قراءة للمرحلة اليمنية الجديدة وآثارها المحلية والإقليمية
تحليل / محمد علي جعفر // باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية //
لم يكن مقتل علي عبد الله صالح بالأمس، مجرد حدثٍ عابرٍ انتهت خلاله مسيرة رجلٍ طامحٍ للتفرد بالسلطة فحسب، بل كان الحدث مفصلياً في ما يخص اليمن محلياً وإقليمياً. فالقصة ليست قصة صالح، على الرغم مما يُشكله الرجل من حجم سياسيٍ يمني، بل هي قصة صراعٍ اقليمي تديره السعودية والإمارات والكيان الإسرائيلي تحت عباءة أمريكية ضد شعبٍ يمنيٍ لم يقبل الإذلال واستطاع أن يُسطِّر ملحمة أسطورية أصبحت مدرسة في الصبر والتضحية. فما هي القصة الكاملة للتطورات الأخيرة في اليمن؟ وماذا في الآثار الإقليمية والدولية؟
المؤامرة: أسرارها والقصة الكاملة
انهى رجل السعودية علي عبد الله صالح حياته السياسية كما بدأها، طامعاً بالسلطة ولو على حساب التضحيات. لم يأبه للسنوات الثلاث التي أحدث فيها تحولاً في تاريخه السياسي، والتي كانت كفيلة بإدخاله التاريخ. لم يلتفت للتنازلات الكبيرة التي قدَّمها أنصار الله حين تغاضوا عن الحروب العديدة التي شنها عليهم بين العامين 2002 و2009 والتي كان من ضمنها تصفيته للسيد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس الحركة وشقيق السيد عبد الملك الحوثي (زعيم أنصار الله الحالي). كما نسي صالح قيام الحركة بتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الخاصة حين دخلت صنعاء عام 2014 وفتحت صفحة جديدة معه بعد تخليه عن الأجندات الخارجية ووقوفه ضد العدوان وتبنيه لخطاب الوحدة. فما الذي دفعه للانقلاب؟
عاد صالح الى سياساته المعهودة بالانقلاب على الاتفاقيات بعد أن غرَّه الإصرار السعودي الإماراتي بتأمين الحماية له وإعادته الى الواجهة السياسية شرط دخوله بالمؤامرة التي اُعدت والتي هدفت لدعم صالح داخلياً للتخلص من حركة أنصار الله وتخلية الساحة الداخلية من المنافسين له ولعبد ربه منصور هادي. على أن يتم فيما بعد تقاسم السلطة بينهما. وهو ما استلزم تدريب نواة عسكرية داخلية قادرة على القيام بالمشروع يتم الإعتماد فيها على نفوذ علي صالح الذي حكم اليمن لثلاثين عاماً. وعندما تصبح الأمور جاهزة يحصل الانقلاب السياسي.
جاءت ساعة الصفر وانقلب علي عبد الله صالح. صَمَد حتى مساء الأحد مُخطئاً بالاعتقاد بوجود القدرة على تحقيق سيطرة عسكرية على صنعاء. وفشل رهان الداعمين له لأسباب يتعلق أقلُّها بجهلهم لتاريخ اليمن وللواقع الحالي مع استمرار اعتقادهم بضعف الشعب اليمني. سارت الأمور وعندما اقتنع صالح بعدم وجود أي أفق لحسم الأمور لصالحه، قرَّر الهرب، الى سنحان أو الى مأرب، بعد تأمين التغطية الجوية لموكبه من قِبل تحالف العدوان. لكن ذلك انتهى بمقتله.
ماذا يعني ذلك على الصعيدين المحلي والإقليمي؟
إن المرحلة الجديدة تعني بدلالاتها التالي:
أولاً: شكَّل مقتل صالح نهاية للرهانات الدولية والإقليمية على كسر شوكة اللجان الشعبية المشتركة والتي تُشكل حركة أنصار الله عصبها الأساسي. مما يعني توجه الساحة الداخلية اليمنية الى مرحلة جديدة تستطيع من خلالها القوى اليمنية فرض خياراتها شرط تحقيقها للاستقرار وتأمينها للوحدة الداخلية. وهو ما ستسعى قوى العدوان الى منعه.
ثانياً: ساهم انتهاء المؤامرة في فتح صفحة جديدة للدور الإقليمي اليمني بعد أن أدخلت اللجان المشتركة وحركة أنصار الله معادلات إقليمية في إدارتها للصراع عبر توجيهها لرسائل خارجية عدة تُدخل مصالح أطراف العدوان في مخاطر الحسابات والرهانات الخاطئة.
ثالثاً: فشل الرهان السعودي على إحداث تغيير في الساحة اليمنية بعد أن فشل رهانها مؤخراً في كل من العراق ولبنان. وهو ما تمثَّل بفشل طرح انفصال إقليم كردستان العراق، وفشل مُخطط توتير الساحة اللبنانية عبر استقالة الرئيس الحريري.
يبدو واضحاً أن الرئيس السابق على عبد الله صالح وقع في فخ تحالف العدوان وأخطأ في تقدير الموقف اليمني الداخلي والخارجي. لم يأبه للتغيرات التي لا تتعلق فقط بتعاظم قوة أنصار الله، بل بالواقع الجديد الذي رسَّخه العدوان على اليمن وما أنتجه ذلك من تكاتفٍ يمني داخلي ساهم في احتضان المقاومة اليمنية وجعلها قضية وجودية بالنسبة للشعب اليمني. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الحقيقة تتمثَّل في انقلاب الشعب اليمني على تاريخٍ من الخضوع للخيارات الإقليمية، والتي كان صالح جزءاً منها، مُعلناً فتح صفحة جديدة، سيُواجه فيها حتماً تحديات كبيرة سيكون أقلها القدرة على تأمين الاستقرار الداخلي وتعزيز الوحدة الوطنية. لكن الأمر الحتمي الذي تحقق، هو بداية مسيرة اليمن، نحو مستقبلٍ من العزة يُقرره الشعب اليمني.