أكدت عضو الأمانة العامة لدى الاتحاد الفلسطيني العام للمؤرخين والباحثين في علم الآثار، الدكتورة منى أبو حمدية، أن “عملية تدمير الآثار ممنهجة من قبل المؤسسة الصهيونية”.
وقالت أبو حمدية، في حديث لـ”سبوتنيك”: “هي استكمال لما بدأته مؤسسة الصهيونية عام 1948. هذه السياسة التي وضعت لتجريد شعب كامل من هويته وأرضه بتدمير منشآته ومبانيه وشواهده التاريخية، ما يدلل على مسح هوية الشعب الفلسطيني بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي وممارسة سياسة التهجير القسري لكل فلسطيني”.
وأضافت أبو حمدية: “الاحتلال يريد أن يضع له جذورا في هذه الأرض لخلق جديد له، ومسح التاريخ وطمس الذاكرة ليحل تاريخا جديدا مزيفا مكان هذا التاريخ، وخلق وطن لهم في فلسطين، هذا الوطن الزائف الذي يقوم على أنقاض وأشلاء شعب فلسطين”.
وتابعت: “هذا نشهده في كل مدن الضفة وليس في غزة فحسب، والحفريات تحت المسجد الأقصى والتهويد وتزوير المناهج الدراسية في القدس المحتلة لإلغاء الهوية العربية من المنطقة وإحلال العبرية والتاريخ العبري المزيف على أنقاض أمجاد الشعب الفلسطيني”.
وأوضحت أبو حمدية، بالقول: “بلا شك غزة تتمتع بموروث وإرث كبير، وغنية بالذاكرة التاريخية، وغزة هي كما وصفها المؤرخون بين الأجيال المنصرمة. غزة تعود للألف الثالثة قبل الميلاد، بمعنى أن غزة كان فيها العديد من الحضارات، الكنعانية والفينيقية والآشورية، واستوطن بها الرومان والإغريق وكذلك الحضارات الإسلامية، وهذا الموروث الضخم يتطلع له الإحتلال بعين من يريد تدميرها وتهويدها، حيث دمر أكثر من 200 معلم أثري”.
حماية الآثار
ورأت أبو حمدية أنه “يجب اتخاذ خطوات لحماية التراث، وأولى الخطوات المهمة التي يجب أن تتحقق على أرض الواقع هي وقف الحرب، ووقف الاستهداف لهذه المواقع الأثرية، والسماح لطواقم الإسعاف والصحفيين من التقدم نحو توثيق هذه الجرائم، وشاهدنا ما شهدناه من إبادة في المستشفى المعمداني الملاصق للكنيسة وكيف تم تدمير أجزاء كبيرة منه وارتكبت بحق الأهالي مئات المجازر هنا، إذن لابد من وقف عملية الحرب والعدوان على الآثار وعلى البشر وعلى الشجر وعلى كل الفلسطينيين في غزة، لتحديد ما يمكن تحديده وحصول على إحصائيات أخيرة لهذا التدمير”.
وأكدت أبو حمدية أن “الاحتلال سرق العديد من الموروث الثقافي من المتاحف الفلسطينية إلى الداخل الإسرائيلي”، مضيفة: “كما نعلم أن دخول غزة بالحرب البرية كان بمرافقة علماء آثار إسرائيليين قد واكبوا هذه الحرب ورافقوا جيش الاحتلال الإسرائيلي ونهبوا ما نهبوه من آثارنا المتواجدة في المتاحف والأماكن والمكتبات وإضافة إلى سرقة المخططات والوثائق العريقة، والتي تشكل الإرث الثقافي الضخم لغزة، أيضا هناك حرق للكثير من المكتبات، والتي تشكل منارة تاريخية وخاصة لتاريخ فلسطين وغزة”.
وشددت أبو حمدية على “أهمية تشكيل لجنة تحقيق من علماء آثار عريقين من كل العالم ليقفوا عند مسؤوليتهم تجاه تدمير هذا الإرث الضخم ويرممون ما يمكن ترميمه، وكذلك لجنة إعمار كاملة وترميم كاملة لكل الموروث الفلسطيني، الذي تم تدميره عن قصد عبر طائرات الاحتلال ودباباته، التي مسحت الآثار وسوتها بالأرض. بلا شك الأكاديميون والباحثون والوزرات والجميع ينعي ويندد بالجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني والجرائم، التي تستهدف هذه المنشآت الأثرية والتي تعتبر هذه الجرائم هي انتهاكات وخرق للقانون الدولي حسب اتفاقية لاهاي وحسب اتفاقية التراث العالمي، فبلا شك هذا كله يعتبر اختراقات للقوانين الدولية والمعاهدات والمواثيق التي تهتم بالإرث والشواهد التاريخية وحمايتها حتى في حالة النزاع المسلح”.
المعالم الأثرية المستهدفة
ونوهت أبو حمدية إلى “استهداف مركز التخطيط الفلسطيني، وتم توثيق ذلك بعديد من الصور والتقارير، واستهداف برج نعمة، حيث يضم أهم مكتبة تاريخية في غزة تضم مجلات وكتب أجنبية وتاريخية ووثائق ومخطوطات، هذا المركز الذي تأسس عام 1965، بقرار المجلس الوطني. المكتبة كانت تعتبر منارة تاريخية لفلسطين ولغزة، إضافة لتدمير مكتبة العمري والأرشيف المركزي لبلدية غزة، ومكتبة البلدية والعباس، ورشاد الشوا، ومكتبة جامعة الأزهر، والجامعة الإسلامية وهناك أيضا تم تدمير دور نشر كبيرة كانت تعتبر جزءا مهما في توثيق تاريخ غزة الطويل”.
وأضافت أبو حمدية: “إضافة إلى ذلك، نهب الاحتلال قطعا أثرية تفوق بعمرها آلاف السنين، هناك قطع نقدية تفوق عشرات الآلاف من السنوات، التي تمت سرقتها وأيضا هناك أثواب يعود عمرها لأكثر من 200 عام أو 150 عام، أي هذه الأثواب عمرها يفوق عمر دولة الاحتلال، و تم تدمير العديد من المكتبات والجامعات والمراكز الثقافية التي تعنى بتوثيق التراث، والمتاحف التي قام أهلها بإنشائها أي قامت بمجهود شخصي من الأهالي، الذين يهتمون بحماية التراث وتوثيقه، وقد رأينا ما رأيناه من استعراض وتفاخر لرئيس هيئة الآثار الإسرائيلي الذي تغنى وتمجد بفيديو قد عرضه على صفحته عبر “الإنستغرام”(أنشطة شركة “ميتا”، التي تضم شبكتي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”إنستغرام”، محظورة في روسيا، باعتبارها متطرفة) وهو دخول الجيش الإسرائيلي لمخازن تخزين الآثار في غزة، ونقلها إلى داخل الكيان ومن ثم عرضها في مبنى الكنيست الإسرائيلي”.
وعن الخسائر البشرية من علماء الآثار، تابعت أبو حمدية، بالقول:” لا بد من التأكيد هنا أيضا على أننا خسرنا العديد من العاملين في القطاع الثقافي والتاريخي، ومؤخرا تم استهداف العديد من المؤرخين كالمؤرخ اليافاوي، والذي كان له باع طويل في تأريخ غزة وفلسطين وفي العديد من الإصدارات والأبحاث التي تمت بشكل علمي، وأيضا مؤخرا استهدف المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض والذي كان مريضا وجريحا وتم عرقلته ومنعه من تلقي علاجه إلى أن توفي بسبب هذه العراقيل، وخسرنا ما خسرناه من المؤرخين والفنانين والمثقفين في قطاع الثقافة”.