تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
أثار قرار وزارة المالية المصرية فرض غرامات تأخير على المتخلفين عن سداد الضريبة العقارية ابتداءً من يوم الخمس المقبل، حالة من الجدل داخل الشارع المصري، ما بين مؤيد لهذه الخطوة كونها أحد أبرز مصادر إنعاش خزينة الدولة التي تعاني من عجز خلال السنوات الأخيرة ومن يراها استمرارًا لسياسة تفريغ جيوب المصريين من محتواها وإضافة المزيد من الضغوط والأعباء على كاهل المواطنين.
الضريبة العقارية – وهي نسبة من القيمة الإيجارية للعقار – ليست وليدة اليوم كما يتوقع البعض، فتاريخ العمل بها يعود إلى عام 1954 بموجب القانون رقم 56 الذي ظل ساريًا حتى صدور القانون الجديد الذي تم إقراره مؤخرًا وأثار هذا اللغط، فالمصريون قديمًا كانوا يدفعون هذه الضريبة تحت مسمى “العوايد”، وهو في الأصل الضريبة على العقارات المبنية.
مصادر حكومية أشارت إلى صدور قرار من البنك المركزي يقضي بالحجز على الودائع البنكية لكل من يمتنع عن تسديد الضريبة العقارية المستحقة عليه، ما أثار تخوفات الكثير من المودعين ودفعهم لسحب ودائعهم من بعض البنوك، وهو ما أجبر البنك على التراجع عن هذا القرار من خلال مستند رسمي تم إرساله لجميع المؤسسات البنكية، حسبما نشرت “العربي الجديد”.
قرار الحجز على ودائع الممتنعين أو المتأخرين عن سداد الضريبة وإن تراجعت عنه الحكومة المصرية إلا أن له وقع سيء بين أوساط المستثمرين، وهو الأمر الذي تسبب في تهديد عدد منهم بسحب أرصدتهم البنكية وتحويلها خارج مصر حال تطبيق هذا القرار، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة لكسب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتعويض نسب العجز المرتفعة.
المستثمرون يهددون
اثنان من كبار المستثمرين المصريين كانا قد بدآ بالفعل في تحريك ودائع لهم في بنك حكومي فور علمهم بصدور القرار، قبل أن ينضم إليهم مجموعة أخرى أبلغت جهات مصرية سيادية أنهم سيسيرون على نفس النهج حال لم يتم إلغاء القرار، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر خاصة بها.
المصادر كشفت عن مخطط بعض رجال الأعمال لسحب أو تحريك ودائعهم من البنوك والاحتفاظ بها أو نقلها للخارج، وعلى الفور عقد رئيس الحكومة اجتماعًا طارئًا مع وزير المالية ومدير جهاز المخابرات العامة ومحافظ البنك المركزي أسفر عن التراجع عن القرار وإصدار بيان رسمي من مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء بنفي أي مصادرة أو تجميد للودائع البنكية للأشخاص المتقاعسين عن تسديد الضرائب العقارية المقررة على الوحدات السكنية المملوكة لهم.
وزارة المالية نفت عبر موقعها الإلكتروني ما تردد بشأن الحجز على ودائع المتأخرين عن السداد، قائلة في بيان لها: “ما يثار في هذا الشأن مجرد شائعات تهدف إلى دحض ما تقوم به الوزارة من جهود حثيثة لتيسير تحصيل الضريبة من الممولين، خصوصًا في ظل حرص المواطنين المتزايد خلال الأيام الماضية على تقديم الإقرار ودفع الضريبة”.
وفي السياق ذاته أصدرت الوزارة قرارًا يقضي بمدّ المهلة المخصصة لتحصيل الضريبة العقارية دون غرامة تأخير بجميع مناطق الضرائب العقارية ومأمورياتها لمدة شهرين حتى 15 من أكتوبر/تشرين الأول 2018، مؤكدة أن الهدف هو التسهيل على مموّلي الضريبة وتلافيًا للزحام في المأموريات، موضحة أن هذا المد في مهلة دفع الضريبة هو المهلة الأخيرة بعد أن كان من المقرر انتهاء فترة تحصيل الضريبة في 15 من أغسطس/آب الحاليّ.
قانون مثير للجدل
العديد من علامات الاستفهام أثارتها التعديلات المدرجة على قانون الضريبة العقارية الجديد، لخصها خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل في مقاله المنشور في جريدة “الشروق” المصرية أمس الإثنين، في ثلاثة محاور تتعلق جميعها بضرورة وجود خطوات تمهيدية تسبق فرض الضريبة وإلا فشلت في تحقيق أغراضها.
المحور الأول: غياب فلسفة فرض الضريبة.. حيث أشار إلى أن فرض الضرائب على عمومها تبرره حكمة التمثيل النيابي، فالقاعدة الدستورية الأشهر عالميًا هي: “ألا ضرائب بغير تمثيل”، قياسًا على ذلك فلكل نوع من الضرائب فلسفته الخاصة، وهي بالنسبة للضريبة العقارية ما يتعين على الممول تحمله من أعباء نتيجة انتفاعه بمرافق الدولة، التي تحسن من قيمة عقاره الإيجارية والرأسمالية السوقية (وهما طريقتان لتقدير الوعاء الضريبي لهذا النوع من الضرائب بخلاف طريقة المساحة).
هناك إذًا ارتباط وثيق بين الضرائب العقارية المقرر فرضها بحكم القانون 196 لسنة 2008 ومقابل التحسين وإتاوات تعديل النشاط التي تحصل عليها المحافظات (وهي بمثابة حكومات لا مركزية) تطبيقًا للقانون 222 لسنة 1955 دون الدخول في مدى صحة هذا التطبيق.
المحور الثاني: عدم تحقيق العدالة الضريبية.. لافتًا إلى أن عبء هذا النوع من الضرائب كثيرًا ما يقع بنسبة أكبر على فئة الممولين الأقل ثراءً، والدليل أن بيت الأسرة المستقل غالبًا ما يقدر بأقل من قيمته السوقية كوعاء للضريبة، في الوقت الذي يرتفع فيه تقدير العمارات السكنية متعددة الأسر، وكذلك تعفى في مختلف الدول العقارات التي تستخدمها الحكومة على الرغم من أنها أكثر انتفاعًا بمرافق الدولة من العقارات السكنية، وأيضًا تتعرض العقارات المستغلة لأغراض تجارية وصناعية لضريبة أكبر على الرغم من أن الاستخدام السكني للمرافق العامة يكون أكثر كثافة.
المحور الثالث: عدم تحقيق الاطمئنان.. إذ إن فرض الضرائب يقتضي تحقيق الاطمئنان لدى الممولين في عدالة تقدير وتحصيل الضريبة، عبر توافر سجل عيني موثوق به، وقواعد بيانات شديدة التفصيل والدقة، ووضع آليات ومعادلات شفافة لتقدير وعاء الضريبة (التجربة الإنجليزية تقدر القيمة السوقية للأصول العقارية عبر 8 نطاقات bands يمثل كل نطاق شريحة للحد من التفاوت والتقديرات التحكمية).. هذه المتطلبات وغيرها نادرًا ما تتوافر لدى غالبية الدول النامية!
واختتم أستاذ التمويل مقاله بأنه على المستوى المحلي اللامركزي ساهمت الضرائب العقارية خلال عقد التسعينيات بنحو 40% من إجمالي حصيلة الضرائب “المحلية” في الدول النامية وبنحو 35% من تلك الحصيلة في الدول المتقدمة (صعودًا من 30% في عقود سابقة).
770 مليار جنيه ضرائب
اعتمدت الحكومات المصرية المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة على جيب المواطن كمورد أساسي للدخول، سواء كان ذلك عن طريق فرض المزيد من الضرائب المتلاحقة التي باتت تمثل وردًا يوميًا لدى المصريين أم عبر منفذ تقليل الدعم المقدم وتوفير المخصص له.
مشروع موازنة العام المالي الجديد 2018 الذي حل في الأول من يوليو/تموز الماضي، كشف مخطط الدولة نحو زيادة الإيرادات بشتى السبل، معظمها كان من استهلاك المواطنين، وتشير البيانات إلى استهداف زيادة إيرادات ضريبة القيمة المضافة (أقرتها الدولة في نهاية 2016 بنسبة 13% ثم زادت في 2017 إلى 14%) بقيمة 70 مليار جنيه (3.9 مليارات دولار)، لتصل قيمتها إلى نحو 320 مليار جنيه (17.9 مليار دولار)، وهو ما يقرب من نصف إجمالي الإيرادات الضريبية المستهدفة لهذا العام.
كما تبلغ إجمالي الإيرادات الضريبية المستهدفة للعام المالي الحالي، قرابة 770.2 مليار جنيه، بزيادة 166.3 مليار عن العام المالي 2017، لتشكل نحو 78% من موارد الموازنة الجديدة، هذا بخلاف ما تتوقعه الحكومة من زيادة عائدات ضريبة القيمة المضافة بنحو 28% عن المقدر للعام المالي الماضي والبالغ نحو 250 مليار جنيه.
أما عن ضريبة الدخل فتستهدف الحكومة في موازنتها تحصيل 253.1 مليار جنيه (14.1 مليار دولار)، منها 49.9 مليار جنيه ضريبة على المرتبات من الموظفين في الحكومة، مقابل 37.3 مليار خلال العام المالي الحاليّ، فيما سيتم تحصيل 31.8 مليار جنيه ضريبة على دخول الأفراد من المهنيين والنشاط التجاري والصناعي.
الأمر لم يتوقف عند موظفي الحكومة وفقط، إذ رفعت المالية المستهدف من الضريبة على المهن الحرة إلى 2.6 مليار جنيه للمرة الأولى، مقابل 1.7 مليار جنيه للعام المالي الماضي ونحو 809 مليون جنيه العام المالي 2016. وتستهدف كذلك زيادة حصيلة الضريبة على العقارات بنسبة 55% إلى 5.2 مليار جنيه.
هذا بخلاف حزمة من رسوم بعض الخدمات التي تم زيادتها مؤخرًا على رأسها خدمات الهاتف المحمول وإقامة الأجانب وإصدار جوازات السفر وتراخيص السلاح، وهناك نية أيضًا لفرض رسوم كفاءة طاقة خلال العام المالي المقبل، من أجل تحصيل 168.9 مليون جنيه.
88 مليار دولار ديون خارجية
أظهرت بيانات البنك المركزي، ارتفاع الدين الخارجي بنحو 5.3 مليار دولار، خلال الفترة من يناير إلى مارس الماضيين، إذ بلغ إجمالي الدين الخارجي نحو 88.1 مليار دولار، في نهاية مارس الماضي، مقابل 82.2 مليار دولار، في نهاية ديسمبر الماضي.
وارتفعت نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي إلى 36.8% في نهاية مارس الماضي مقابل 36.1% في نهاية ديسمبر الماضي، فيما أشار وزير المالية، عمرو الجارحي، إلى ارتفاع فوائد الديون في موازنة العام المالي الحاليّ إلى 540 مليار جنيه، مقارنة بـ438 مليار جنيه خلال العام المالي المنقضي، وبهذا ستشكل أعباء الديون نحو 35% من حجم موازنة (2019/2018) البالغ نحو تريليون و412 مليار جنيه، وأكثر من نصف الإيرادات المتوقعة البالغة 989 مليار جنيه.
وتسعى الحكومة إلى سد هذا العجز الواضح من خلال فرض حزمة الضرائب، سخرت لأجلها أذرعها كافة، الإعلامية والسياسية، حتى والدينية، وصلت إلى الإفتاء بأن المتهرب من سداد الضرائب آثم شرعًا كما جاء على لسان وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، في الوقت الذي أكد فيه علماء آخرون عدم جواز هذه الضريبة وأنها منافية للشرع تمامًا كما جاء على لسان بعض أساتذة الأزهر ومنهم الدكتور مبروك عطية أستاذ الفقه.
المصدر: Noonpost