمرار الانفلات الأمني، هو انعكاس لفشل “حكومي” وعده التحالف بـ” بربيع” مزهر ليلقيه في غياهب “شتاء” مدقع.
المسيرات الحاصلة في شوارع عدن، تأتي في ظل غياب تام، لـ ” المجلس الرئاسي” الذي يتغاضى عن مطالب الناس ومعاناتهم، وينظر إليهم من برجه العاجي في الرياض محاطا بملذات الحياة، مستمتعا بأوجاعهم.
زيارة أمريكية مريبة
في هذا التوقيت الحساس، ومع تصاعد مظاهر الاحتجاجات، ومع تحول الهتافات المنددة بـ ” حكومة معين” إلى صرخات غضب ضد “التحالف” رأسا، والمطالبة بطرده من اليمن، وصل اليوم الخميس إلى عدن السفير الأمريكي لدى اليمن “ستيفن فاجن” مع وفد رفيع من السفارة الأمريكية، هذه الزيارة التي التقى فيها السفير بمدير أمن عدن اللواء مطهر الشعيبي في قصر المعاشيق، تحمل في طيأتها غموضا مقلقا، خاصة وأن “المجلس الرئاسي” والحكومة” غير متواجدين في عدن. ويتواجدون في الرياض قرب مقر اقامة السفير الأمريكي “فايجن” مما يخلق الف علامة استفهام حول جدوى زيارة السفير إلى عدن؟
بحسب مصادر إعلامية، قال السفير الأمريكي خلال اللقاء، بمدير أمن عدن إن “بلاده تدعم جهود الأجهزة الأمنية بعدن، التي تعمل من أجل أمن واستقرار المواطن والوطن”.
ما يمكن فهمه من كواليس الزيارة، هو تأكيد على الدور الأمريكي في التحرك ضد إرادة الشعوب، ووأده لحقوقهم من خلال إطلاق الوعود الجذابة بتحسين ظروف المعيشة والتخاطب مع دول العالم لتقديم المساعدات الإنسانية، كأحد الحلول المناسبة التي تنتهجها أمريكا؛ لإخماد مظاهرات الناس الذين ضاقوا ذرعا بصراع طرفي الاحتلالين السعودي والإماراتي على أرضهم واستمرارهم في نهب ثرواتهم لرعاية أدواتهم وميلشياتهم لتعزيز أطماعهم.
مع تدني مستوى الخدمات الاجتماعية، في عدن وتجريد المواطنين من أبسط حقوقهم، وسط إهمال القيادات، لم تعد الوعود كافية لإشباع الجوعى والمطحونين، أسعار الصرف ترتفع بشكل تصاعدي، انقطاع الكهرباء مشكلة متكررة، حوادث قتل ونهب متواصلة، و”الحكومة” تغرق في عسل التحالف، تاركة للشعب ” حنظل” الفقر والموت ببطء.
ما دار خلال لقاء السفير الأمريكي مع مدير الأمن انحصر في معالجة المشاكل الأمنية، وأهمية الحفاظ على استقرار عدن وأمنها، هي رسائل قمع واضحة، ترعاها أمريكا، التي استشعرت خطر انتفاضة الشعب، وتصعيد لهجته تجاه “التحالف” فأمن عدن لا يمكن أن يتوفر إلا بـ “حقن” تخدير الإصلاحات، أو بكبح ثورة الناس ضد الظلم باستخدام القوة وهذا ما يمكن استنباطه من خلال طرح مدير أمن عدن الشعيبي الذي أشار خلال اللقاء، إلى “أهمية دعم الولايات المتحدة للجانب الأمني ومكافحة الإرهاب، والتي من شأنها أن تساعد على زيادة تطوير المنظومة الأمنية وكسب الخبرات والمعارف والأجهزة الحديثة لكوادر المنظومة الأمنية وتطوير برامجها الشرطية والمجتمعية”.
لقد تحدث الطرفان عن الجوانب الأمنية، لم يكن لبطون الجوعى أولوية في النقاش، ولا لكيفية انتشال عدن والمحافظات الأخرى التي تعج بالاحتجاجات من أوضاعها وإنقاذها من التدهور الاقتصادي المتزايد من يوم لأخر.
إن تعزيز الجوانب الأمنية ومنحها الأولوية من قبل دولة ترعى الطغاة، كأمريكا هي رسالة تحذير لكل من يفكر بالخروج إلى الشارع، والتعبير عن أوجاعه والمطالبة بأبسط حقوقه، وبالتالي فإن ملخص هذه الزيارة يصب في صالح قيادات متحصنة بالمال، على حساب مجتمع بات يدرك أن رعاة الحرب، لن يقدموا لهم سوى المزيد من الوعود الكاذبة، التي تنتهي بهم تحت التراب.