عام على تولي بن سلمان لولاية العهد:إصلاحات كاذبة واقتصاد متهاوٍ، و بلد الحرمين يلجأ إلى العلمانية
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية// عام على تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية، ارتقي خلاله هرم السلطة بسرعة شديدة، فاستحوذ على مناصب رفيعة، وأزاح كل مَن حوله في البلاط الملكي، ليرسم خلال فترة قصيرة ملامح سياسة أثارت تساؤلات كثيرة، سواء على مستوى انتقال السلطة داخل المملكة أو بما اشتملت من سياسات خلافية […]
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
عام على تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية، ارتقي خلاله هرم السلطة بسرعة شديدة، فاستحوذ على مناصب رفيعة، وأزاح كل مَن حوله في البلاط الملكي، ليرسم خلال فترة قصيرة ملامح سياسة أثارت تساؤلات كثيرة، سواء على مستوى انتقال السلطة داخل المملكة أو بما اشتملت من سياسات خلافية حول وجهة المملكة خارجيًا.
سعودية الملك وابنه لا تشبه السعودية القديمة
حفلات مختلطة ورقص وموسيقى وغناء. تلك فعاليات ترفيهية باتت تُنظَّم في كل مكان وفي أي وقت، لكن الوضع كان مختلفًا قبل قرنين ونصف من الآن، حين تأسست المملكة العربية السعودية الأولى (1744-1818) -كما يجسد علمها- بين تحالف سيف آل سعود ومذهب الشيخ محمد بن عبدالواهاب، حيث اعتمد العرش على الولاء المطلق للقبائل، ونفوذ المؤسسة الدينية الوهابية.
تلك في الأعراف السياسية شراكة بين السلطان والفقيه الذي وفر للمملكة مشروعيتها السياسية والدينية، فكلاهما يدعم الآخر وينتفع به، وهكذا كان يبدو الأمر دائمًا في الظاهر، لذلك كان خطاب المملكة السياسي والاجتماعي شديد الحساسية تجاه صورتها الدينية؛ لأن الملوك السابقين كانوا مدركين القدرة المشروعية.
تاريخ العائلة الملكية حافل بالمواجهات، في دولة تعرضت لفتن داخلية، فأزاحهم آل رشيد عن عاصمتهم الرياض، فلجأوا إلى قطر عند حاكمها الشيخ جاسم آل الثاني، واستضافهم آل الصباح حكام الكويت لسنوات، ثم استرد عبدالعزيز بن سعود إماراة الرياض، ونجح في انتزاع مملكة الحجاز من يد الهاشميين، حينها أُعلن تأسيس المملكة العربية السعودية (23 سبتمبر 1932).
صاهر الملك عبدالعزيز شيوخ القبائل لتعزيز نفوذه وكون أسرة يزيد عدد أفرادها على 15 ألفًا. تداول الأبناء العرش من بعده، واحتدمت المنافسة بين أفراد الأسرة في فترات مختلفة، لكن المملكة لم تجد في تاريخها القريب سنة “هائجة مائجة” كسنتها التي مضت منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية عهد أبيه قبل عام.
وتباعًا، تساقط أولياء العهد، أبناءًا وأحفادًا، مفسحين الطريق أمام محمد ابن سلمان، حتى أصبحت المملكة – أو هكذا بدت لمتابعي شأنها – دولة بلا محتوى سياسي أو فكري يمنح السلطة قوامها ومشروعيتها، فالمشهد يتصدره أمير شاب يُوصف في تصرفاته بـ”الثور الهائج”، ومستشاران بدرجة رؤساء الدول، وهما سعود القحطاني الذي يتولى إدارة العديد من الملفات السياسية، خاصة ضبط وسائل التواصل الاجتماعي.
أما المستشارالآخر، كثير الألقاب، فهو تركي آل الشيخ، المسئول الرياضي الأول في المملكة، والذي سيرتبط اسمه من الآن فصاعدًا بكأس العالم في روسيا، حصدًا لنتائجه ودمًا للاعبيه، وهو أيضًا كما يُطلق عليه “وزير تويتر”، وليس آخر جولاته الحرب التي تشهد تراشق التغريدات الحادة بينه وبين الاتحاد الأوروبي “اليوفا”.
وتكشف السنة التي مضت من ولاية ابن سلمان للعهد عن قلة عنايته عن أمر المبرِر الوجودي في السلطة؛ أي مكونها الوجودي أو الأيدولوجي، فقد رآها سلطانًا مطلقًا، أدواته السيف والحزم، متغاضيًا عن مستحقات بقية العالم السعودي؛ إذ لأول مرة تبدو المملكة بغير حاجة إلى رجال دين وفُتيه، بعد أن تراجع سلطان المؤسسة الدينية، واضطربت معدلات السيف والمذهب كما لم تضطرب من قبل.
الزلزلة الاجتماعية ثمنها باهظ
الليبرالية الاجتماعية الجديدة التي أطلقها ابن سلمان وبلغت ذروتها في الحفلات المختلطة والسماح للنساء بدخول ملاعب كرة القدم وقيادة السيارات، قد لا تتوقف هنا، فالمطالبة ببقية “الليبرالية السلمانية” لم تسكتها أمسيات “المدن المالحة” (نسبة إلى رواية مدن الملح الممنوعة سعوديًا للروائي السعودي عبد الرحمن المنيف)؛ لأنها مرتبطة بأقدس مقدسات الليبرالية، وهي حرية التعبير.
وحين سأل رجال ونساء عن حدود الليبرالية، كان جزاؤهم الاعتقال والسجن، بسبب تغريدة أو خاطرة مكتوبة، حتى بات الحديث رائجًا عما اسمته منظمات حقوقية بـ”عهد الخوف” في السعودية الجديدة، بعد موجة من الاعتقالات التي طالت مثقفين ورجال دين وعلماء، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، دُشِّنت حملة من الاعتقالات ضد رموز ما عُرف بـ”تيار الصحوة”، حتى بلغ عددهم وفق منظمات حقوقية أكثر من 250، على رأسهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، والدكتور على العمري.
تلتها حملة اعتقالات أخرى تحت ذريعة “محاربة الفساد”، استهدفت أعضاء في الأسرة الحاكمة ووزراء ورجال أعمال أُودعوا في فندق “الريتز كارلتون” حتى سُمي بـ”سجن الأمراء”، وفُرضت تسويات معهم بنحو 100 مليار دولار، وفي منتصف مايو/أيار الماضي، اُعتقل 17 ناشطًا وناشطة حقوقية من التيار الليبرالي، حسب منظمة القسط المهتمة بالجانب الحقوقي في السعودية، وكان من هؤلاء الناشطات لوجين الهزلول، وإيمان آل نفجان، وعزيزة اليوسف، ومياء الزهراني.
دا للمرأة السعودية حق قيادة السيارات والتوجه إلى دور السينما، لكنها في نفس الوقت عُرضة للاعتقال حين حاولت ممارسة حريتها في التعبير كالعديد من الناشطات ودعاة الإصلاح القابعين وراء القضبان، ولكن يبدو أنه سيمنح حق القيادة هذا فقط للواتي يلتزمن الصمت والهدوء، ويشبه ذلك مشهدًا من فيلم “عبر زجاج الشرفة”، حيث تعلن الملكة الحمراء أن ما يبدو واضحًا هو العكس تمامًا مما هو واضح في واقع الأمر.
لا يعرف أحد على وجه اليقين كم ستكلف الليبرالية الاجتماعية التي تخوض السعودية لججها بغير كتاب، كما يقول منتقدوها، فتحدي الفراغ الفكري سيواجه ولي العهد الحريص على خلق المملكة خلقًا جديدًا، ولكن بلا فكرة تقوم مقام الوهابية التي تُزاج عن المشهد شيئًا فشيئًا، فالمملكة الجديدة لم تعرف هويتها بعد ما تكون.
اقتصاد المملكة..وعود وهمية
ليست هذه المفارقة الوحيدة في العام الأول من ولاية عهد الأمير محمد بن سلمان، فكما كانت سنة ابن سلمان شحيحة في مجال حقوق الإنسان والحرية وإصلاح الحكم، كانت كذلك في وعود الاقتصاد، فقد وعد الأمير مواطنيه بتطوير اقتصاد المملكة ومحاربة الفساد، غير أن تقارير عدة تتحدث عن ثروته وبذخه، وتوقعات بنمو محدود بأقل من مستوى 2%.
وعلى قدر الوعود جاءت النتائج، فمنذ بداية العام الجاري طبقت المملكة أسعار جديدة للمشتقات النفطية بزيادة تراوحت بين 80 % و120%. كما فرضت السعودية رسومًا مالية على المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة تتضاعف بدءًا من يوليو المقبل، ما تسبب في خروج العديد من المقيمين والبحث عن فرصة في دول أخرى.
وفي وقت وعد فيه الأمير الشاب بتوفير 1.2 مليون فرصة عمل في القطاع الخاص ضمن التحول الوطني في خطة 2020، بلغ معدل البطالة المعلن رسميًا بين السعوديين 13%. كما أن ميزانية عام 2018 تعاني عجزًا للعام الخامس على التوالي، يتجاوز هذا العام 52 مليار دولار، بينما بلغ الدين العام نحو 182 مليار دولار العام الماضي.
سيبقى سؤال الثروة وقسمتها من أكثر الأسئلة إلحاحًا في دول الريع النفطي (الدول التي تستمد كل أو جزء كبير من إيراداتها الوطنية من بيع أو تأجير مواردها الأصلية)، فتجاور الغنى الفاحش والفقر المفع يكشفان اختلال المعدلات الاقتصادية والاجتماعية.
ففي حين يشتري ولي العهد محمد ابن سلمان يختًا بـ500 مليون دولار، ولوحة للمسيح عنوانها “مخلص العالم” بـ450 مليون دولار، بحسب صحيفة “وال ستريت جورنال” الأمريكية، وقصر في فرنسا بـ300 مليون دولار، فإن مئات الالآف من العاطلين السعوديين سيكون عسير عليهم تصديق أي وعود في المستقبل، سواء ما تعلق منها بجودة الحياة في خطة 2020 أو برؤية المملكة في 2030.
يأتي ذلك بينما تقوم الحكومة السعودية بإجراءات اقتصادية تقشفية غير مسبوقة بهدف تقليل الضغط على ميزانية الدولة مع تراجع أسعار النفط خلال الأعوام الأخيرة، وفي ظل محاربة الدولة للفساد التي طالت أمراء ورجال أعمال كبارًا، من بينهم ابنا الملك عبدالله، متعب وتركي، ووزاء سابقين ورجال أعمال، فكم ستكلف الضربة العنيفة التي تعرضت لها الأسرة المالكة في السعودية من جراء تثبيت سلطة ابن سلمان؟
يفعل الأمير ذلك فيفعل مستشاروه، فقد نشر موقع “ميدل إيست آي”، منذ يومين، البريطاني وثائق تثبت أن رئيس الهيئة الرياضية السعودية تركي آل الشيخ اشترى سيارة من نوع “بوغاتي شيرون” الرياضية التي كانت موجودة بمقر شركة بوغاتي في فرنسا، بقيمة 18 مليون ريال سعودي (4.8 ملايين دولار)، في سبتمبر/أيلول الماضي؛ أي عقب توليه منصبه بأيام قليلة.
وضع يتزامن مع تكلفة الحرب في اليمن، إذ قدرتها دراسة نشرتها مجلة التايمز الأمريكية بنحو 200 مليون دولار في اليوم الواحد، وهذا يعني أن السعودية أنفقت في عام واحد نحو 73 مليار دولار اعتمادًا على هذه الأرقام.
يأتي هذا بينما وقعت السعودية صفقات مع الولايات المتحدة بقيمة تجاوزت 460 مليار دولار تبعتها 100 مليار دولار أخرى قدمها ابن سلمان خلال زيارته لواشنطن في مارس/آذار الماضي. ويعلق ابن سلمان على ذلك بأنه غني وعضو في العائلة المالكة الموجودة منذ مئات السنين.