تحليل خاص / وكالة الصحافة اليمنية
عودة إلى الأبجديات الأولى التي تحاول دول التحالف اضاعتها بجوقة اعلامية وسط بحر من الدم، لابد من انعاش الذاكرة ببعض الحقائق لاجراء جرد حساب مع الذات عند اليمنيين، قبل أن يجدوا انفسهم ضحايا بلا اسباب خارج دائرة المنطق .
وقبل ان تستمر المعركة التي يراد من خلالها تحويل الباطل إلى حق وتحويل الحق إلى باطل على الجميع أن يتسألوا أي دولة في العالم سبق أن تعرضت لكل هذا القتل والتدميرعلى يد دول اخرى ، لأن شعبها قد ثار على السلطة الحاكمة في ذلك ، الحقيقة أنه لايوجد دولة على مر التاريخ تعرضت لما يتعرض له شعب اليمن ، فما يحدث في اليمن من حرب عاصفة قتلت حتى الآن أكثر من (11) مدنياً وجرحت أكثر (22215) حتى ال(12) من يونيو الجاري، نتيجة تدخل دولي مكون (17) دولة ، في سابقة تعد هي الأولى نوعها على مستوى العالم .
وحتى الأحداث في سياقها الطبيعي فيما يخص هذه الحرب على اليمن ، لابد من اخذ الأحداث في سياقها المتسلسل إبتداءً من إعلان وزير خارجية السعودية إنطلاق ” عاصفة الحزم ” ضد اليمن ” لاستعادة السلطة الشرعية من يد التمدد الايراني في اليمن ” حسب ما اعلن عنه الجبير في حينه.
انتهاك القوانين واستخدام القوة المفرطة لاستعادة الشرعية
وبإدعاء أن مجلس الأمن فوض ” التحالف” ( باتخاذ الاجراءات المناسبة لاستعادة الشرعية ) لكن لا احد يعلم ما إذا كان المجتمع الدولي قد فوض التحالف بارتكاب جرائم الابادة الجماعية في اليمن ، إلى جانب مئات الألاف الذين قضوا نحبهم نتيجة نقص الغذاء والدواء وانعدام مقومات الحياة التي اوجدها حصار التحالف على البلد الذي يعد افقر دول المنطقة ، وأي شرعية تلك التي يمكن أن تعود على اشلاء الشعب ودمار البلد ، إذ لايمكن لأحد في ظل كل هذا الانتهاك للقوانين الدولية والاخلاق الانسانية أن يدعي ” الشرعية” !
وفي خضم كل هذه المعاناة التي يعايشها ابناء اليمن ، على يد التحالف من اجل محاربة “التمدد الايراني” ! لا بد أن يتبادر إلى الذهن سؤال بديهي ، لماذا لا يقوم التحالف بمحاربة ايران مباشرة بدلاً من تضييع الوقت في محاربة اماكن اخرى محتملة لمزاعم التحالف عن التمدد الايراني ؟
أو على الأقل لماذا لا يعمد التحالف على ادخال ايران في موجة من القلاقل والفتن بما يسهل قلب نظام الحكم في ايران بما يتماشى مع العقلية الإمبريالية للغرب ؟
وإذا كان التحالف قد فقد بوصلة تحديد الاتجاهات وجاء لمحاربة ايران في اليمن ! فلا يمكن للجميع أن يفقدوا بوصلة تحديد الاتجاهات .
وتمكن خطورة الحرب على اليمن من قبل التحالف انها سابقة خطيرة تفتح المجال أمام كل دول العالم حتى تخوض حروباً ضد دول تتمتع باستقلالية كاملة باسم محاربة نفوذ هذه الدولة أو تلك بناء على مزاعم ضد الدولة المستهدفة بالحرب ، وهذا لا يجعل العالم فاقد لبوصلة تحديد الجهات الاربع ، بل يجعل الانسانية تفقد كل ماتوصلت إليه من تحضر، وتعود إلى قانون الغاب الذي كان يحكم الإنسان البدائي في القرون الغابرة.
لكن هل يستطيع تحالف (سعودي – اماراتي) أن يقوض كل المواثيق والقوانين التي تحكم العلاقات بين دول العالم ، وأن يفتح امام دول العالم باباً للحروب بناء على مزاعم تفتقر إلى المنطق العقلاني ! ؟ حيث أن هذه الدول ( السعودية – الامارات) لا تمتلك الايدلوجيا وخبرة المراوغة السياسية لجعل كل دول العالم الكبرى والمتقدمة والنامية ، تخضع لإرادة دولتين من دول النامية في العالم الثالث ، تعملان على انتهاك القانون الدولي وارتكاب مجازر الإبادة الجماعية ضد الانسانية في اليمن .
حيث أن القانون الدولي ينص على أن ” ارتكاب جريمة في بلد ما ضد الانسان اثناء الحروب يعد جريمة بحق الانسانية بأكملها ) وبما يجعل المجتمع الدولي عبر مؤسساته المتمثلة بالأمم المتحدة معنية باتخاذ الاجراءات العقابية ضد كل من يرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية في اي مكان على وجه الأرض.
هناك أسباب اخرى لإسكات العالم عن ما يحدث في اليمن غير خدعة الأموال السعودية والأماراتية
ويعتبر الحديث عن أن اموال الخليج هي من تمكنت من سلب العالم أي ردة فعل إزاء إنتهاك القانون الدولي والانساني في اليمن ،هو حديث من باب التمويه لادخال اليمنيين والعالم في متاهات بعيد عن الفاعل الامريكي الحقيقي لما يحدث من قتل وحشي ودمار .
فالصين مثلاً اغنى مائة مرة من دول الخليج مجتمعة ، وإذا كان المال لوحده يكفي لشنت الصين حرباً – هي قادرة عليها – لإعادة تايوان إلى الحاضنة الصينية في غضون ساعات.
ما يحدث في اليمن أكبر بكثير من إمكانيات ( السعوديين والاماراتيين) السياسية، والاقتصادية، والعسكرية ، واذا كانت دولة مثل “الإمارات” تمتلك هذه الإرادة التي تتسم بكل الخبث واللؤم لكان الأولى بها أن تسترد جزرها ” المحتلة ” من قبل ايران بدلاً من أن تصرف كل هذا الخبث داخل اليمن .
مايحدث في اليمن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن الولايات المتحدة هي من يدير حرب التحالف على اليمن ، فقد كان للأمريكيين السبق في العمل خارج القانون الدولي والمؤسسات الدولية عندما ذهبت واشنطن لحرب واحتلال العراق في العام (2003)بناءً على مزاعم ابتدعتها واشنطن حول اسلحة الدمار الشامل في العراق ، بعد أن رفض مجلس الأمن مسايرة الرغبات الامريكية بإصدار قرار يخول واشنطن بالحرب على العراق ، على اساس الذرائع التي كانت تسوقها الادارة الامريكية ضد العراق باعتبار تلك الذرائع من وجهة نظر امريكا حقائق لا يمكن تكذيبها، وفي الأخير وبعد أن تم تدمير واحتلال العراق ظهر الرئيس الأمريكي “جورج بوش الابن ” في مؤتمر صحفي خلال زيارته للعراق في ديسمبر (2008) ليعلن اعتذاره عندما قال ( اسف لا يوجد اسلحة دمار شامل في العراق) ، والحقيقة أن “بوش” كان يهين الانسانية من خلال ذلك الاسف ، وهو على ثقة تامة أنه لا يوجد من يستطيع معاقبة الولايات المتحدة على الجرائم التي ارتكبتها بحق دولة وشعب العراق ، كما أنه لا يجب على اليمنيين أن لا يتناسوا أن الولايات المتحدة هي المعرقل الرئيسي لإنصاف الشعب الفلسطيني لصالح الكيان الصهيوني .
عندما تتحول الولايات المتحدة إلى ابرة وسط كومة قش في اليمن
وما يبدو واضحاً أن العقلية الأمريكية التي حاربت العراق وقتلت شعبه، هي نفس العقلية التي تدير الحرب على اليمن ، بنفس اسلوب ابتكار الذرائع وبنفس الاصرار، خارج القوانين الدولية والانسانية، ورغم أن هناك من يدعي أن ” البحث عن التدخل الأمريكي في حرب التحالف على اليمن يشبه البحث عن ابرة وسط كومة القش”.
لكن الحقائق في اليمن أوضح من محاولات التعامي التي يمارسها الإعلام لتشويش الرأي العام في اليمن ، لكن حتى لو حاول المصابين بالعمى الأمريكي التعتيم على المجتمع اليمني لاخفاء دور واشنطن في الحرب على اليمن ، إلا أن هناك جملة من الحقائق البديهية التي لا يمكن اخفائها وهي حقائق تقود نفسها بشكل فطري لتعيد الاحداث إلى نصابها الطبيعي ، فما هي السعودية أو الامارات اصلاً من دون الولايات المتحدة ؟ ومهما حاول البغض التغافل عن الولاء السعودي الاماراتي لواشنطن ، فإن ذلك لا يعني ابداً أن هذه التبعية غير موجودة ، و السياق الطبيعي لما يعرفه العرب فإن أمريكا واسرائيل كياناً واحداً وأي تبعية لأمريكا تعني التبعية لإسرائيل .
عفواً لا يوجد ايران في اليمن
وإذا كان لابد للبعض أن ينخرط إلى جانب مطامع الولايات المتحدة في السيطرة على مضيق باب المندب وخنق العالم عبر التحكم بطرق الملاحة الدولية على البحر، إلى جانب تمزيق اليمن في اطار “مشروع الشرق الأوسط الجديد” .
فهناك دائماً فرصة للجلوس ومراجعة الذات ، قبل أن يجد اليمنيون أرضهم تحت الاحتلال الامريكي، فليس من المعقول أن تتحول دويلة مثل الإمارات إلى امبراطورية استعمارية تخنق حركة التجارة العالمية بين ليلة وضحاها !، وفي حال اصر البعض على سباتهم فانهم قد يفاجئون باعتذار مماثل لأسف بوش في العراق (عفوا ايران لا تتواجد في اليمن ) .