لشبونة(وكالات)- لم تذكر معظم المراجع التي ترجمت له عن مكان ميلاده سوى أنه وُلِد في إيطاليا، وأنه غادر مدينة البندقية في سنة (٩٠٨هـ١٥٠٣م) – تحت رعاية ملك البرتغال- متوجّهًا إلى الإسكندرية، ثم زار القاهرة وبيروت وطرابلس وأنطاكية ودمشق، وصولًا إلى توثيق زيارته للأراضي المقدسة كأول أوروبي يزور مكة ويسجل انطباعاته عنها.
إنه لودفيكو فارتيما (أو الحاج يونس كما سمّى نفسه) الذي اجتمع في دمشق بقبطانٍ مملوكي، وصمّم على زيارة مكة بعدها بصفته “مملوكًا مسلمًا”، وليتمَّ له ذلك بَذل كثيرًا من الهدايا والرشاوى وأن يتدبّر أمر جوادٍ جيّدٍ وكساء.
وفي 13 شوال من العام ذاته (11 أبريل) غادر فارتيما دمشق بصفته واحدًا من 60 مملوكًا خُصّص لهم مكان في قافلة كبيرة يقال إن قِوامها ٤٠ ألف رجلٍ، و٣٥ ألف جمل.
استغرقتْ الرحلة إلى مكة 40 يومًا، وتوقفت أيامًا في المدينة المنورة، ليصل “المملوك المسلم” مكة في 20 من ذي القعدة (18 مايو) مسجلًا أنها “مدينة رائعة الجمال أُحسن بناؤها”، مشيرًا إلى أنه “لم ير قط من قبل مثل هذه الوفرة والارتياد الهائل للناس”.
كان الماء – يقول الحاج يونس – أهم من أي شيء آخر في مكة، ولم يكن متوفّرًا آنذاك.
وعن الكعبة يقول: “كان المعبد (يقصد الكعبة) وسط المدينة أشبه ما يكون بتمثال كولوساس (Colossus) رودوس الضخم في روما، وبحلبة مسرح روماني، ليس من المرمر أو الحجر السوري، بل من القرميد المحروق. عند المدخل تلألأت الجدران المطلية بالذهب على كلا الجانبين بروعة لا مثيل لها تحت الأماكن المقنطرة، كانت الكعبة أشبه ببرج وسط الساحة ملفوف بقماش سميك مطرّز بالحرير، إنهم يدخلون داخل الكعبة من باب فضّي، وعلى كل جانبٍ أحيط بأوعية مفعمة بالروائح العطرة”.
وسجل الحاج يونس مرئياته عن بئر زمزم، قائلًا: “عند هذه البئر يقف ستة رجال أو ثمانية لسحب المياه للناس. وعندما ينتهي الناس من الطواف سبعة أشواط حول الكعبة يأتون هذه البئر يولونها ظهورهم، ويقوم أولئك الذين يسحبون الماء من البئر بصب ثلاثة جرادل على كل شخص من الحجاج من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، فيستحمّ الجميع بهذه الطريقة حتى الذين كانت ثيابهم من الحرير”.
وفي وصف الحَمَام في مكة، قال: “وجدنا في طريق مكة 15 ألفا أو 20 ألف حمامة، ويطير الحمام في كل أنحاء مكة بين سعادة الجميع. ففي الحوانيت يبيعون الحبوب والذرة الرفيعة والأرز وسائر الخضروات.
وأصحاب هذه الحوانيت لا يملكون قتل هذه الحمائم أو ذبحها أو الإمساك بها، ويجب أن تعلم أن هذا الحمام يُلحق تلفًا كبيرًا داخل المسجد الحرام”.
مكثت قافلة دمشق عشرين يومًا في مكة لفسح المجال لأداء شعائر الحج، ومن الغرائب التي ذكرها الحاج يونس أن قائد القافلة أصدر حكمًا بالإعدام على كل من رفض العودة إلى سوريا خلال هذه الأيام العشرين.
لم يكن في نية الحاج يونس العودة مع القافلة التي أتت به، فقرر الاختباء في بيت أحد أصدقائه المماليك، وساعدته زوجة ذلك الرجل على السفر إلى فارس من جدة.
كان “فارتيما” في كل رحلته متظاهرًا بالإسلام، يبطن غيره، وقد عدّه الكثيرون جاسوسًا، وهو ما أشار إليه في حديثه عن شكوك الناس حوله، حتى إنه اضطرّ إلى شتم ملك البرتغال حتى يسلم من شكّ أحد الذين قابلهم ممن يتحدثون الإيطالية في جدة.
فرّ إلى عدن في طريقه لفارس، ومنها ولّى مدبرًا من الجزيرة العربية، وارتحل بعدها إلى فارس والهند والحبشة ودار حول رأس الرجاء الصالح، وعاد سالمًا إلى روما.