عاشت اليمن بالامس وما قبله سلسلة من الاحداث المتسارعة، وكانت من الاهمية والخطورة والحساسية لدرجة توحي انها ستشكل مفصلا مهما في الحرب الظالمة التي تشن عليها، من الاستهداف الناجح للقوة الصاروخية اليمنية لمنشأة براكة النووية الاستراتيجية في ابوظبي، بصاروخ باليستي مجنح نوع كروز (الاحد الفائت في الثالث من شهر ديسمبر الحالي)، والذي تواكب تقريبا مع عملية حسم سريعة وصاعقة لحركة انقلابية في العاصمة صنعاء وفي بعض المدن اليمنية الشمالية كعمران وحجة، كان قد قادها الرئيس اليمني السابق وقائد حزب المؤتمر الشعبي علي عبد الله صالح، أدت الى إخماد هذه الحركة الانقلابية والسيطرة عليها بسرعة، وقد توِّجَت هذه السيطرة بالامس بمقتل قائدها المذكور وهو في طريق الفرار الى اماكن سيطرة التحالف العربي في مأرب.
من خلال تحليل هذه الاحداث بعد ربطها بالحرب والميدان والوضع الداخلي اليمني، قبل واثناء وما بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، يُستنتج ان هناك تحولات مهمة واساسية اصبحت تميز الوضع في اليمن، لم يعد لاحد قدرة على تجاوزها او القفز فوقها، في الداخل اليمني او في المحيط او في العالم، وهذه التحولات يمكن اختصارها من خلال معادلة مُركّبة تجمع القوة والحقيقة، وهي على الشكل التالي:
معادلة القوة
لقد اتت هذه الحركة الانقلابية على خلفية تراكم سلسلة من هزائم وإخفاقات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وباشتراك وحضور قوي من الامارات العربية المتحدة، في تحقيق تقدم ميداني او عسكري بسيط على اي من عشرات لا بل من مئات الجبهات المفتوحة على الجيش اليمني واللجان الشعبية، في الداخل او على الحدود الشمالية مع السعودية، وحيث وجد هذا التحالف ان الميدان قد أُقفل بالكامل في وجه وحداته وقواته المدعومة باحدث الامكانيات العسكرية المتطورة، رأى في العمل من خلال دعم وتخطيط وتنفيذ محاولة انقلابية من الداخل فرصة، قد تخلق الامكانية لكسر هذا الصمود الذي يواجهه، وقد اختار الرئيس صالح لقيادة هذا الانقلاب .
بالرغم من التحضير الجيد لهذه المحاولة، والتي تمت تغذيتها بمئات من العناصر المتدربة خصيصا لها، على ايدي مدربين اماراتيين وربما ايضا على ايدي مدربين اجانب تابعين لشركات متخصصة في عمليات الفتنة والتمرد والانقلابات كشركة “بلاك ووتر” مثلا، وبالرغم من تجهيز هذه العناصر باسلحة متطورة تم ادخالها بطريقة سرية على دفعات الى داخل صنعاء والمدن الاخرى في عمران وفي حجة وغيرها، وبالرغم من تغطية هذا الانقلاب بعمليات قصف جوي واسع ومركز، استهدف جميع النقاط الامنية والعسكرية للوحدات اليمنية ولوحدات انصار الله، والتي كان من الطبيعي ان تُكلف بالانتشار والتدخل لمواجهة الانقلاب، فقد تم اخماد هذه الحركة بسرعة قياسية، مع تنفيذ انتشار امني مركز على جميع النقاط والطرق والمحاور التي كانت ستشكل ثغرات ميدانية او امنية قد يتمدد منها الانقلابيون.
معادلة الحقيقة
استنادا لمعادلة القوة كما شرحناها اعلاه، حيث انتجت هذه القدرة اللافتة التي ميزت وحدات الجيش والاجهزة الامنية وانصار الله، اولا لناحية الصمود والثبات في الميدان الواسع داخل او على حدود اليمن، وثانيا لناحية الفعالية والحرفية التي عملت من خلالها القوة الصاروخية اليمنية على فرض اجندة جريئة وجديدة تَمَيّز بها بلدٌ صغيرٌ محاصر، عبر تطوير منظومة فاعلة من الصواريخ الباليستية الاستراتيجية، وثالثا لناحية القدرة الامنية والاستعلامية والمخابراتية على متابعة ورصد جميع الثغرات الداخلية الخطرة، ومواجهتها بطريقة سريعة ومركزة، كل ذلك فرض معادلة اخرى على الساحة اليمنية، وارتباطاً مع محيطها القريب، وهي معادلة الحقيقة التي لا يمكن لاحد ان يتجاوزها او ان يغض النظر عنها بعد الان، وعناصر هذه المعادلة هي:
لن تؤدي متابعة العدوان العسكري على اليمن الى اي تغيير على الارض، وهذه الحقيقة اصبحت راسخة وثابتة وقد فرضتها المعارك والمواجهات خلال اكثر من ثلاث سنوات من الحرب المدمرة، والتي استعمل فيها التحالف اكثر الاسلحة والطائرات والصواريخ تطورا وفتكا، دون إحراز اي تقدم يذكر، الاّ في الاماكن التي اختار الجيش واللجان الشعبية اعادة الانتشار منها لاسباب ميدانية داخلية او استراتيجية.
لن يؤدي الانكار والهروب الى الامام من قبل التحالف وخاصة من قبل السعودية، الى اي نتيجة لناحية استسلام او انكفاء او يأس ابناء اليمن، ولا يمكن باي شكل من الاشكال تجاوز وجود وحيثية وقوة وحضور “انصار الله” كمكون اساسي متجذر في تاريخ وجغرافية وسياسة وتماسك اليمن.
وتبقى الحقيقة الاخرى التي يجب ان ينتبه اليها ويفهمها أصحاب هذه الحرب على اليمن، وخاصة السعودية، انه لا حل في اليمن والمحيط من خلال متابعة هذا الطريق من الاجرام والقتل والتدمير، وان الحل الوحيد والصحيح هو في التعقّل والاعتراف بالفشل وبالخطأ والعودة عنه قبل فوات الاوان.