تحليلات/وكالة الصحافة اليمنية//
في خضم ترقب صدور أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين على خلفية الحرب في غزة من قبل محكمة العدل الدولية يعكس المشهد القائم اليوم في الولايات المتحدة تغيراً كبيراً في مسار الحرب الصهيونية على غزة ولعل ذلك لعب دوراً مهماً في خروج بعض المسؤوليين الأمريكيين عن صمتهم بشأن انتهاك الكيان الصهيوني القانون الدولي واستخدام جيش الاحتلال الأسلحة الأمريكية بشكل ينتهك القانون الدولي والأمريكي.
جاء في تقرير نشرته رويترز أن بعض كبار المسؤولين الأمريكيين أبلغوا وزير الخارجية أنتوني بلينكن أنهم لا يجدون تأكيدات إسرائيل “ذات مصداقية أو موثوقة” بشأن استخدامها الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي خلال حربها في غزة التي اندلعت غداة هجوم السابع من اكتوبر، وذلك وفقًا لمذكرة داخلية.
وبموجب مذكرة للأمن القومي أصدرها الرئيس جو بايدن في فبراير/شباط الماضي، يجب على بلينكن أن يقدم تقريرا إلى الكونغرس بحلول الثامن من مايو/أيار القادم يحدد فيه ما إذا كان قد وجد ضمانات إسرائيلية موثوقة بأن استخدامها للأسلحة الأمريكية لا ينتهك القانون الأمريكي أو الدولي.
وبحلول الـ24 من مارس/آذار الماضي، كانت 7 مكاتب على الأقل في وزارة الخارجية الأمريكية قد أرسلت مساهماتها في “مذكرة خيارات” أولية لبلينكن، وتم ختم بعض أجزاء المذكرة، التي لم يكشف عنها من قبل، بطابع السرية.
وإذا تم التشكيك في ضمانات كيان الاحتلال الاسرائيلي، فسيكون لدى بايدن خيار “معالجة” الوضع من خلال إجراءات تتراوح بين البحث عن ضمانات جديدة وتعليق المزيد من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية، حسبما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
انقسام داخلي
تقدم الشروح المقدمة إلى المذكرة أكبر الصور شمولا حتى الآن للانقسامات داخل وزارة الخارجية الأمريكية بشأن ما إذا كانت “إسرائيل” تنتهك القانون الإنساني الدولي في قطاع غزة.
فيما أشار مسؤول أمريكي إلى أن “بعض العناصر في الوزارة فضلت قبول الضمانات الإسرائيلية، والبعض الآخر فضّل رفضها، والبعض الآخر لم يتخذ أي موقف”.
وفي المقابل، قال مسؤول أمريكي ثان لوكالة “رويترز”: إن مكتب المبعوث الخاص لمراقبة ومكافحة معاداة السامية والسفير الأمريكي لدى “إسرائيل” جاك ليو، قالوا إنهم قيموا الضمانات الإسرائيلية على أنها ذات مصداقية وموثوقة.
يأتي ذلك في ظل تورط بايدن الذي شحن أكثر من 10,000 طن من الأسلحة والذخيرة إلى الاحتلال، وتجاوز مرتين إشراف الكونغرس لتسريع عمليات نقل الأسلحة، واستخدم حق النقض ضد قرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي دعت إلى وقف إطلاق النار، بل درس كيفية نقل 2.3 مليون فلسطيني بشكل دائم من غزة إلى صحراء سيناء.
في الواقع، من السخافة الادعاء بأن بايدن مع غدره لا يملك أي نفوذ في الضغط على كيان الاحتلال ومنعه من استخدام الأسلحة الأمريكية بشكل ينتهك القانون، وخاصة في ضوء الكميات الهائلة من الأسلحة التي شحنها إلى الاحتلال الإسرائيلي، وفي الواقع، يعترف المسؤولون الإسرائيليون بذلك علانية.
من جهة أخرى، حذر مكتب الشؤون السياسية والعسكرية الذي يتعامل مع المساعدات العسكرية الأمريكية ونقل الأسلحة، بلينكن من أن تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية سيحدّ من قدرة “إسرائيل” على مواجهة التهديدات المحتملة خارج مجالها الجوي، ويتطلب من واشنطن إعادة النظر في “جميع المبيعات الجارية والمستقبلية لدول أخرى في المنطقة، وقال المكتب في تقريره إن أي تعليق لمبيعات الأسلحة الأمريكية سيثير “استفزازات” من جانب إيران والجماعات المتحالفة معها، الأمر الذي يلقي الضوء على الجدل داخل الوزارة والتخبط في القرارات في ظل الأزمة والموقف المأزوم الذي خلقته حكومة الكيان بالنسبة لمسؤولي إدارة بايدن وخصوصاً بعد عملية الوعد الصادق.
أدلة دامغة
وأثار عرض مشترك من أربعة مكاتب هي، الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، السكان واللاجئون والهجرة، العدالة الجنائية العالمية، وشؤون المنظمات الدولية، “قلقا جديا بشأن عدم الامتثال” للقانون الإنساني الدولي أثناء متابعة كيان الاحتلال الإسرائيلي لحرب غزة.
وقال التقييم الذي أجرته المكاتب الأربعة إن التأكيدات الإسرائيلية “ليست ذات مصداقية ولا يمكن الاعتماد عليها”، واستشهدت بثمانية أمثلة على الأعمال العسكرية الإسرائيلية التي قال المسؤولون إنها تثير “تساؤلات جدية” عن الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي.
وشملت تلك الانتهاكات ضرب مواقع تحظى بالحماية وبنى تحتية على نحو متكرر بالإضافة إلى “مستويات كبيرة بشكل غير معقول من إلحاق الضرر بالمدنيين من أجل مكاسب عسكرية”، ولم تُتخذ إجراءات تذكر للتحقيق في الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عن الأضرار الجسيمة بالمدنيين، فضلا عن “قتل عاملين في المجال الإنساني وصحفيين بمعدل غير مسبوق”.
كما أشار التقييم الذي أجرته المكاتب الأربعة إلى 11 حالة من الأعمال العسكرية الإسرائيلية التي قال المسؤولون إنها شهدت “تقييدا للمساعدات الإنسانية بشكل تعسفي”، بما في ذلك رفض شاحنات كاملة من المساعدات بسبب عنصر واحد “مزدوج الاستخدام”، وقيود “مصطنعة” على عمليات التفتيش، فضلا عن هجمات متكررة على مواقع إنسانية ما كان ينبغي ضربها.
انتهاك القانون الدولي
على الرغم من المقاومة التي يبديها بايدن تجاه دعوات جماعات حقوق الإنسان والديمقراطيين ذوي الميول اليسارية والجماعات الأمريكية العربية للضغط على حكومة الاحتلال والمطالبة بضمانات حقيقية حول تحسين الوضع في غزة، وجاء إصدار مذكرة الأمن القومي في أوائل فبراير/شباط الماضي بعد أن بدأ أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي في التساؤل عما إذا كانت “إسرائيل” تلتزم بالقانون الدولي، ليضع بايدن في ورطة على الرغم من أن المذكرة لم تفرض أي متطلبات قانونية جديدة، لكنها طلبت من وزارة الخارجية أن تطلب ضمانات كتابية من الدول التي تتلقى أسلحة ممولة من الولايات المتحدة بأنها لا تنتهك القانون الإنساني الدولي ولا تعرقل المساعدات الإنسانية الأمريكية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويبقى موضع التشكيك، هل تُحدث المذكرة تغيرًا؟
نظرة سريعة على الدعم الأمريكي للإسرائيليين