في ظل ضغوط يعانيها “بنيامين نتنياهو” وتصدع قناع الوحدة الذي ترتديه “إسرائيل” منذ بداية الحرب يرى مقال رأي في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية كان خطأ جسيما ومتسرعا قد يرمي “إسرائيل” إلى الهاوية ويزج بها في حرب هي غير مؤهلة لمواجهتها.
وكتب “ديفيد هيرست” -وهو رئيس تحرير الموقع- في المقال أن نتنياهو يحاول جر إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية لا فرصة لجيشه في الفوز بها، مؤكدا أن اغتيال هنية في طهران يعد أوضح رسالة لحماس وإيران بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد إشعال حرب إقليمية.
ووصف الجنرال الإسرائيلي السابق “عميرام ليفين” اغتيال هنية بأنه “جنون” كان على “الجيش الإسرائيلي” تجنبه، فباغتياله قتلت “إسرائيل” قائدا كان بإمكانها التفاوض معه.
وأكد الكاتب حتمية خوض “إسرائيل” مفاوضات مع حماس، إذ أصبح من الواضح أنه من المستحيل هزيمة الحركة في غزة.
وحذر من أن “إسرائيل” تحت حكومة ب”نيامين نتنياهو” المتفككة ترتكب الخطأ الكلاسيكي الذي ارتكبته جميع القوى الاستعمارية من قبلها، ففي السنوات الأخيرة من نظام الفصل العنصري تسارعت سياسات النظام الجنوب أفريقي بشكل متهور، إذ حاول الإطاحة بحكومة أنغولا والهجوم على زيمبابوي وبوتسوانا وزامبيا، وكل هذه الخطوات مشاريع عقيمة لم تستطع منع انهيار النظام.
وقال هيرست إنه مثلما عد نابليون وأدولف هتلر -وهما في ذروتهما العسكرية- أن من الحكمة مهاجمة روسيا فإن نتنياهو بتصعيده يهدد كل ما حققته إسرائيل في الحرب وكدولة.
وأشار إلى أن القوات الإسرائيلية تدرك الحقيقة المرة وراء قرار رئيس الوزراء، وهي أن قتل إسماعيل هنية قلل فرصة عودة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، كما أن ضباط الجيش الإسرائيلي على وعي بقلة جاهزيتهم لتحمل حرب على عدة جبهات بسبب نقص الدبابات والذخيرة وقوة إيران وحزب الله والحوثيين وجماعات المقاومة الأخرى العسكرية وفعالية صواريخهم.
وعلق رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” على عقم اغتيال هنية كوسيلة لتدمير حماس بقوله إن إسرائيل قتلت العديد من قادة الحركة، ومع ذلك فقد استمر نموها بشكل ملحوظ، من حيث عدد المجندين والتسليح والنفوذ السياسي، وتُظهر الاستطلاعات اليوم أن حماس قد تفوز في الضفة الغربية إذا أجريت انتخابات حرة هناك.
كما ارتفع رصيد الحركة ولم ينخفض في فلسطين والعالم العربي والإسلامي منذ عملية طوفان الأقصى، وأشار الكاتب إلى أن حماس -التي قاومت هجوم إسرائيل على غزة لمدة 10 أشهر- تفوق بكثير حجمها وقدراتها في أيام الشيخ أحمد ياسين.
ولن تجد إسرائيل زعيما وطرفا في المفاوضات مثل هنية بسهولة، ووصفه الكاتب بأنه مثال لما يجب أن يكون عليه الدبلوماسي، إذ كان “هادئا لطيف الطباع حسن الاستماع ومتواضعا”، والأهم أنه كرس حياته للمفاوضات، وكان على علاقة طيبة مع العالم الإسلامي في قطر وتركيا وإيران.
وذكر هيرست أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يدخر جهدا في تصعيد التوترات الإقليمية وتقويض موقف الإدارة الأميركية بشأن الوقف الدائم لإطلاق النار، ومعارضتها المستمرة لفتح جبهة ثانية في لبنان.
ويرى الكاتب أن تصرفات نتنياهو -التي يُعزى جزء منها إلى أيديولوجيته المتطرفة على حد وصف معارف صهاينة ليبراليين للكاتب- تعكس إيمانه العميق بأن هزيمة القضية الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية هما الأساس لتحقيق نصر أمته.
كما أشار هيرست إلى أن قرار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس كلف إسرائيل بطاقة مفاوضات قوية، إذ كان بإمكانها أن تقول إنها لن تسلم نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وهنية -وهو أيضا على قائمة المطلوبين- حر طليق.
وذكر الكاتب أن هناك علامات تصدع في إسرائيل، فليس من المصادفة أن تصدر أوامر اغتيال هنية في غضون يوم واحد من اقتحام أعضاء كنيست متطرفين وفاشيين منشأة سجن سدي تيمان في محاولة لمنع اعتقال جنود ارتكبوا فظائع بحق السجناء الفلسطينيين، وكان رد نتنياهو على الحريق الذي يندلع في إسرائيل وعلى عتبة داره هو إشعال المنطقة.
وتجسد هذه الأحداث التصدعات المتزايدة داخل إسرائيل رغم محاولاتها تقديم نفسها كدولة ناجحة في منطقة مليئة بالدول الفاشلة، على حد وصف نتنياهو الذي نقله الكاتب.