“فورين بوليسي”:خطة كوشنر للسلام سيئة والسعودية قد تجبر الفلسطينيين على قبولها.
خاص // وكالة الصحافة اليمنية // بعد أن عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعًا رفيع المستوى مع القائد الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة بوقت سابق من هذا الشهر، قد يحول اهتمامه بعد ذلك إلى ما أسماه «الصفقة النهائية»، وهي خطة أمريكية جديدة للسلام الإسرائيلي– الفلسطيني. قام جاريد كوشنر، المستشار الأول لترامب، وزوج […]
خاص // وكالة الصحافة اليمنية //
بعد أن عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعًا رفيع المستوى مع القائد الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة بوقت سابق من هذا الشهر، قد يحول اهتمامه بعد ذلك إلى ما أسماه «الصفقة النهائية»، وهي خطة أمريكية جديدة للسلام الإسرائيلي– الفلسطيني. قام جاريد كوشنر، المستشار الأول لترامب، وزوج ابنته، وجيسون جرينبلات، مبعوث السلام في الشرق الأوسط، بزيارة إلى المنطقة الأسبوع الماضي لاختبار أفكار للخطة، واستكشاف طرق لمعالجة الوضع الإنساني في غزة، وفي مقابلة واسعة النطاق مع صحيفة فلسطينية في نهاية الرحلة، وعد كوشنر بأن الخطة ستكون جاهزة قريبًا، في حين ينتقد بشدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويلمح إلى هدنة محتملة بين حماس وإسرائيل.
هكذا بدأ إيلان غولدنبرغ، الباحث ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في معهد الأمن الأمريكي الجديد، تقريره المنشور في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، حول أهمية استقرار قطاع غزة في ظل المخططات الفاشلة التي تدور حول السلام بين إسرائيل وفلسطين، ويذكر أن غولدنبرغ شغل منصب رئيس هيئة الأركان للمبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، إذ دعم مبادرة وزير الخارجية جون كيري لإجراء مفاوضات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يرى غولدنبرغ أن وضع خطة سلام أمريكية جديدة في هذه اللحظة سيكون خطأ فادحًا من شأنه أن يزيد الأمور سوءًا، إذ يجب على البيت الأبيض بدلاً من ذلك تأجيل أي خطة سلام قيد التنفيذ، والتركيز على استقرار الوضع في غزة.
من المستحيل أن تكون وسيطًا في صراع، أو أن تطلق خطة سلام موثوقة عندما يرفض أحد الطرفين حتى التحدث معك، بحسب وجهة نظر غولدنبرغ، ويكمل مستشهدًا أنه خلال الأشهر الستة الماضية منذ أن أعلن ترامب أنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، لم يلتق القادة الفلسطينيون مع كبار المسؤولين الأمريكيين.
ولمقترح الإدارة الأمريكية أيضًا آثار سلبية أخرى طويلة الأمد يمكن أن تحدث بطريقتين مختلفتين. في إطار السيناريو الأقل إضرارًا، ستقدم الولايات المتحدة اقتراحًا متوازنًا يتوافق مع الفهم الدولي للحالة والسياسة الأمريكية للجيل الماضي. في هذه الحالة، سيشمل الإقليم دولة فلسطينية مستقبلية في معظم الضفة الغربية وقطاع غزة، مع مقايضة الأراضي الإقليمية للحفاظ على غالبية المستوطنين اليهود في إسرائيل. وستشمل الخطة أيضًا عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية. في المقابل، ستحصل إسرائيل على ترتيبات أمنية تضمن عدم قدرة حماس أو جماعة متطرفة أخرى على السيطرة على الضفة الغربية. ستكون هناك آلية دولية لتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ولكن لا يشمل ذلك حق العودة، مع السماح فقط لعدد رمزي من الفلسطينيين بالعودة إلى إسرائيل، والأغلبية التي تمارس حقها في العودة إلى دولة فلسطين الجديدة، أو إعادة توطينهم في بلد ثالث.
يكمل الكاتب أن المشكلة هي أنه لا فائدة من وضع هذه الخطة مرة أخرى. فقد وضع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون هذا خلال تجربته في عام 2001، كما فعل وزير الخارجية جون كيري في نهاية إدارة أوباما. في الوقت الحاضر، فإن كلا الجانبين –القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية اليمينية– سيرفضان ذلك. إن مثل هذا الاقتراح لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشكيك في الأفكار التي يمكن أن يتحقق عليها حل الدولتين في المستقبل.
السيناريو المرجح على نحو متزايد هو أن الإدارة تقترح بدلًا من ذلك خطة أكثر ملاءمة لإسرائيل. ويمكن لهذه الخطة، أن تطالب قوات الدفاع الإسرائيلية بالبقاء في الضفة الغربية لجيل أو أكثر، وأن تواصل احتفاظها بـ60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها في الوقت الراهن، في الوقت الذي تشكل فيه الأساس لدولة للفلسطينيين في غزة. سيجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مثل هذه الخطة جذابة للغاية، ومن المرجح أن يقبلها ببعض التحفظات، وهو ما سيعطيه المرونة للتفاوض على بعض الجوانب.
والجدير بالذكر أن هذا النهج سيكون خطيرًا في عدد من الأمور. أولًا، سيظهر هذا في خانة السياسيين الإسرائيليين من يسار الوسط الذين يرون أن خطة ترامب غير واقعية. ومع ذلك، لن يكونوا في موقف يسمح لهم بمعارضة اقتراح أمريكي؛ لأنه سيكون جيدًا جدًا بالنسبة لإسرائيل. وسيتم وضع خط أساس سياسي جديد في إسرائيل لما قد يبدو عليه الحل المقبول، وهو حل لن يوافق عليه الفلسطينيون أبدًا، فالنتيجة النهائية ستدفع الجانبين إلى أبعد من ذلك.
والاحتمال الأكثر خطورة هو أنه إذا رفض الفلسطينيون أيًّا من هذه الخطط –خاصةً تلك التي قبلتها إسرائيل– يمكن أن يصبح بعد ذلك الأساس للحكومة الإسرائيلية لكي تعلن مرة أخرى أنها لا شريك لها في الجانب الفلسطيني، لذا تبدأ عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهي الخطوة التي يدافع عنها الآن عدد من السياسيين في إسرائيل، مما يجعل إمكانية حل الدولتين مستحيلًا، وقد لا تحصل حركة المستوطنين الإسرائيليين على فرصة أفضل، في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية، والبيت الأبيض الذي انحدر بشدة إلى الجانب الإسرائيلي.
يعلق الكاتب بأن إدارة ترامب تعتمد على الدول العربية في ما يبدو، وخاصة السعودية، لإجبار الفلسطينيين على قبول خطتها، إذ انتقلت الدول العربية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأصبحت أكثر اهتمامًا بمحاربة إيران.
يركز السعوديون على إيران لدرجة أنهم قد يكونون مستعدين للتحول في المسألة الإسرائيلية- الفلسطينية، لكنهم واجهوا مشاكل بالفعل عندما حاولوا القيام بذلك. كانت هناك تقارير في الخريف تفيد بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استدعى عباس إلى الرياض، بناءً على طلب كوشنر، إذ حاول الضغط عليه لقبول أفكار إدارة ترامب. لم تنجح الخطة وخرجت القصة إلى العلن، وكان هناك رد فعل عنيف في الإعلام العربي بدلًا من الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، وعندما استضاف السعوديون مؤتمر جامعة الدول العربية في أعقاب إعلان القدس، أعادوا تسمية القمة بـ«قمة القدس» (الكلمة العربية للقدس) من أجل تسليط الضوء على هذه القضية.
استثمرت إدارة ترامب الكثير في السعوديين، ولم تكن استثماراتها كافية في بعض الدول العربية الرئيسية الأخرى، إن الأردنيين والمصريين هم أكثر انخراطًا في القضية الفلسطينية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ولديهم نفوذ أكبر بكثير على عباس بسبب سيطرتهم على الحدود التي تحيط بغزة والضفة الغربية، هم أقل احتمالًا لأن يكونوا مرنين على وجه التحديد، لأنه يؤثر بشكل مباشر على مصالحهم الوطنية –لا سيما الأردنيين- الذين لديهم 50- 70% من السكان الفلسطينيين، ويتعاملون مع مشاكلهم الداخلية في الوقت الحالي.
ويوضح غولدنبرغ أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الدول العربية ستفعل أي شيء مختلف عما فعلته لسنوات، عندما يطلب رئيس أو وزير خارجية أمريكي دعمه في دفع خطة أمريكية جديدة، فإنهم دائمًا يقولون نعم، لكنهم لا يتابعون مع أي من الحوافز الإيجابية المفيدة للفلسطينيين، أو الضغط السياسي الحقيقي. ويخلص غولدنبرغ إلى القول بأن معظم الدول العربية لا تعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، ولا تتفق مع عباس، فهم لن يقدموا له حوافز كبيرة، ولن يتكبدوا مخاطر سياسية في الداخل بالضغط عليه، خاصة إذا كانوا يعتقدون أن خطة الولايات المتحدة محكوم عليها بالفشل منذ البداية.
يقترح غولدنبرغ أن بدلًا من التركيز على خطة سلام بعيدة المدى لا تتمتع بفرصة ضئيلة للنجاح، ينبغي للإدارة الأمريكية أن تركز على حالة الطوارئ الفورية في قطاع غزة، إذ لا يحصل السكان إلا على أربع ساعات من الكهرباء يوميًّا، وأكثر من 90% من مياه الشرب ليست صالحة للشرب، والحالة تتزايد على نحو غير مستقر، ويمكن أن تؤدي إلى حرب أخرى بين إسرائيل وحماس.
بالنسبة إلى إدارة ترامب، فهي تركز نوعًا ما على هذه المسألة. وعقدت اجتماعًا دوليًّا حول غزة في واشنطن خلال مارس (آذار)، وتفيد التقارير أنها دفعت اقتراحًا إلى دول الخليج للاستثمار في مشاريع بشبه جزيرة سيناء من شأنها أن تساعد الاقتصاد في غزة.
لسوء الحظ، تسببت شائعات خطة السلام وحقيقة تقسيم غزة من الضفة الغربية وإنشاء دولة منفصلة هناك، إلى رفض أي حلول من قبل العديد من أصحاب المصالح. رفضت السلطة الفلسطينية على الفور خطة الولايات المتحدة لغزة، مجادلة بأنها كانت طريقة لإنشاء قطاع غزة مستقلًا اقتصاديًّا وسلعة لمنطقة منفصلة عن الضفة الغربية. ومن غير المرجح أن يذهب المصريون إلى هذه الخطة، خشية أنه إذا أصبحت غزة معتمدة اقتصاديًّا بشكل متزايد عليهم، فإنها ستصبح مشكلة مصر بدلًا من إسرائيل.
يجب على الإدارة متابعة مبادرتين فوريتين. أولاً، اعتاق الولايات المتحدة مبلغ 300 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وقيل إن نيكي هالي، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قد قاد هذا الانتقام ردًّا على الأمم المتحدة عند إعلان السفارة في القدس. إذ إن المعارضة للأونروا، خاصة في إسرائيل، وفي إدارة ترامب، عميقة، وتستند إلى الرأي القائل بأنها ببساطة تديم عقلية اللاجئين بين الفلسطينيين.
لكن الجواب ليس هو قطع أهم مزود للمعونة داخل قطاع غزة في خضم أزمة دون وجود بديل شرعي فعال، والواقع هو أن الأونروا هي الخيار الحقيقي الوحيد في غزة الآن. وهي تقوم بتدريس 250 ألف طفل في مدارسها، أطفال كانوا لولا ذلك في مدارس حماس أو في الشوارع. وهي توفر الكثير من المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة. إذا كانت الإدارة مصرة على خفض تمويل الأونروا، فستتمكن من الاحتفاظ بالأموال التي تذهب إلى اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ولبنان، وأماكن أخرى، وتخفيضات فقط في المناطق التي يمكن لوكالات الإغاثة الأخرى التدخل فيها وملء الفراغ. لكن في غزة، تعتبر الأونروا أكبر معاون في المدينة، ولا يمكن لأحد سد هذه الفجوة في الوقت الحالي.
ينبغي للولايات المتحدة أن تقف وراء مبادرة يتابعها نيكولاي ملادينوف، الدبلوماسي البلغاري ومنسق الأمم المتحدة الخاص بالشرق الأوسط، الذي يحاول بناء آلية دولية بديلة لا تعتمد على السلطة الفلسطينية أو حماس، للحصول على مساعدات لغزة، والتي من شأنها الاستثمار في البنية التحتية الرئيسية للكهرباء والمياه. ويتجاوز اقتراح ملادينوف السياسة الفلسطينية الداخلية، التي تدفع السلطة الفلسطينية إلى تحمل الكثير من المساعدات التي كان من الممكن أن تذهب إلى غزة، في محاولة للضغط على حماس. لكن هذه الخطة لا يمكن أن تنجح بدون استعداد مصري وإسرائيلي للسماح للمجتمع الدولي بنقل الإمدادات إلى قطاع غزة. كما يحتاج إلى دعم مالي من مانحين آخرين، وخاصة دول الخليج. هنا يمكن للولايات المتحدة لعب دور بناء في الضغط على الأطراف لدعم خطة ملادينوف. ويعتبر الكاتب أن ملادينوف هو الشخص المناسب، إذ إن جميع الأطراف تثق به عمومًا وترى فيه وسيطًا نزيهًا.
إن الحل القائم على دولتين هو الإمكانية الوحيدة على المدى الطويل والقابلية للحياة، والتي يمكن أن تتيح للإسرائيليين والفلسطينيين فرصة العيش جنبًا إلى جنب في سلام وأمن. والنظام السياسي الفلسطيني الذي يعيد إدماج غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية واحدة هو الحل الوحيد الذي يقبله الشعب الفلسطيني وقادته. يختتم غولدنبرغ مقاله بأن أهداف الأمرين جديرة، لكن على المدى القريب، وبالنظر إلى الوضع السياسي الحالي، يجب أن تكون الأولوية الأولى للولايات المتحدة هي تحقيق الاستقرار في غزة، قبل الانتقال إلى هذه الأسئلة الأكثر صرامة