تحليلات/وكالة الصحافة اليمنية/
عمليات اغتيال معقّدة دون ترك أي أثر، ومهمات استخباراتية كبرى تحتاج خطةً أمنية ومعلومات استخباراتية عالية ودقيقة من أجل اختراق الجدران الأمنية المحيطة بالهدف كل ذلك كان يحتاجه الكيان الإسرائيلي من أجل إفشال عمليات عسكرية، وتنفيذ اغتيالات لقادة المقاومة خلف الحدود، ولم يكن الكيان الصهيوني لينجح فيها لولا وجود عنصرٍ بشريٍ على الأرض، هذا العنصر كان وما زال يُشكّل صندوقاً أسود بكل تفاصيله، هذا العنصر اسمه “عميل” باع الوطن والتراب والأهل والأصدقاء من أجل حفنة من المال، هؤلاء العملاء ينضمون إلى الكيان الإسرائيلي معلنين إخلاصهم لهم غير مدركين إلى أين هم ذاهبون حيث إن أغلب من انتهت صلاحيتهم ولم تعد المخابرات الإسرائيلية تستفيد منهم وتركوهم دون كرامة يعيشون في الكيان الإسرائيلي ببطاقات منتهية الصلاحية دون حقوق ودون تأمين طبيّ لقد أخذ منهم الإسرائيلي ما يريده ولكن فيما بعد رماهم كـ “الخرقة البالية”.
القصة بدأت بعد فرار الجيش الإسرائيلي من لبنان في 25 أيار/ مايو من عام 2000 الذي اعتبره “أنطون لحد” كبير العملاء اللبنانيين، وقائد جيش لبنان الجنوب تخلّياً نهائياً عنهم وتركهم فريسة سهلة أمام المقاومين، فهرب من هرب منهم إلى فلسطين المحتلة حيث استقبلت تل أبيب بعضهم ورفضت البعض الآخر، وسافر عدد آخر إلى أوروبا وكندا وأمريكا فيما سلّم بعض الجنود أنفسهم إلى مقاتلي حزب الله الذي قام بدوره بتسليمهم إلى الأجهزة القضائية اللبنانية لمحاكمتهم، ويقدّر عدد هؤلاء 3000 شخص يعيشون اليوم في المدن والبلدات اليهودية، وبشكلٍ رئيسيٍّ في مستعمرات كريات شمونة ونهاريا وشلومي ونتسرات عيليت، أمّا “لحد” فقد مات في فرنسا عام 2015 بعد أنْ تحولّ إلى مُتسوّلٍ في “إسرائيل” التي تنكّرت له ولم تفِ بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لإعالته.
إذا هو الاذلال والعيش من دون كرامة هذا ما تجنيه يدا من باع وطنه من أجل محتل لا يحترم الأسس الإنسانية داخل كيانه، هذه الكرامة يتكلم عنها أكبر وأخطر عميل لبناني يُدعى أمين عباس الحاج الذي شكا من سوء المعاملة التي تلقاها من الاستخبارات الإسرائيلية بعد أكثر من ثلاثين عاماً قضاها في خدمة الاحتلال، كان الحاج العميل يُلقّب بـ “رومينيغيه” أحد أخطر العملاء بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات في الشرق الأوسط، وكان له دور أساسي في سلسلة طويلة من العمليات أغلبها لا يزال حتى اليوم طيّ السرية، وقد تسبب الحاج بنشاطه الاستخباري باعتقال المئات من الفلسطينيين، وساعد على السيطرة على أطنان كثيرة من الوسائل القتالية، وقال التلفزيون أيضاً إنّ العميل الحاج شارك في قضايا وعمليات استخبارية مهمة جداً، وكان يعتبر خلال سنوات طويلة ثروة استخبارية كبيرة لـ “إسرائيل”، أما الآن، بحسب التلفزيون، فيخرج العميل العتيق لا للحرب ضد الفلسطينيين الذين حاولوا تصفيته، ولا ضدّ أقاربه اللبنانيين الذين انضم كثيرون منهم إلى حزب الله، وإنما ضد مشغليه، حيث يقول: “لقد رمتني الأجهزة الاستخبارية كالكلاب، وأنا أعيش في إسرائيل ببطاقة منتهية الصلاحية دون حقوق ودون تأمين طبيّ، وعدد قليل فقط من أصدقائي الجيدين يقومون بمساعدتي بين الحين والآخر، لقد استخدموني، وانتزعوا كل ما بوسعهم امتصاصه مني، وأعطيت قلبي وروحي لهم، والآن ألقوا بي جانباً مثل الخرقة البالية، لقد رموني رمية الكلاب”.
هذا الذل الذي يعيشه العملاء “المنتهية صلاحيتهم” داخل الكيان الإسرائيلي تجسد أيضاً بما كشفته صحيفة (معاريف) العبريّة التي كشفت النقاب عن أنّ عشرات الجواسيس والعملاء اللبنانيين الذي عملوا لحساب “إسرائيل” خلال احتلالها لجنوب لبنان قدّموا التماساً للمحكمة العليا في القدس المُحتلّة ضدّ جهاز الأمن العّام (الشاباك) وضدّ شعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش (أمان)، زاعمين أنّ الكيان الإسرائيلي أخلّ بالاتفاق معهم منذ شهر أيّار (مايو) من العام 2000، أيْ منذ فرار جيش الاحتلال من جنوب لبنان، وأضافت إنّه خلافاً للجنود الإسرائيليين، فإنّ وزارة الأمن الإسرائيليّة لا تعترف بجنود جيش لبنان الجنوبيّ بالإعاقات النفسيّة أوْ الأخرى، وبالتالي لا تُقدّم لهم العلاج الأمر الذي يُؤدّي إلى تفاقم المرض، وزيادة التوتّر في صفوفهم.
ومن بين قصص الذل التي يعيشها العملاء كشفت صحيفة معاريف في 1 مارس 2017 في تقرير لها جاء تحت عنوان “عميل ورث الخيانة أباً عن جد ثمّ قذفوه للقمامة”، قصة فواز نجم العميل الذي كان ينتمي إلى جيش أنطوان لحد المنحّل الذي كان يعمل بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيليّ جنوب لبنان، وهرب من لبنان عام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان حيث وجد نفسه مضطراً لمغادرة منزله الفخم في قرية قليعة جنوب لبنان، وهو اليوم يعيش متشرداً هو وزوجته المصابة بمرض السرطان في حظيرة أبقار مهجورة في (كريات شمونة) الواقعة شمال فلسطين المحتلة، ولا يلتفت إليه أحد.
قصص كثيرة موجودة عن حياة الذل التي يعيشها العملاء داخل الكيان الإسرائيلي، وإن قمت بالدخول على المحرك الآلي “غوغل” والضغط على كلمة “عملاء الذل” تخرج لك آلاف القصص مروية بألسنتهم قصص لم يتعلم منها الكثير من الناس، وخاصة المتعاملين الجدد السوريين الذين وقفوا إلى جانب الكيان وساعدوه عند حدود الجولان، والذين سيكون مصيرهم مثل أولئك الذين باعوا وطنهم في لبنان فلا الكيان وفا بوعوده لهم ولا الوطن سمح لهم بالعودة إلى ترابه حتى وهم أموات، وفي سوريا هذه الثوابت أيضاً موجودة وسيكون عدم التسامح مع كل من تعامل مع الكيان الإسرائيلي مصيرهم حيث رفضت الدولة السورية خروجها حتى إلى إدلب (مقبرة المسلحين والإرهابيين) مع بقية المسلحين، وبالتالي كل من تعامل مع الكيان الإسرائيلي إما مصيره السجن في سوريا وفق القانون أو السجن في “إسرائيل” حيث ستتنكر “لجميل” هؤلاء في خيانة وطنهم والعمل لمصلحة الكيان الصهيوني، فمتى يتّعظ هؤلاء الخونة من تجارب أسلافهم؟. (الوقت التحليلي)