متابعات/وكالة الصحافة اليمنية//
كشفت وكالة “بلومبرج” الدولية أن الاستثمار في الغسيل الرياضي كبد صندوق الاستثمارات العامة السعودي خسائر بنحو مليار دولار.
وأوردت الوكالة عن خسائر فادحة جدًا تكبّدها صندوق الاستثمارات العامة بلغت 875.4 مليون دولارًا من خلال التعاقد مع لاعبين أجانب الصيف الماضي.
وتساءل مراقبون على تقرير الوكالة الدولية حول من سيحاسب رئيس صندوق الاستثمارات العامة ولي العهد محمد بن سلمان على هذه الصفات الفاشلة والأموال المهدرة.
وبحسب الوكالة تشهد خطط أندية كرة القدم السعودية تحولاً في اتجاه الإنفاق خلال الميركاتو الصيفي المقبل، حيث من المتوقع أن تتبع نهجًا أكثر حذراً في ضوء سعي المملكة لضبط الخسائر.
ففي الصيف الماضي، خصص صندوق الاستثمارات العامة ميزانية مدتها ثلاث سنوات للأندية السعودية، ساعدت في إبرام صفقات ضخمة استقطبت لاعبين من طراز عالمي.
وفي هذا الصدد، صرح كارلو نهرا، الرئيس التنفيذي للعمليات في الدوري السعودي للمحترفين “دوري روشن”، “الصفقات التي تم توقيعها تمتد صلاحيتها لأكثر من موسم، لذا على الأندية الرياضية التأقلم مع ذلك. يجب على الأندية إجراء صفقات للتخلص من بعض لاعبيها الحاليين حتى توفر ميزانية تسمح بشراء لاعبين جدد”.
وتشير البيانات الصادرة من الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” إلى أن أندية المملكة أنفقت 875.4 مليون دولار على استقطاب لاعبين أجانب خلال الصيف الماضي، مما جعلها تحتل المركز الثاني عالميًا بعد الأندية الإنجليزية التي بلغت إيراداتها 1.98 مليار دولار خلال هذه الفترة.
ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تركيزًا أكبر على تطوير المواهب المحلية، مع سعي الأندية إلى تحقيق استدامة مالية على المدى الطويل.
ويلاحظ أن إيرادات انتقالات اللاعبين في الدوري السعودي لم ترتفع بشكل كبير، حيث بلغت 15.7 مليون دولار فقط في الصيف الماضي.
وأبرمت الأندية السعودية العديد من الصفقات المدوية على مدار الفترة الماضية. حيث تعاقد نادي النصر مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وساديو ماني نجم منتخب السنغال قادمًا من ليفربول الإنجليزي.
بينما تعاقد نادي الهلال مع نيمار نجم منتخب البرازيل قادمًا من باريس سان جيرمان الفرنسي. وألكسندر متروفيتش لاعب منتخب صربيا ونادي فولهام الإنجليزي.
في حين تعاقد النادي الأهلي مع رياض محرز نجم منتخب الجزائر قادمًا من مانشستر سيتي الإنجليزي. والبرازيلي فيرمينو قادمًا من ليفربول الإنجليزي. بينما تعاقد نادي الاتحاد مع كريم بنزيما هداف ريال مدريد الإسباني. ونجولو كانتي قادمًا من تشيلسي الإنجليزي.
وكان أظهر تحليل أوروبي أن العائد غير مؤكد للرهان السخي للسلطات السعودية على الغسيل الراضي واستضافة الأحدث الرياضية العالمية سعيا منها لتبييض صورتها.
ونبه التحليل الذي نشرته مؤسسة “فنك” الأوروبية إلى تصدر السعودية عناوين الأخبار المتعلقة بالدوري الإقليمي لكرة القدم في السنوات القليلة الماضية، بمشاركتها في كأس العالم وبطولات آسيوية متنوعة.
وذكر التحليل أن السعودية مصممة الآن على أن تصبح منافسًا معروفًا على الساحة العالمية، ويبدو أنه يخطط لتحقيق ذلك عاجلًا.
وقد كُللت أشهُر من التفكر بالإعلان رسميا عن استضافة المملكة كأس العالم لكرة القدم للرجال 2034، عبر حساب إنستغرام الخاص برئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم جياني إنفانتينو، في الأسبوع الأول من تشرين الثاني.
قبل صدور هذا القرار، كانت المملكة قد وظفت بعض ألمع المواهب العالمية في كرة القدم لصالح الدوري المحلي، الدوري السعودي للمحترفين (SPL). ولاستقطاب هذه النجوم إليها أنفقت السعودية مبلغًا هائلًا من المال.
في كانون الأول، صعق نادي النصر العالم بخبر توقيع النجم البرتغالي، كريستيانو رونالدو، عقدًا للعب ضمن فريقهم. وبذلك، سُلط الضوء على فريق الرياض من ميامي إلى مومباي وملبورن.
أدى ذلك إلى انتقال أفضل نجوم كرة القدم في العالم إلى المملكة العربية السعودية للانضمام إلى فِرَق الدوري المحلي لكرة القدم في البلد.
ومن بين الذين وقعوا عقودًا مُربحة برزت أسماء مثل البرازيلي نيمار، والفرنسي كريم بنزيما، والسنغالي ساديو ماني، فقُدر مجموع عقودهم بمليون دولار (926 مليون يورو).
استحوذ صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الخاص بالمملكة على غالبية الحصص في أربعة من أفضل نوادي كرة القدم المحلية: الهلال، النصر، الاتحاد، الأهلي، وتشكل هذه الفِرَق الآن أكثر من 75% من ملكيته.
وضعت السعودية عائدًا هدفًا تبلغ قيمته 480 مليون دولار لهذه النوادي بحلول عام 2030، كجزء من رؤية 2030.
لكن قيمة العائد الآن 120 مليون دولار، وبالتالي هي بحاجة إلى ارتفاع بالغ، ما يعني أن على كل المعنيين خوض مسار طويل وضروري.
ويعتقد الخبراء أنه يمكن تحقيق هذه المهمة إذا وُظف مجهود كافٍ لتحسين البُنى التحتية لقطاع الرياضات وتعليم الرياضة.
وأحدث الدوري السعودي للمحترفين الصيف الماضي، جلبة كبيرة في سوق الانتقالات بإنفاقه 900 مليون دولار على شراء لاعبين أجانب، ما وضعه في المركز الثاني مقارنة بالدوري الإنجليزي الممتاز الذي حافظ على مركزه الأول.
إضافة إلى ذلك، مُنِحت رواتب ضخمة لاستقطاب المواهب من أفضل الدوريات الأوروبية بشكل أساسي.
وضح كارلوس نهرا، الرئيس التنفيذي للعمليات للدوري، أن هذا الاستثمار ليس قصير الأمد. لقد وعدت الدولة السعودية بتأمين الدعم المالي للدوري إلى أن يحقق لها إيرادات ضخمة ومستوى عالٍ في كرة القدم من حيث اللعب.
وقال نهرا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): “من الضروري، فيما نحظى بالدعم إلى حين نحقق أهدافنا مهما تطلب ذلك من الوقت، أن نكون مجديين تجاريا فنتحمل مسؤولية نمونا المالي، ولا نعتمد كليا على رأس مال الدولة.”
للحرص على أن لاعبيهم الجدد يتمتعون بأقصى مستويات الرفاه المعيشي، أنفق الهلال مبلغًا هائلًا من المال.
فقد أُهدي نيمار البالغ من العمر 31 سنة، ليس فقط ثلاث سيارات فخمة بحسب صحيفة “ذا صان” The Sun، بل أيضًا أربع سيارات مرسيدس واغن فئة ج ومرسيدس فان للمحيطين به المقربين منه وسائق 24/7. كما أنه مُنِح عقارًا يضم 25 غرفة ومسبحًا هائلًا حجمه 10م بـ 40م وطائرة خاصة.
ومن المستفيدين من نفقات الهلال المسرفة عقب إمضاء العقد، غير نيمار، نذكر ألكساندر ميتروفيتش، وخاليدو كوليبالي، وروبن نيفيز.
اتسمت إعادة ظهور الأهلي في دوري المحترفين هذا الفصل بموجة من إمضاء العقود مع لاعبين مثل غابرييل فيغا، ورياض محرز، وروبرتو فيرمينو، إدوارد ميندي، وألان سانت ماكسيمين.
إلى جانب بنزيما حصل الاتحاد على إمضاء كانتي وفابينيو، أما النصر فحصد إمضاء أوتافيو، وساديو ماني، وإيميرك لابورتي.
لكن رونالدو وبنزيما حصلا على أعلى الرواتب، وقيمتها بالتتالي 3.4 مليون دولار و3.3 مليون دولار أسبوعيا.
من جهة أخرى، أعلنت رويترز رفض فريق ليفربول عرض الاتحاد، وقيمته 150 مليون باوند (187.10 مليون دولار)، مقابل محمد صلاح، فيما فشلت محاولات الهلال للاستحصال على ليونيل ميسي وكيليان مبابي.
جزء من رؤية السعودية 2030 هو تحويل الاقتصاد من الاعتماد بشكل أساسي على الإيرادات من قطاع النفط، إلى التركيز على قطاعات أخرى من ضمنها السياحة والترفيه.
ولقد تجلى هذا الطموح في الجهود المبذولة في سبيل زيادة حضور المملكة أيضًا في كرة القدم الدولية.
وخصصت الحكومة السعودية مبالغ ضخمة لمجموعة متنوعة من الرياضات، منها الغولف، والكريكت، وركوب الدراجات، والفورمولا وان، والتنس، والمصارعة الحرة، وفنون القتال المتنوع.
وبحسب المسؤولين السعوديين، تركيزهم على كرة القدم هو رد على التنوع الاقتصادي، ومشكلات الرعاية الصحية العامة، وذلك لأن أكثر من نصف السعوديين يعانون من البدانة، وتحسين بنية الرياضات الموجودة.
إلا أن جماعات حقوق الإنسان تحتج بأن هذه محاولة لغسيل رياضي، ينحي الانتباه عن السياسات الحكومية القمعية.
أما بعض الخبراء في الرياضة فيقولون أن المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان في المنطقة يستثمرون في مساعٍ رياضية واسعة النطاق لتحقيق شرعية عالمية. وبهذه الطريقة، يُرجى أن يُغَض النظر عن المخالفات الماضية والتركيز على الفِرَق، والفعاليات، والرعاية.
إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الإنفاق على الترفيه والرياضة للحفاظ على هيمنة العائلة الحاكمة. ويشير المراقبون إلى أن هذه الاستثمارات قد تؤول إلى احتجاجات أو شكاوى شعبية أقل ضد العائلة الحاكمة.
على الصعيد المالي، قد يكون استرجاع الأموال المُنفَقة على كرة القدم مهمة صعبة. فمن غير المؤكد كيفية تحويل الفِرَق هذا الاستثمار إلى إيرادات مرتفعة من صفقات حقوق التلفاز العالمية، أو اتفاقيات الرعاية المربحة، أو بيع النوادي لمستثمرين عالميين مقابل مبالغ ضخمة من المال.
وفي تشرين الثاني عام 2022، قدر أحد التقارير إجمالي دين نوادي الدوري السعودي للمحترفين بقيمة 400 مليون دولار.
إلا أن الخبير الرياضي، مصطفى فرحات، أشار إلى أن رحلة كرة القدم السعودية ما زالت في مستهلها، وما زال أمامها خطوات كثيرة تحققها قبل الوصول إلى النتائج المرجوة.
قال فرحات لفناك، أن الحصول على عقود بث سعيًا إلى زيادة شهرة الدوري السعودي للمحترفين، أمر ضروري للمملكة العربية السعودية، لتوليد قدر مهم من الإيرادات. وضعت شركة البث العملاقة آي أم جي (IMG) هدفًا وهو تأمين صفقات قصيرة الأمد مع 30 سوقًا.
وبحسب تقارير بلومبرغ، قيمة هذه الاتفاقات لن تصل إلى 10 مليون دولار أميركي سنويا، على الرغم من أن البرتغال، والصين، وإيطاليا من ضمن البلدان التي ستخوض هذه المجازفة.
ويضيف الخبير أنه من الضروري أن تُنتِج الأمة نجومها الخاصة، بدلًا من الاعتماد كليا على رياضيين أجانب.
وذلك لا يقتضي فقط على تأمين تدريب احترافي، إنما أيضًا، ضمان أن كل بناها التحتية مُحدَثة بحسب آخر التطورات، مثل مدربين محترفين وملاعب مجهزة جيدًا.
قال فرحات: “أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي أن شهرة الفِرَق تزداد عالميا منذ الآن. إذ نلاحظ تفاعل معجبي كريستيانو رونالدو الدائم ومتابعتهم مبارياته، وارتدائهم قمصان النصر حتى.”
وفي رأيه، هذه الخطوات هي الطريقة المثلى لتحافظ العائلة الملكية على مكانتها في البلد، إذ إن كرة القدم إحدى أشهر الرياضات حول العالم، وذلك يجذب الكثير من المعجبين الأجانب، ما يعزز بالتالي سُمعة البلد، والسياحة فيه، وتطوره الاقتصادي.
أضاف: “يغطي المباريات حاليا مذيعون رياضيون مشهورون، فيما يرى المعجبون اللاعبين المشهورين يعيشون حياة الترف والرفاه في المملكة العربية السعودية، وذلك سيجذب انتباههم إلى البلد بطبيعة الحال.”
على الرغم من كل ذلك، من الواضح أن السعودية بذلت مجهودًا جماعيا منسقًا لتحويل نفسها إلى قوة رياضية قيادية في العالم. لكن ما زال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الجهود ستثمر وتحقق هدف 2030.