متابعات / وكالة الصحافة اليمنية //
أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، صباح اليوم السبت، استهداف قاعدة ميرون العسكرية الإسرائيلية، الواقعة على قمة جبل الجرمق، بأكثر من 60 صاروخاً من أنواع مختلفة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف هذا الجبل الذي يعدّ مركزاً استراتيجياً على مستوى الكيان ككلّ، ومركز القيادة الأمني والعسكري الأساسي على مستوى الجبهة الشمالية، خلال هذه المواجهة.
فما هي أهمية استهداف قاعدة ميرون الإسرائيلية على المستويات العسكرية والاستخبارية والجبهة الداخلية للاحتلال، وما دلالات استهدافها وتبعاتها على الحرب الدائرة؟
قاعدة ميرون مركز للحرب الإلكترونية في المنطقة
تقع القاعدة على بعد 8 كيلومترات عن آخر نقطة حدودية مع لبنان، في مقابل بلدات رميش ويارون ومارون الراس اللبنانية في القطاع الأوسط، وتتربّع على قمّة جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة، وهي أعلى قمة جبل ضمن الأراضي المحتلة عام 67.
وترتفع القاعدة عن البحر نحو 1200 متر، كما تنتشر منشآتها الظاهرة والأساسية على مساحة تصل إلى 150 ألف مترمربّع، فيما يعتقد أنّ قسماً كبيراً من المناطق المحيطة بها تابعة لها ولأنشطتها العسكرية والاستخبارية.
وقد أعلن بيان المقاومة أنّ قاعدة ميرون هدفها الأساسي المعلن هو المراقبة الجوية، حيث تعدّ المركز الوحيد للإدارة والمراقبة والتحكّم الجوّي في شمال فلسطين المحتلة، من دون أن يكون للاحتلال مراكز قيادة بديلة معلن عنها، ولا سيما أنها واحدة من قاعدتين أساسيتين في كامل فلسطين المحتلة، الأخرى هي “متسبيه رامون” جنوباً.
وبحسب بيان المقاومة الصادر اليوم، تُعنى قاعدة ميرون بتنظيم وتنسيق وإدارة كامل العمليات الجوية باتجاه سوريا ولبنان وتركيا وقبرص، والقسم الشمالي من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، كما وتُشكّل هذه القاعدة مركزاً رئيساً لعمليات التشويش الإلكتروني على الاتجاهات المذكورة، ويعمل في هذه القاعدة عدد كبير من نخبة الضباط والجنود الإسرائيليين.
وبحسب تقرير نشرته مجموعة أبحاث متخصصة في ولاية تكساس الأميركية منذ أشهر، وأضاءت عليه الصحافة الإسرائيلة، أظهرت نتائج تتبّع أجهزة تحديد المواقع المدنية أنّ مشاكل في تحديد أماكن بعض الطائرات المدنية تطرأ في المنطقة وبشكل خاص فوق جنوبي لبنان وشمالي فلسطين المحتلة، وبعد عدة عمليات رصد دقيق لإشارات التشويش التي تؤدي إلى تعطيل قدرة المستقبلات على اكتشاف موجات الأقمار الصناعية، تمّ تحديد جبل ميرون بالتحديد كمصدر للتشويش ضد أجهزة الـGPS المدنية.
وبالفعل فقد تعطّلت أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بالكامل في الأسبوع الأول بعد عملية طوفان الأقصى، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الهدف من تعطيلها خشية الاحتلال من استعمال هذه الأجهزة لتوجيه ضربات دقيقة ضد الكيان بالصواريخ أو المسيّرات أو غيرها من الوسائل الحربية.
مقرّ قيادة العمليات الجوية الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا
كذلك، يكتسب الموقع الجغرافي للقاعدة أهمية كبرى، فهو يكشف قسماً كبيراً من الجغرافيا اللبنانية بشكل مباشر، ويشرف عليها بالرؤية، كما تشرف عليها أجهزة البثّ والاستقبال، ما يتيح قدرة هائلة على التحكّم والاتصال من القاعدة إلى لبنان، وتدعمها بالنسبة لسوريا الرادارات وأجهزة البث والاستقبال الموجودة في قمم جبل حرمون المحتل، والمشرف على الجغرافيا السورية.
وبالتالي فإنّ هذه القاعدة، إضافة إلى كونها تاريخياً مقراً للعمليات الجوية ورادارات الرصد في الجبهة الشمالية للاحتلال، اكتسبت في السنوات الأخيرة قيمة إضافية مضاعفة مع دخول المسيّرات الحربية إلى الخدمة بشكل أكبر بكثير مما كان عليه الوضع منذ عقود.
فبعد أن أصبح اعتماد “جيش” الاحتلال على المسيّرات للرصد الاستخباري في لبنان وحتى في سوريا بشكل شبه يومي، أصبحت القاعدة مركز القيادة الأساس للعمليات الجوية المسيّرة ضد لبنان وسوريا، وأبرز ما تؤمّنه هو اتصال مباشر بالمسيّرات يسمح بعدم فقدان التواصل معها أو يصعّب عمليات التشويش على إشارتها، إضافة إلى كونها تسهّل سير العمليات العسكرية لكون أجهزة الاتصال وغرف القيادة والرادارات متمركزة بمعظمها في جبل ميرون.
قدرات رصد استخباري متقدّمة
تمتلك القاعدة، بسبب ما ذكرناه من إشراف واسع على الجغرافيا اللبنانية، القدرة على استقبال وبثّ الاتصالات اللاسلكية على أنواعها نحو لبنان، وهي بالتالي عنصر أساسيّ في حركة التواصل مع العملاء، إضافة إلى كونها عنصراً أساسياً كذلك في حركة تعقّب الاتصالات اللاسلكية ورصدها والتجسس عليها.
كما تؤمّن الكاميرات الضخمة وأجهزة الرؤية الحديثة إشرافاً ذا أهمية استراتيجية على جزء كبير من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وعلى المواقع الإسرائيلية وما يقابلها في لبنان، وهي بالتالي تعدّ رافداً أساسياً لقدرات الجمع الاستخباري التي كانت موجودة في المواقع الإسرائيلية الحدودية، والتي استهدفتها المقاومة خلال الأسابيع الفائتة ودمّرتها.
استهداف قاعدة ميرون الجوية
لم تكن القاعدة العسكرية، منذ بداية التصعيد العسكري الأخير في جنوب لبنان، بمنأىً عن التهديدات، وهو ما ذكره العديد من محللي الاحتلال أثناء حديثهم عن التطورات المحتملة لبنك أهداف المقاومة.
ويأتي ذلك بشكل خاص بعد أن سبق واستهدفت المقاومة هذه القاعدة في عام 2006 خلال حرب تموز بقصف صاروخي متكرّر، وقد أدى استهداف ميرون إلى مقتل مستوطنين 2 وجرح 5 آخرين بحسب اعترافات العدو.
واليوم، في الحرب الدائرة في جنوب لبنان منذ 3 أشهر بين حزب الله و”جيش” الاحتلال الإسرائيلي، يشكّل استهداف هذه القاعدة ضربة نوعية للمقاومة، لا تتوقّف حدودها عند الآثار المباشرة فقط.
فقد حافظت المقاومة على تدرّج دقيق في انتقاء طبيعة الأهداف التي تضربها طوال الفترة الماضية، ضمن إدارتها المحكمة لسلّم التصعيد مع الإسرائيلي، والذي تمكّنت خلال 3 أشهر من ضبطه على إيقاعها، وإجبار الإسرائيلي على الرضوخ لمعادلاتها، سواء لجهة منطقة العمليات العسكرية، وطبيعة القصف داخل لبنان، وردع الاحتلال عن استهداف المدنيين في لبنان ضمن معادلة الرد بالمثل، وتحييد جزء كبير من الجغرافيا اللبنانية عن دائرة استهداف الاحتلال.
ولكنّ التمادي الإسرائيلي في تنفيذ عملية قصف صاروخي استهدف الضاحية الجنوبية الثلاثاء الماضي، وأدى إلى اغتيال قيادات في المقاومة الفلسطينية أبرزهم القيادي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري، جعل المقاومة تحسم خيار التصعيد ضد الاحتلال، وجاء قصف اليوم تحت عنوان “ردّ أوّلي” على اغتيال الشهيد العاروري في الضاحية، ليبقى الحساب مع الإسرائيلي مفتوحاً على احتمالات المواجهة في حال قرر بدوره الردّ على هذا التصعيد.
أهمية “تاريخية” و”دينية” عند الاحتلال ومستوطنيه
إضافة إلى ما تؤمّنه القاعدة من خدمات عسكرية واستخبارية لكيان الاحتلال، تمتلك منطقة جبل ميرون أهمية خاصة عند اليهود الصهاينة، الذين يعتبرون أن الجبل بحد ذاته مذكور في التوراة، كما ويقدّسون قبراً يقولون إنه يعود لـ”رابي” وهو يهودي عاش في القرن الثاني الميلادي، ويقيمون سنوياً احتفالات في ذكرى مولده قرب قبره الذي يدّعون أنه موجود في مستوطنة ميرون الواقعة على السفح الشرقي للجبل في المنطقة المكشوفة نحو الجهة اللبنانية، والبعيدة نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر عن قمّة الجبل والقاعدة العسكرية.
وتوجد كذلك في المستوطنة التي يبلغ عدد سكانها نحو 1500 نسمة في أفضل أحوالها، عدة قبور وأضرحة يقول اليهود الصهاينة إنها تعود إلى شخصيات مقدّسة لديهم، ويصرّون على الاحتفال سنوياً هناك، لأن المنطقة تكتسب قداسة بشكل خاص تجاه اليهود المزراحيم الشرقيين، الذين أسسوا هذه المستوطنة بعد النكبة في 1949 على أنقاض بلدة ميرون الفلسطينية التي كانت موجودة مكانها، وسرقوا آثارها وتاريخها الذي يعود إلى نحو 2000 سنة.
وفي هذه المستوطنة بالتحديد حصلت أكبر كارثة مدنية في تاريخ الاحتلال عام 2021 عندما انهارت مدرّجات بجماهير المستوطنين المحتفلين بذكرى دينية، وحصل تدافع أدى إلى مقتل نحو 50 مستوطناً دهساً واختناقاً خلال التدافع.
رفع نوعية الأهداف الإسرائيلية المستهدفة
يشكّل ضرب القاعدة الأهم في الشمال، بصواريخ موجّهة، تأكيداً من حزب الله بأنه أدخل إلى الحرب صواريخ كورنيت إي- إم من الجيل الأحدث، والتي يصل مداها إلى 10 كيلومترات، ومن المرجح جداً أن تكون هي التي استخدمت في قصف القاعدة بشكل دقيق، بحسب ما أظهرت مشاهد صوّرها أحد المستوطنين الصهاينة لقصف القاعدة اليوم.
وتؤكّد المشاهد المنشورة أنّ الضربة نوعية إلى درجة تفوق بكثير ضربة 2006، حيث أن الاستهداف الدقيق لقاعدة بهذه الأهمية، وتتضمّن مراكز قيادة وتجهيزات بمئات ملايين الدولارات، وتحوي بشكل دائم قادة في “جيش” الاحتلال وعناصر متخصصة، إضافة إلى دورها المركزي في قيادة الحرب الجوية ضد لبنان، يعني أنّ هذه القاعدة أصبحت بمثابة الساقطة بالنار أمام المقاومة وصواريخها الموجّهة، ويعني أنّ الإسرائيلي وجد نفسه اليوم أمام مأزق حقيقي.
ردّ قاسٍ.. قاعدة القيادة الأساسية ساقطة بالنيران
لا يستطيع الاحتلال إخلاء قاعدة ميرون الأساسية في الشمال، ولكنه بات اليوم في وضع يكون مقرّه الأساسي في الشمال مهدّداً بالنيران الدقيقة من قبل حزب الله، ما يعني أنّ حزب الله بالفعل دفع خطّ الجبهة مع الإسرائيلي إلى 8 كيلومترات داخل الحدود الفلسطينية المحتلة، وأخضع جنرالات الاحتلال للمرة الأولى لاختبار تلقّي نيران مباشرة من المقاومة التي كانوا يظنون أنّ مقرهم الرئيسي بعيد عن قدراتها إلى حدّ كبير، وأنّ حربهم ضدها هي عن بعد بواسطة الطيران والمسيّرات.
كذلك، يعدّ استهداف قاعدة مسؤولة عن العمليات الجوية ضد لبنان، ردّاً دقيقاً على الجهة المسؤولة ضمن “جيش” الاحتلال عن استهداف الضاحية واغتيال القيادات الفلسطينية منذ أيام، وهو يندرج ضمن اختيار المقاومة الدقيق لطبيعة أهدافها، وإدارتها لسلّم التصعيد مع الاحتلال.
وبالتالي، يمكن الحسم بأنّ “مصيبة الاحتلال كبيرة” اليوم، باستهداف مقرّه القيادي العسكري الرئيس في الشمال، والذي يعني أنّ المقاومة وضعت الكرة في ملعب قيادة “جيشه” وحكومته، التي عليها أن تختار بين أن تسكت على هذه الضربة المذلّة والخطيرة جداً بالنسبة لأمن قادة الاحتلال العسكريين وسير عملياته ضد لبنان، أو الذهاب نحو ردّ لا تعلم ماذا ستكون مفاعيله وحدوده.