السعودية تُلغي برامج التوعية الإسلامية.. رياح التغيير إلى أين ستصل بالمملكة؟!
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية “تماشيًا مع توجهات قيادتنا الرشيدة، وما توليه من اهتمامات لكافة فئات المجتمع، وتحقيقًا لرغبة المجتمع، فقد تقرر البدء في تهئية ثلاثة ملاعب (استاد الملك فهد بالرياض، ومدينة الملك عبدالله بجدة، وملعب الأمير محمد بن فهد بالدمام) لتكون جاهرة لدخول العائلات وفقًا للضوابط الخاصة بذلك مطلع 2018”.جاء ذلك في بيان للهيئة […]
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية
“تماشيًا مع توجهات قيادتنا الرشيدة، وما توليه من اهتمامات لكافة فئات المجتمع، وتحقيقًا لرغبة المجتمع، فقد تقرر البدء في تهئية ثلاثة ملاعب (استاد الملك فهد بالرياض، ومدينة الملك عبدالله بجدة، وملعب الأمير محمد بن فهد بالدمام) لتكون جاهرة لدخول العائلات وفقًا للضوابط الخاصة بذلك مطلع 2018”.جاء ذلك في بيان للهيئة العامة للرياضة في 30 أكتوبر 2017.
البيان حمل في طياته رياح تغيير بانفتاح المرأة على الصخب الخارجي؛ ليعقبه انفتاح على قضايا كانت تعد من المحرمات منذ نشأة المملكة السعودية، من السماح بقيادة المرأة للسيارة إلى افتتاح دور السينما وتدشين الحفلات الغنائية، في خطوات جديدة تظهر نفوذ التيار الليبرالي في المملكة.
ذاك تغيير في عُرف الأمير الشاب محمد بن سلمان، وللتغيير قرابين، فقد صاحب ذلك اعتقالات للنخب بجميع شرائحها وتوتير العلاقات مع الجيران، لكن حلقات “اللبرلة” لم تنته بعد، فآخرها كان بالأمس القريب، وقد طال الناحية الدينية كالعادة.
آخر حلقات الليبرالية السعودية
كان إلغاء السلطات السعودية برامج التوعية الإسلامية المعمول بها في جميع المدارس الحكومية منذ نحو نصف قرن خطوة مثيرة وغير مسبوقة، فقد اُتهمت هذه البرامج من قِبل التيار الليبرالي في السنوات الماضية، بتنشئة جيل “متطرّف” وهو ما دفع للمطالبة بإلغائها.
ووفقا لما نشرته الصحف السعودية، فإن القرار الصادر عن وزارة التعليم يهيب بجميع المدارس إلغاء برامج “فطن، وحصانة، والتوعية الإسلامية”، وأيضًا إلغاء جميع اللجان المرتبطة بها، مع إحالة جميع الأنشطة إلى برنامج “الوعي الفكري” الذي أطلقته وزارة التعليم مؤخرًا.
وفي خطوة جديدة أيضًا في المملكة التي يقوم دستورها على الكتاب والسنة، أوقفت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية كافة الأنشطة الدعوية والمحاضرات، والبرامج، والدورات التي انطلقت مع بداية الإجازة الصيفية، وأعلنت جهات دعوية إيقاف جميع برامجها دون سابق إنذار، بناءً على توجيهات من الوزارة، بعد أن كان من المفترض استمرارها حتى عيد الأضحى المبارك.
الخطوتان الصادرتان عن وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التعليم، أثارت كل منهما جدلاً واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي بالسعودية، ورأي ناشطون أنه أمرًا كان متوقعًا، فيما ربط آخرون بين الخطوتينن والانفتاح غير المسبوق الذي تشهده المملكة، لا سيما أن “التوعية الإسلامية” والبرامج الدعوية الصيفية، كانت محط جدل واسع طيلة السنوات الماضية.
لكن وزارة الشؤون الإسلامية قطعت الشك باليقين، ففي وقت لاحق، ادَّعت أن قرارها يأتي نظرًا لإجرائها تحديثا شاملاً لبيانات جميع الدعاة ومنسوبي المساجد في الداخل، بالإضافة إلى المراكز والملحقيات في الخارج، “مما يساعد على تطوير العمل والرقي بالأداء”، بحسب قولها.
لكن ذلك لا ينفصل عن قرارات ملكية تصاحب أي تغيير بالانفتاح، فمنذ أيام قليلة اعتقلت السلطات السعودية الشيخ سفر الحوالي وثلاثة من أبنائه، وذلك بعد أيام من انتشار كتاب نُسب إليه يتضمن نصائح للعائلة الحاكمة وهيئة كبار العلماء المقربة من السلطة. ويقول مراقبون إن من ينتسبون لـ”التيار الليبرالي” في المملكة استطاعوا إقصاء خصومهم من “التيار الصحوي”، الذي يمثل التيار الديني الصحوي في السعودية.
سعودية أكثر تحررًا وأقل تشددًا!
على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، ومنذ ظهور ولي العهد في المشهد السعودي، شهدت المملكة جملة من التحولات شدت انتباه المراقبين، وأثار بعضها حالة من الجدل لما حملته من دلالات سياسية ومجتمعية، أبرزها: إنشاء هيئة الترفيه، وإقامة العديد من حفلات الغناء والموسيقى في عدد من المدن، وتخفيف القيود عن المرأة والسماح لها أخيرًا بقيادة السيارة.
لكن سياسة الانفتاح التي انتهجها بن سلمان وأثارت جدلاً واسعًا تزامنت مع تهميشه لدور دور هيئة المعروف والنهي عن المنكر، والتي ظلت لسنوات طويلة حامية لأعراف المجتمع وتقاليده ودينه، إضافة إلى اعتقال مجموعة من رجال الدين والدعاة، مما كان له الأثر في تخفيض سقف المعارضة لهذه السياسة.
ومع غياب دور هيئة المعروف والنهي عن المنكر برز دور هيئة الترفيه التي أنشئت في مايو/أيار 2016، إذ منحت صلاحيات واسعة لإقامة المزيد من الفعاليات والمهرجانات والاحتفالات التي ما كانت تلقى في السابق قَبولاً لدى هيئة الأمر بالمعروف.
تلك التغييرات المتسارعة والقرارات المتلاحقة، كالسماح للمرأة بقيادة السيارة، مرورًا بإقامة الحفلات المختلطة، وليس انتهاءً بالموافقة على افتتاح صالات السينما، أثارت تساؤلاً حول إذا ما كان الهدف منها هو حشد جماهير الشباب المتعطشة للتغير حول الأمير محمد بن سلمان.
بدت هذه التغييرات التي تم الترويج لها من خلال وسائل الإعلام الرسمية، ومؤيدين كثيرين من ابن سلمان على وسائل التواصل الاجتماعي – وكأنها تعيد تشكيل المجتمع الذي يصفه الغرب بأنه منغلق على نفسه – بيئة خصبة للتطرف والتشدد الديني، ومحاولة من ابن سلمان للتقرب أكثر من المجتمع الدولي، وتقديم نفسه على أنه محارب للإرهاب من جذوره.
كما تصاحبت موجات التغيير الداعية للانفتاح مع موجات تضييق على الحريات السياسية والإعلامية، لكن أصواتًا علت مطالبة بحل المشاكل الأساسية التي يعاني منها المجتمع السعودي مثل الفساد والبطالة والفقر، لذا عدَّ البعض الاعتقالات التي طالت وزراء وأمراء في الأسرة الحاكمة بتهمة الفساد محاولة لكسب ود هذه الأصوات.
رياح التغييرات المتلاحقة في السعودية والسياسة المتلاحقة بلا هوادة والتي تشوبها كثير من المتناقصات وتضييقات على حرية الرأي والتعبير تحوم حولها تساؤلات عدة حول أسبابها ودوافعها، وهل هي تغييرات حقيقية وجذرية لمواكبة الانفتاح على هذا العالم، أم الهدف الأساسي منها إحكام سيطرة ولي العهد على مقاليد الحكم والتقرب إلى الغرب؟ وإلى أي مدى يمكن أن تشكل هذه التغييرات إخلالاً بتركيبة المجتمع السعودي وزيادة الانقسام فيه؟.
من أين هبت رياح التغيير؟
منذ تأسيسها قبل 87 عامًا تجاوز التداخل الديني بالسياسي في المملكة طريقة العيش إلى توازن أقرب لتقاسم غير معلن للسلطة، وظهرت سطوة الدين بتفسيرات شتى في كل مناحي الحياة، ونشأ على أطراف ذلك ما يُوصف بتشدد تساهلت معه السلطة الحريصة على هذا التوازن، وظهرت الإزدواجية بين الإعلام ذي الوجهين؛ داخلي متزمت وخارجي بالغ الانفتاح.
كان ذلك سائرًا لأشهر مضت حتى مثلت الاحتفالات الأخيرة بالعيد الوطني مسرح اختبار للسعودية الجديدة، فقد كان لمظاهر الاحتفالات طابعها الغريب على مجتمع عُرف بأنه محافظ، إذ شهدت العاصمة الرياض حفلات غنائية مختلطة تزامنت مع سلسلة قرارات طالت نواحي مجتمعية عدة، مما فتح الباب أمام تساؤلات حول أسباب ودوافع سياسة الانفتاح التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان، وعن الأثر التي يمكن أن تحدثه في المجتمع السعودي.
الغناء والموسيقى والاختلاط – وهي من الممنوعات زجرًا – ظهرت بقوة، وتخللتها أفعال أثارت غضبًا وجدلاً، وبينما يكون عاديًا في أي مكان لن يكون كذلك في السعودية، فأي ريح هبت على البلد المحافظ فألحقت يومه الوطني بما سبقه مما يوصف بارتجال دفع مجموعات من أهله إلى الصراخ غضبًا أن “أعيدو هيبة السعودية”.
مثل هذا كان سيبدو مفهومًا إلا في المملكة التي تحتضن الحرمين الشريفين، حيث الخصوصية هناك في كل شيء، فالاختلاط الذي يُحظر في صروح العلم يُباح في مهرجانات للغناء، ونساء مجبرات في الثقافة العامة على ارتداء العباءة يتمايلن على أنغام صاخبة، متشحات بالسواد ومعهن متشحون بالعلم الذي يتزين بالعبارة الأقدس في الإسلام، ألا وهي شهادة التوحيد.
العلم الذي يرفع في مناسبة سياسية ليس ذا صبغة دينية وحسب، بل هو ديني خالص، ويرى كثيرون أنه اُبتذل بين أيدي الراقصين فخرجت مشاعر الغضب، وانقسم الجمهور إزاء ما جرى، واتفق كثيرون على أن تحشيد الوطنية وشد عصبها أمر مطلوب في وقت تخوض فيه المملكة غمار تغيير قيادتها، وأنها تواجه تحديات، وهي في حرب خارجية مؤلمة ومكلفة، وفي أحسن أحوالها غير منتصرة فيها.
لكن أكثر ما يصعب فهمه هو تداخل الأولويات، فكأن المملكة قد نزعت ثوبها أو جلدها في طرف من نهار، وبدا الثوب الجديد مستعارًا وأكثر التصاقًا بنظام دولة الإمارات التي تلعب الآن دور الشقيقة الوحيدة للمملكة، فلا يكون مفاجئًا بعد أن تكون الأكثر احتفاءً بالإطلالة الجديدة، فالاحتفالات نفسها أخذت في أبوظبي شكل تصرفات فجة، فكان مشهد المغنية جالسة على علم يحمل نص الشهادتين تجسيدًا مصورًا آخر للمأزق.
وفي مقابل رد الفعل الغاضب، هناك بعض المرحبين الذين ضاقوا بالتشديد الذي يقترب من الوصاية الاجتماعية والسلوكية، والذي تضطلع به مؤسسات دينية راسخة تمثل جزءًا من توازن القوى الذي حُكمت به المملكة منذ قيامها بامتداد ذلك على العائلات التي تتقاسم ذلك النفوذ.
كثير من المغامرة في الداخل والمقامرة في الخارج
إنه تحول أكثر ما يشبه – برأي كُثُر – عمليات تجميل ليبرالية غرضها نسخ أشكال أخرى دون قياس المؤاءمة الذاتية، فإن أضيفت المبالغات انقلبت تشوهًا. ستجد السعودية نفسها أمام سيل لأسئلة بلا إجابات، أو إجابات لا تروق أو لا يسهل تغييرها بأوامر ملكية عليا، فلا يكون غير القطع أو الإسكات بديلاً لغيارب الردود.
ولذلك يقول البعض إن هذه المظاهر الانفتاحية يراد بها مخاطبة قوى في الغرب، وتحديدًا الرئس الأمريكي، لكن بمقارنتها مع وقائع تمس الانفتاح الحقيقي تبدو هزلية، حيث اعتقل عشرات، بينهم ما يوصف بـ”الإصلاحي” بدون تهم واضحة، ما حدا بصحيفة واشنطن بوست إلى وصف المملكة بأنها “زنزانة” وأنها مصممة على أن تبقى كذلك.
في هذا ما يطعن في قلب ما تُسمى “الرؤية التحديثية” لولي العهد، فلا يمكن لأضواء المهرجانات أن تحجت ظلام السجون ولا يمكن لما يُروج لها على أنها ليبرالية أن تقتصر على الشكل دون حريات الإنسان الأساسية مثل التعبير والتنقل والتفكير.
بيد أن الأخطر هو ربط هذا بقضايا أخطر، فهذا عادل الجبير يقول في الأمم المتحدة “إننا لا نرى مبررًا لاستمرار هذا النزاع، خصوصًا في ظل التوافق الدولي حول الحل القائم على دولتين”، والبديهي في العبارة والمخفي منها هو بقاء الاحتلال، وبين السطور ما يغني عن التصريح بعدما وصفت المملكة المقاومة الفلسطينية صراحة بالإرهاب.
لعلها مقاربة العلمانية من أكثر جوانبها تهافتًا بعد إزاحة الديمقراطية. إنها العلمانية على طريقة العتيبة حين يقول: “نحن نريد شرقًا أوسط أكثر علمانية”، فلا يبقى من بعد قوله في المملكة غير وجهها الاستهلاكي الراقص، وهو “مدماك” فلسفة العلمانيين الجدد.
المصدر: Noonpost