دور اليمن في طوفان الأقصى.. التأثيرات والمكاسب الاستراتيجية
دور اليمن في طوفان الأقصى.. التأثيرات والمكاسب الاستراتيجية
حلمي الكمالي/وكالة الصحافة اليمنية//
منذ الوهلة الأولى لمشاركته في ملحمة طوفان الأقصى، قلب اليمن طاولة الحرب والمخططات الأمريكية الإسرائيلية رأساً على عقب، بعد أن نجح في تغيير المعادلة العسكرية الإقليمية لصالح بندقية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ورجّح كفة وميزان دول وقوى محور المقاومة في مواجهتها المفتوحة مع محور الشر الصهيوني الغربي، وذلك عقب تمكنه من فرض حصاراً بحرياً شبه كاملاً على الملاحة الإسرائيلية والقوى الداعمة للكيان المجرم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبمسيرة عملياتيه نوعية وخمس مراحل عسكرية تصعيدية، بدأت من قيام المسيّرات اليمنية بقصف مدينة أم الرشراش المحتلة “إيلات” رداً على مجزرة الاحتلال في مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر 2023، ومن ثم الاستيلاء المباشر على سفينة “جلاكسي ليدر” الإسرائيلية من عمق البحر وجرها إلى السواحل اليمنية، ليبدأ مسلسل، الحصار اليمني على الملاحة الإسرائيلية في ثلاث بحار ومحيط على حدود ثلاث قارات بدءاً من البحرين الأحمر والعربي غرب آسیا إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح في أقصى أفريقيا وإلى البحر المتوسط جنوب أوروبا، انتهى بإغلاق ميناء إيلات بشكل كامل، قبل أن تنتقل القوات المسلحة اليمنية إلى تكثيف وتوسيع الضربات العسكرية في العمق الصهيوني والوصول إلى قلب “تل أبيب”، وذلك استجابةً لتطورات العدوان على غزة ومسار التصعيد على مستوى المنطقة.
وتلك مسارات مختلفة ومغايرة واستراتيجية، أتقن اليمن بفضل الله تعالى ورجاله المؤمنين المخلصين، من خلالها في إدارة شكل الصراع وتفاصيل المعركة التي يخوضها تحت راية طوفان الأقصى، على نحو فعّال وغير مسبوق؛ ما منح اليمن دوراً كبيراً في هذه المعركة كجبهة مؤثرة في عمليات الدعم والإسناد لغزة وعموم جبهات المقاومة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مراحله التصعيدية السابقة، حيث باشرت القوات المسلحة اليمنية أولاً باستهداف الاقتصاد الإسرائيلي من خلال فرض الحصار البحري على موانئ الاحتلال، قبل أن تتجه مؤخراً إلى فرض الحصار الجوي على سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودك الأهداف العسكرية للكيان.
وبفضل الله تعالى وعونه ونصره وتأييده، حققت الجبهة اليمنية المساندة لغزة طوال عام من العمليات العسكرية المستمرة بمختلف مساراتها ومراحلها التصعيدية وميادينها البحرية والجوية؛ إنجازات كبيرة ومتنوعة على كافة الأصعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، والتي صبت أولاً في صالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، وفي صالح دول وقوى وشعوب محور المقاومة بشكل عام، وهي إنجازات نوعية تجسدت من خلال حجم التأثيرات البالغة لهذه الجبهة على الداخل الإسرائيلي من جهة، وعلى النفوذ الأمريكي الغربي على مستوى المنطقة من جهة أخرى.
وفيما يلي، نحاول أن نستعرض أبرز هذه التأثيرات التي شكلتها الجبهة اليمنية المساندة لغزة، إضافة إلى أهم المكتسبات الرئيسية التي حققتها وباتت في جعبة اليمن وفلسطين، وجميع قوى ودول محور المقاومة وشعوب الأمة العربية والإسلامية، من جراء المشاركة العسكرية اليمنية في ملحمة طوفان الأقصى :
■ أولاً، ضرب مقدرات الاقتصاد الإسرائيلي
تمكن الحصار اليمني المفروض بالنار والحديد على الملاحة الإسرائيلية منذ قرابة عام، من إلحاق أضرار كبيرة وبالغة في اقتصاد الكيان الصهيوني، خاصةً بعد نجاح الحصار في إغلاق ميناء “إيلات”، والذي يعد أهم شرايين التجارة الحيوية للاحتلال، فقد أدى الحصار إلى عرقلة خطوط الإمداد الداعمة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني، وذلك بعد تأخُر وصول الشحنات سواء الغذائية أو العسكرية إلى الكيان، وارتفاع أسعار الشحن والنقل إلى عشرات الأضعاف، إضافة إلى تعطيل حركة التصدير من الداخل الإسرائيلي؛ ما تسبب بشلل شبه تام في السوق الإسرائيلية وفجّر أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة داخل المجتمع الصهيوني ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية منذ مشاركتها في معركة طوفان الأقصى دعماً لغزة في منتصف أكتوبر 2023 وحتى مطلع أكتوبر 2024، من اصطياد وإغراق نحو 199 سفينة إسرائيلية ومرتبطة بالاحتلال، بينها أمريكية وبريطانية وفرنسية، وذلك في عدة بحار ومحيطات أبرزها البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي؛ وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب والمعارك البحرية على الإطلاق، ناهيك عن عشرات العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في العمق الإسرائيلي واستهدفت أهداف حيوية للاحتلال، الأمر الذي يجعل الجبهة اليمنية المساندة لغزة، من أكثر الجبهات فتكاً وتأثيراً على الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد تضررت معظم القطاعات الحيوية والمؤسسات الاقتصادية في الكيان الصهيوني، لأضرار بالغة جراء الحصار اليمني، ومن بينها الموانئ البحرية والنفط والبورصة، كما ساهمت في ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي.. ويمكن تحديد حجم ونوع هذه الأضرار من خلال النقاط التالية :
1_ قطاع التجارة البحرية والموانئ
أدى الحصار اليمني إلى إغلاق ميناء “إيلات” بشكل كامل، وتعطيل التجارة الإسرائيلية القادمة من البحر الأحمر كلياً، فأسهم ذلك في رفع تكاليف الشحن مع استخدام طرق بديلة أطول، وهو ما أقرت به الأوساط الإسرائيلية الرسمية، وما صرح به أيضاً الرئيس التنفيذي لميناء إيلات “غدعون غولبر” الذي أكد على لسانه في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات الإسرائيلية، أن العمل في ميناء إيلات توقف كلياً لعجز السفن عن الوصول إلى الميناء بسبب الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، وأنه تم تسريح العمال بعد عجز إدارة الميناء عن دفع مرتباتهم، مشيراً إلى
أن حجم خسائر الميناء بلغ 50 مليون شيكل (14 مليون دولار)، وهي قابلة للزيادة إذا استمر الحصار.
وبعد إغلاق ميناء إيلات، انتقلت القوات المسلحة اليمنية لحصار كافة الموانئ الإسرائيلية، واستهداف كل سفن الشركات المتعاونة مع موانئ الاحتلال في أي مكان كانت، الأمر الذي أدى إلى خسائر باهظة في موانئ الاحتلال الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، وعلى رأسها ميناء أسدود الذي فقد أكثر من 63 % من أرباحه بعد انخفاض حركة الملاحة من وإلى الميناء خوفاً من الاستهداف اليمني.
2_ لقد ساهم الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، في استهداف قطاع الاستثمار في الداخل الإسرائيلي، وذلك نتيجة تأخر وصول البضائع وارتفاع أسعار الشحن والنقل بشكل كبير، ما أثر على القدرة الشرائية، خاصةً مع انهيار الوضع الأمني جراء الحرب المستمرة في غزة وتهديدات الجبهة اللبنانية، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في إغلاق نحو 46 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 60 ألف شركة بحلول نهاية العام الجاري.
ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن قطاع الشركات الناشئة في الداخل الإسرائيلي، يعد القطاع الثاني الذي تضرر من تداعيات الحرب القائمة بعد هروب ما يعادل 44% من إجمالي الشركات الناشئة من الكيان الصهيوني.
3 _ التأثير على الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان الصهيوني
لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي خلفها الحصار اليمني في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب تداعيات حرب غزة، وتأثيرات جبهة لبنان على نزوح المستوطنين من المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة؛ تربك حسابات الاحتلال الإسرائيلي وجميع داعمي استمرار العدوان على غزة، وتشكل ضغطاً كبيراً على حكومة الاحتلال، خاصةً في ظل تصاعد حالة الغليان والسخط أوساط المستوطنين، جراء الأزمات والتحديات الاقتصادية والأمنية التي يعيشونها، وبدء انتشار حالة فقدان الثقة بحكومة الاحتلال، وبدولة “إسرائيل” بشكل عام.
وهذا ما يمكن ملاحظته، من خلال تزايد نسبة الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان، في المقابل انخفاض كبير في نسبة المهاجرين إلى “إسرائيل”، وذلك خلال الأشهر الماضية التي لحقت بطوفان الأقصى وتداعياتها الإقليمية المصاحبة لها من خلال تأثيرات جبهات الدعم والإسناد وعلى رأسها اليمن ولبنان والعراق.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “زمان الإسرائيلية” مطلع العام الجاري، استناداً لمعلومات صادرة عن هيئة السكان والهجرة
في حكومة الاحتلال، فإن “470 ألف إسرائيلي هاجروا بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، وليس معلوما ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب”.
من جانبها، كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن نصف مليون مستوطن إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال، ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة. كما كشفت الأرقام التي ينشرها الإعلام الصهيوني والغربي، أن عدد المهاجرين اليهود إلى الكيان قد انخفض مع الشهر الأول بعد أكتوبر 2023، بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر 2023.
■ ثانياً، تداعيات العمليات اليمنية على اقتصاد القوى الغربية الداعمة لاستمرار العدوان الصهيوني على غزة
لم تقتصر تأثيرات الحصار البحري اليمني على الاقتصاد الإسرائيلي فقط، بل وصلت هذه التأثيرات بشكل مباشر إلى عمق اقتصادات كبرى الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، وهذا حدث نتيجة لسببين رئيسيين، هما :
-
السبب الأول يتعلق بتأثير الحصار اليمني على الشركات الأوروبية والأمريكية المرتبطة بموانئ الاحتلال، وعلى رأسها كبرى شركات الشحن الأجنبية التي فقدت العميل الإسرائيلي بعد امتناعها عن تحميل بضائعه من وإلى موانئ الاحتلال، وذلك خوفاً من الاستهداف اليمني.
-
السبب الثاني، توسيع اليمن حصاره على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب والمحيط الهندي، ليشمل الملاحة الأمريكية والبريطانية وبعض الدول الأوروبية، وذلك بعد انخراطها في التحالف الأمريكي الذي يشن عدواناً عسكرياً على اليمن منذ يناير 2024، رداً على العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة.