المصدر الأول لاخبار اليمن

الهجرة المعاكسة… مقبرة لمشروع الدولة اليهودية

تحليلات/وكالة الصحافة اليمنية//

في مفارقة لافتة، وبينما يسعى الكيان الصهيوني حثيثاً لتهجير 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى صحراء سيناء المصرية، وتوفير أراضٍ جديدة للمستوطنين، يجد نفسه في مواجهة تحدٍّ داخلي خطير، يتمثل في تسارع وتيرة هجرة اليهود من الأراضي المحتلة.

حيث تتصاعد موجات الهجرة المعاكسة من الأراضي المحتلة، بالتزامن مع تنامي حالة السخط الشعبي في الشوارع ضد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، وحكومته اليمينية المتطرفة، وذلك في ظل انعدام أي بارقة أمل في تحقيق نصر في الحرب على غزة.

وفي هذا السياق، كشفت وسائل الإعلام الصهيونية عن حقيقة مذهلة، وهي أنه في أعقاب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، غادر مليون صهيوني الأراضي الفلسطينية المحتلة، عائدين إلى بلدانهم الأصلية، ولا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت نتائج استطلاع للرأي أجراه المركز الصهيوني “CJI”، قد أماطت اللثام عن حقائق مقلقة للكيان، من بينها أن 29% من الصهاينة المقيمين في الأراضي المحتلة، يفكرون جدياً في مغادرة فلسطين، بينما يشعر 71% منهم بالتشاؤم إزاء أوضاعهم المعيشية في الأشهر المقبلة، والأدهى من ذلك، أن 50% من الصهاينة إما تضرروا مباشرةً من عملية طوفان الأقصى، أو يعرفون شخصاً في محيطهم القريب تأثر بها.

وفي منحى لافت للنظر، كشف الاستطلاع أن 55% من المستجوبين الصهاينة، قد شاركوا في احتجاجات تضامنية مع الأسرى، مطالبين بتحريرهم، کما أزال الستار عن حالة من السخط العارم في الأوساط الصهيونية، حيث أبدى 84% منهم استياءهم الشديد من الأداء الدبلوماسي لتل أبيب، في حين اعتبر 69% أن تصاعد وتيرة مناهضة الصهيونية على الصعيد العالمي، يشكّل تهديداً يضاهي في خطورته التحديات العسكرية.

وفي تطور دراماتيكي، أفادت مكاتب السياحة في الكيان الصهيوني بنزوح جماعي لآلاف الصهاينة من فلسطين المحتلة، مدفوعين بهاجس اتساع دائرة الصراع بين حزب الله اللبناني والكيان الإسرائيلي، وأكدت هذه المكاتب أن جميع الرحلات المتاحة للخروج من الأراضي المحتلة قد استُنفدت، مع استحالة إدراج حجوزات إضافية.

وتتزامن هذه الهجرة العكسية مع سلسلة من الإخفاقات المدوية لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، على مدار الأشهر العشرة المنصرمة في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية والإقليمية، وعجزها التام عن توفير الأمن للمستوطنين.

وعلى الرغم من المغامرات الأخيرة في تصفية قادة المقاومة، يرزح الصهاينة منذ أسابيع تحت وطأة الخوف والهلع، توجساً من ضربات انتقامية محتملة من إيران وحزب الله، ما ألقى بظلاله المخيفة على نمط حياتهم اليومية، وقد تحول تساقط صواريخ المقاومة إلى هاجس ليلي يؤرق مضاجع المستوطنين، الذين باتوا مرغمين على قضاء شطر كبير من حياتهم في دهاليز الملاجئ.

لقد هاجر الصهاينة إلى الأراضي المحتلة على أمل الظفر بواحة أمن ورغد عيش، بيد أنهم وجدوا أنفسهم اليوم في خضم دوامة من الفوضى والاضطراب السياسي والاجتماعي، حتى غدا الرحيل في نظرهم أهون من البقاء في هذا المستنقع المضطرب.

تصدّع أركان الاقتصاد

ما لا شك فيه أن نزوح مليون مستوطن من الأراضي المحتلة يُعدّ رقماً مهولاً، إذا ما قورن بالتعداد السكاني للصهاينة البالغ سبعة ملايين نسمة، وهذا النزوح الجماعي من شأنه أن يلقي بظلال قاتمة على شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهذا الكيان.

تُلقي الهجرة المعاكسة بثقلها على محورين حيويين في الكيان الصهيوني: أولهما الشح المدقع في القوى العاملة بالقطاع الاقتصادي، وثانيهما القطاع العسكري الذي يعاني من عزوف متنامٍ عن الانخراط في صفوفه، لجملة من الأسباب المتشابكة.

لقد حرمت الحرب على غزة الكيان الصهيوني من الاستفادة من الأيدي العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين فاقمت الهجرة المعاكسة من أزمة الافتقار إلى القوى العاملة في شتى الأنشطة الصناعية والزراعية والخدمية.

کما أن استدعاء مئات الآلاف من قوات الاحتياط للزج بهم في أتون الحرب على غزة، قد ألقى بعبء باهظ على كاهل القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكلما استطال أمد الحرب، تفاقمت التكاليف وتضخمت بصورة مطردة.

وفي ظل هذه الظروف العصيبة، حيث تُحظر على قوات الاحتياط ممارسة الأنشطة الاقتصادية، فإن هجرة مليون صهيوني ستُثقل كاهل هذا الكيان بعبء إضافي لا يطاق، وسيفضي النقص الحاد في القوى العاملة إلى شلل شبه تام في عجلة الاقتصاد.

وفي خضم هذه الأزمة الخانقة في القوى العاملة، وجدت تل أبيب نفسها مضطرةً لسد الفجوة الناجمة عن غياب العمالة العربية والمستوطنين المنخرطين في الحرب، عبر استقدام أيدٍ عاملة من الهند وسريلانكا والصين، وستفضي الهجرة المعاكسة حتماً إلى اعتماد الكيان الصهيوني بشكل متزايد على العمالة الأجنبية، ما سيؤدي إلى استنزاف متسارع للعملة الصعبة بمعدلات غير مسبوقة.

من ناحية أخرى، سيؤدي نزوح المهاجرين إلى تفاقم هروب رؤوس الأموال من الكيان الصهيوني، فخلال العامين الماضيين، ومنذ تولي المتطرفين زمام السلطة، سحب المستثمرون الأجانب ما يربو على 80 مليار دولار من استثماراتهم في الأراضي المحتلة.

ومع استمرار حالة انعدام الأمن، من المتوقع أن يتسارع نزيف رؤوس الأموال بوتيرة أشدّ، ما سيضع تل أبيب تحت ضغط هائل، وخاصةً في ظل حاجتها الماسة لهذه الأموال لتغطية النفقات الباهظة للحرب.

لقد ألقت حرب غزة بأعباء مالية باهظة على كاهل الكيان الصهيوني، حيث تشير الإحصاءات إلى أن تكلفة هذه الحرب، قد تجاوزت حاجز الـ 100 مليار دولار، واستمرار هذا الوضع سيؤدي حتماً إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية بصورة غير مسبوقة، وفي هذا السياق، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش رايتنغز” الأسبوع الماضي، عن تراجع التصنيف الاقتصادي لهذا الكيان منذ بداية الحرب على غزة.

تآكل القدرات العسكرية

تُلقي ظاهرة الهجرة المعاكسة في القطاع العسكري بظلال قاتمة على مستقبل الكيان الصهيوني، مُشكِّلةً تهديداً وجودياً يفوق بمراحل ما واجهه سابقاً، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، إلا أن حدتها قد تصاعدت بشكل غير مسبوق في أعقاب الحرب على غزة.

وبغض النظر عن مسألة الهجرة، يجد الکيان نفسه في مأزق حقيقي فيما يتعلق بتعبئة القوى العسكرية اللازمة لمواصلة حربه على غزة، فمن جانب، تتصاعد أصوات الحركات اليسارية الرافضة لهذه الحرب، ومن جانب آخر، يُبدي الشباب الحريدي عزوفاً تاماً عن الانخراط في غمار المعارك، بل إن الأمر وصل إلى حد تهديد الحاخام الأكبر لليهود – قبل أشهر قليلة – بمغادرة الأراضي المحتلة جماعياً، في حال تنفيذ خطة الجيش لتجنيد الحريديين.

وتُلقي الدروس التاريخية بثقلها على المشهد الراهن، فكما أدى النصر الصهيوني في حرب 1967 إلى تدفق موجات الهجرة نحو الأراضي المحتلة، فإن الإخفاقات العسكرية – على غرار ما حدث في حرب أكتوبر 1973 – قد عجَّلت بوتيرة الهجرة العكسية بشكل ملحوظ.

وفي هذا السياق، يستحضر المرء مقولة الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز في كتابه “في أرض إسرائيل”، حيث يقول: “لتحفيز الهجرة إلى إسرائيل، لا بد من حدث جلل يوحِّد شتات اليهود، سواء كان ذلك نصراً عسكرياً مدوياً على غرار انتصار 1967، أو حدثاً مفصلياً يطال يهود الشتات”.

يرزح الكيان الصهيوني، في خضم الظروف الراهنة، تحت وطأة هزيمتين مدويتين على أرض غزة العصية، الأولى، نكسة استراتيجية فادحة نجمت عن المجازر الهمجية التي اقترفها بحق الأبرياء من أطفال ونساء وإعلاميين، ما أثار عاصفةً عاتيةً من السخط والاستنكار في أنحاء العالم، والثانية، إخفاق تكتيكي ذريع في مواجهة الضربات الموجعة التي تكيلها المقاومة الفلسطينية الباسلة يومياً، لجنود الاحتلال وآلياته العسكرية.

وما يُضاعف من هول المشهد، أن احتلال قطاع غزة برمته إبان نكسة 1967 لم يستغرق سوى ساعات معدودة، بينما اليوم، وبعد انقضاء ما يناهز العشرة أشهر، يقف جيش الاحتلال المدجج بأعتى الأسلحة وأحدثها، عاجزاً كل العجز عن إحراز أي تقدم يُذكر في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية، متكبداً خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد.

إن هاتين الهزيمتين المروعتين، الاستراتيجية والتكتيكية، تغذّيان ظاهرة النزوح العكسي، ما يقوّض أركان المشروع الصهيوني المزعوم بصورة غير مسبوقة، ويجمع الخبراء والمحللون، مستشهدين بالحالة المزرية للحكم وتفاقم الانقسامات الداخلية بين أقطاب الكيان الصهيوني، على أنه إذا استمر هذا الکيان على نهجه الراهن، فإن مصيره سيكون الزوال المحتوم، وعليه، فإن المشهد المرتقب هو تداعي أركان الكيان، وتسارع وتيرة الهجرة العكسية للمستوطنين الصهاينة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر : الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا