الخليج..وكالة الصحافة اليمنية..
في الوقت الذي يحاول فيه حاكما الرياض وأبو ظبي، الفوز بورقة السودان لصالحهما، تخرج الأخيرة موجهة ضربة لهما، وتعمل على ارباك حساباتهما وتعزيز الصداع في رأسيهما.
إذ يتراءى لحاكمي الرياض وأبو ظبي أن الخرطوم قد تخلّت عن ميولها “الإخوانية” وانضمت إلى حظيرتهما المرعيّة أميركياً.
وحديثاً، عاد نظام عمر البشير ليفاجئهما بـ”تكويعات” كفيلة بخربطة حساباتهما. مفاجآت جاء اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران/ يونيو 2017 ليشكّل علامة فاصلة في مسارها الزمني، ويجعل الصداع يزنّ في رأس السعودية والإمارات بشأن تموضع السودان وتحالفاته الإقليمية.
حتى الآن، لم تفارق الخرطوم الموقع الذي نزحت إليه منذ قرابة أربعة أعوام (قطيعة مع إيران، وابتعاد عن المقاومة، وتقديم أوراق متواصل للأميركيين)، لكن قرار السعودية والإمارات فرضَ المقاطعة على قطر أتاح لنظام البشير، على ما يبدو، هامشاً أوسع للمناورة، لا يزال يحاول استغلاله في تحسين أوضاعه الاقتصادية المتردية.
ورغم الطابع “المصلحي” الذي تتسم به تلك المناورات إلى الآن، إلا أنها قد تفتح الباب – من وجهة نظر الرياض وأبو ظبي – على تبدلات استراتيجية مثلت الزيارة «التاريخية» للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للسودان، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نذيراً واضحاً بها.
وحتى لو لم تكن المداورة التي يقوم بها نظام البشير تستبطن خطراً من ذلك النوع، فإن المطلوب من وجهة نظر «المحمدين» (محمد بن سلمان ومحمد بن زايد) ليس أقلّ من تسليم كامل يجعل الرجلين في حال اطمئنان إلى أن الخرطوم باتت في جيبتهما ولن تغادرها.
هذا ما جاء في وثائق مسربة من سفارة الإمارات في السودان، ضمن سلسلة تسريبات بدأتها بسلطنة عمان، في ظل نشاط محموم للدبلوماسية الإماراتية في الدول العربية، وفقاً لما نشرت جريدة “الأخبار” اللبنانية.
وتكشف الوثائق المُذيّلة بتوقيع السفير حمد محمد الجنيبي حجم الهمّ الذي يركب أبو ظبي والرياض وهما تستشعران أن جهودهما على مرّ سنوات لـ”جرّ السودان إلى مربع الاعتدال” (وفق تعبير الجنيبي في إحدى البرقيات) باتت مُهدّدة.
وصحيح أن التشخيص الإماراتي لـ”القلق السوداني» يتركز على محاولة الخرطوم “الحصول على المزيد من المكاسب” من الأطراف كافة، إلا أن حقيقة أن نظام البشير “سلاحه معنا وقلبه مع الإخوان” (على حد توصيف الدبلوماسي الإماراتي) تثير شعوراً عميقاً بالمرارة، وانزعاجاً يستوجب العمل على “الضغط على حكومة البشير”.
اللافت، إلى جانب ما تقدم، أن الهمّ الرئيس – المشترك مع السعودية – يتفرع منه همّ إماراتي (إن صحّ التوصيف) متصل بميناء بورتسودان الذي كانت شركة “موانئ دبي العالمية” تتطلع إلى وضع يدها عليه، قبل أن تمنحه الخرطوم للقطريين، وتُكمِل “المصيبة” بمنحها جزيرة سواكن للأتراك أواخر العام الفائت.
وتشير الوثائق أيضاً إلى أن الجنيبي يحاذر الحسم في تشخيص موقف السودان الجديد بوصفه إياه بـ”المرتبك” وبأنه “أكثر تعقيداً”، وبربطه في غير موضع بـ”محاولة للعب على الحبلين طمعاً في الحصول على المزيد من المكاسب من الدول المقاطعة لقطر”، أو الأمل بأن “تكون خطوط المصالح على مستوى مستقيم مع كلا الجانبين” (السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى) طبق ما يرد في الوثيقة الأولى، أو الرغبة في «تحقيق أكبر قدر من الفائدة من خلال موقفها (أي الخرطوم) المحايد بشأن الأزمة القطرية فمن جهة تدعي بأنها مع “التحالف العربي”.
ومن جهة أخرى عينها على الدعم القطري الذي أصبح مغرياً لهم في ظل استمرار المقاطعة بحسب ما يعتبر الجنيبي نفسه في وثيقة ثالثة تحمل عنوان “محضر لقاء السفير مع مدير مكتب الرئيس السوداني» (19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
إلا أن الدبلوماسي الإماراتي يتهم الخرطوم بشكل أو بآخر بالخداع بقوله مثلاً في الوثيقة الثانية إن “حديث وزير النقل السوداني عن أن الطلب القطري لإدارة الميناء كان قبل طلب موانئ دبي هو حديث غير صحيح وقطر لم يسبق لها أن تقدمت بطلب لإدارة ميناء بورتسودان إلا مؤخراً”.
وجاء في اتهامه حكومة البشير في وثيقة رابعة مؤرخة بـ19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 (الموضوع: معلومات عن موضوع إدارة ميناء بورتسودان ومكتب البشير يقترح لقاء موانئ دبي) بأنها “مارس المناورة في استمرار تعزيز علاقاتها مع الدوحة تحت أكثر من عنوان ومنها إدارة بورتسودان”.
انطلاقاً من ذلك، يوصي الجنيبي، في الوثيقة الرابعة عينها، بممارسة “الضغط على حكومة البشير التي تقف متأرجحة في موقفها من الأزمة مع قطر”.
ضغط ربما شكّل الامتناع عن إغاثة الخرطوم تزامناً مع أزمة الوقود الأخيرة بعضاً من مظاهره. غير أن تلويح السودان بسحب قواته من اليمن، إثر تلك الأزمة، سرعان ما استنفر السعودية والإمارات وحملهما على اتخاذ خطوات إنقاذية.
ومن هنا، يبدو أن العلاقة بين الجانبين لا تزال محكومة بالمصلحة المتبادلة: نظام البشير يحاول استغلال الحاجة السعودية – الإماراتية إلى جنوده إلى أقصى حد ممكن، والرياض وأبو ظبي تتنقلان ما بين الإمساك بالجزرة تارة والتلويح بالعصا تارة أخرى. مقايضة لا تُعلم قابليتها للاستمرارية، خصوصاً إذا ما ضاق هامش المناورة على السودانيين، ووجدوا أنفسهم مضطرين للاختيار.
ويشكّل موضوع ميناء بورتسودان، الواقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، محوراً لوثيقتَين اثنتين من الوثائق المسرّبة من السفارة الإماراتية في الخرطوم.
في الأولى التي تحمل عنوان “السودان تقبل عرض قطر لإدارة ميناء بورتسودان وترفض عرض موانئ دبي»، يشير السفير حمد الجنيبي إلى إعلان وزير النقل السوداني، مكاوي محمد عوض، الاتفاقَ مع الحكومة القطرية على تطوير ميناء بورتسودان، ورفضَ طلب «موانئ دبي» إدارة الميناء، وتعليلِه (أي مكاوي)، ذلك أن الطلب القطري كان قبل طلب (موانئ دبي)”.
وللدلالة على خطورة الخطوة، يلفت الجنيبي في التعليق إلى أن “ميناء بورتسودان من الموانئ المهمة في السودان ودول الجوار، وتحديداً الدول الحبيسة مثل إثيوبيا وتشاد، إلى جانب موقعه الاستراتيجي المهم على ساحل البحر الأحمر”.
أما في الوثيقة الثانية المعنونة بـ”معلومات عن موضوع إدارة ميناء بورتسودان ومكتب البشير، يقترح لقاء موانئ دبي»، فينقل الجنيبي عن مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السودانية، أحمد يوسف محمد، تبريره ما جرى بأن “الإعلان السوداني نقل تصريحات الوزير بشكل غير صحيح”، وأن “الاتفاق مع قطر لا يتعلق بميناء بورتسودان، وإنما بميناء سواكن الذي يبعد 25 كيلومتراً جنوب بورتسودان وهو ميناء خاص بالحاويات”.
وينقل الدبلوماسي الإماراتي عن المسؤول السوداني أن “الحكومة السودانية حريصة على أن ترسي المناقصة (مناقصة بورتسودان) على مجموعة موانئ دبي العالمية (…و) أنه لا توجد شركة منافسة لها على مستوى هذه المناقصة”.
وفي تعليقه على التبرير السوداني، يضيف الجنيبي، نقلاً عن مدير مكتب الرئيس السوداني حاتم حسن بخيت، أن «مكتب سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان استفسر عن مدى جدية الجانب السوداني في قبول عرض موانئ دبي»، وأن بخيت “عرض الأمر على الرئيس البشير الذي اقترح حضور سعادة الرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي لمقابلته شخصياً في الفترة التي تناسبه بين يومي 27 – 28 نوفمبر 2017 وذلك لحسم الأمر نهائياً”.
تعليقه على تطور موقف السودان من الأزمة الخليجية، يلفت السفير حمد الجنيبي، في وثيقة “علاقات السودان وقطر في ظل المقاطعة”، إلى أن “السودان حاول في بداياتها (أي الأزمة) أن يتخذ موقف الحياد وسعى إلى الاحتماء وراء المبادرة الكويتية ونجح إلى حد ما، ولكن جاء قرار إبعاد المبعوث الرئاسي الفريق طه عثمان الذي تقول المصادر إنه حصل بناءً على نصيحة قطرية”.
في الوثيقة المعنونة بـ”محضر لقاء السفير مع مدير مكتب الرئيس السوداني” (19 نوفمبر 2017)، يورد السفير الإماراتي، حمد الجنيبي، “أبرز ما قاله” وزير الدولة ومدير مكاتب الرئيس السوداني، حاتم حسن بخيت، خلال اللقاء. وفي ما يلي بعض من تلك المقتطفات:
“ذكر أن الرئيس البشير يحرص على أن ينقل للقيادة في الإمارات والسعودية أن الذي يمثل السياسة الخارجية للسودان هو شخصياً، وأن الحكومة السودانية تؤكد أن مساعد الرئيس إبراهيم السنوسي التابع لحزب المؤتمر الشعبي (حزب الترابي) ليس له أي سلطة أو قرار في السودان، ووجوده في الحكومة جاء من خلال الحوار الوطني الذي جرى أخيراً، وليس لديه سوى ملف صغير يتعلق بالتنمية بين الدول الأفريقية، وبالتالي فإن موقف السودان الثابت هو موقع محايد من الأزمة في قطر”.
وأفاد بأن الحكومة السودانية توصلت إلى اقتناع بأن المبادرة الكويتية لم تعد مقبولة لدى دول المقاطعة، لذلك ابتعدت عن الاحتماء بها أو تأييدها.
وذكر أن السودان توصل إلى اقتناع بأن موقع دول الخليج من قطر هو مقاطعة طبيعية وليست حصاراً، وأنهم وجهوا الإعلام السوداني بعدم الحديث عما يسمى الحصار، حسب الزعم القطري.
وقال إن أزمة قطر أوقفت مصالح السودان في ظل أزمة حقيقية تتعلق بشح العملة وزيارة الرئيس السوداني لقطر كانت من أجل مناقشة العلاقات بين البلدين وملف إعمار دارفور من خلال بنك دارفور المزمع إنشاؤه حسب اتفاق الدوحة والذي يبلغ رأسماله (2) مليار دولار.
كما أن السودان يأمل أن تساهم قطر في ضم الفصيلين الكبيرين في دارفور، وهما حركة العدل والمساواة وجماعة مناوي إلى ملف السلام. وقال إنهم أطلعوا الإمارات والسعودية للعلم بالزيارة وأهدافها في حينه…
وأشار إلى أن السودان محرج ولا يريد تقديم طلبات مباشرة لدعم مالي من الإمارات والسعودية لأن القيادة السودانية تشعر بأنها أثقلت عليهم في الفترة الماضية، وتوجيهات الرئيس لهم بعدم تقديم طلب مباشر، والقطريون عرضوا المساعدة.
وقال: “لا نستطيع أن نرفض، لكن لا يمكن لهذا الدعم أن يؤثر على موقف السودان ومشاركته مع التحالف في اليمن”.