تحليل/د.ميخائيل عوض/ وكالة الصحافة اليمنية//
في كل شرٍّ خير.
وقعت المذبحة في الساحل، وانكشفت الحقائق، فالجولاني وهيئة تحرير الشام، المصنفة عالميًا كمنظمة إرهابية، لم تنجح عمليات تجميلها ولا محاولات تقديمها كمدنية وعصرية من مركز الكون: سوريا.
ثمنٌ باهظ لا شك دفعته سوريا وناسها الطيبون والمسالمون، ومن بنيتها وقدراتها.
إنها آلام المخاض؟
مئة يوم كانت كافية لاختبار الجولاني وتحرير الشام،
فانجلت عن حقائق قاطعة: فمن شبّ على الإرهاب شاب عليه.
سوريا تتمخض، ومنذ ولادتها كانت ولّادة، ولا تقبل الضيم أو الاغتصاب.
حيويةٌ جدًا، ففي الخمسينيات تمخضت كثيرًا في الديمقراطية وفي الانقلابات، وبعضها لم يحكم سوى أسابيع أو أشهر.
حيويةٌ ترفض من لا يطابقها ولا يكون أمينًا على طبائعها وقيمها.
سوريا، بتشكيلاتها المجتمعية وتنوعها الخلّاق، أصابها الذهول والجوع، فانكفأت تنشد الخلاص ولو من “الحاج شيطان”.
لكن سرعان ما اكتشفت أنها انتقلت “من تحت الدلفة إلى تحت المزراب”!
الاتفاق مع “قسد” أسقطه الإعلان الدستوري، وكذلك بدّد فرص الاتفاق مع السويداء.
الساحل مرتعب ورافض،
والجنوب والشرق محتلٌّ أو متمرد،
في حين أن الشام والمدن تتأهب وتستعد للانتفاض واستعادة روح سوريا وقيمها.
البيئة العربية والإسلامية تتحول، من الفرح بسقوط النظام والاحتفالات بالقادم الجديد، إلى الحذر والتوجس، وكعادتها تنتظر الأوامر والإملاءات الأمريكية/الروسية.
بوتين وترامب يحضّران الظروف والقرارات بانتظار اللحظة الحاسمة، وأول الأدلة البيان الرئاسي لمجلس الأمن بالإجماع، وبلغة قاطعة جازمة.
تركيا وقطر والإخوان المسلمون، أصحاب العهد الجديد، في حالة تحسّب ورُهاب وانتظار “منشار ماسك”!
فترامب لا يسامح، وقد غرّد عن قطر وتمويلها السخي للإرهاب، وأعاد ماسك نشر تغريده لترامب: “الأسد أفضل من الإرهاب”!
أردوغان، الذي كان متسرعًا للصلاة مع الجولاني في الجامع الأموي، بات يدرس فكرة زيارة سوريا، فكل التطورات تعاكس حلمه العثماني البائد.
وزير خارجية أمريكا، ونائب الرئيس، والكونغرس، في عمل دؤوب، وتصريحات تدين الإرهاب، وتؤشر إلى تسريع الإجراءات لعزل الجولاني ومعاقبة الجناة وداعميهم.
ترامب أعلن الحرب على أذناب لوبي العولمة والحروب وقنّاصو الفرص، وقد استعجلوا ترتيب الأوضاع في سوريا ولبنان قبل وصوله إلى البيت الأبيض.
حسابهم آتٍ لا محالة.
أوروبا وآسيا والقارات تراقب وتدين المجازر، وتخشى انتشار الإرهاب من سوريا وعبرها، بعدما حوّلها الجولاني إلى منصة لتجميع الإرهابيين من اتجاهات الأرض الأربعة.
كل المعطيات الملموسة تؤكد اتجاهًا واحدًا لمسارات أحداث سوريا ومستقبلها القريب:
هذا الزرع وقع في بيئة لا تقبله، فإما يموت أو يرحل؟
التقسيم لا أمل للحالمين به، وكذلك الفوضى، فالعالم الجديد الجاري ولادته محمولٌ على جناحي ترامب وبوتين، وكلاهما ضد التقسيم والفوضى ومع حماية الأقليات والتنوع.
نتنياهو، وأردوغان، وصيصان العولمة، جادّون في سعيهم للتقسيم أو الفوضى، لكنهم تحت منشار ماسك، وعند تشغيله لن تفيدهم الهُوَبرات، ولا استعراضات القوة، ولا البهلوانيات الصوتية.
زمن التغيير قد دنا،
وسوريا تحمّلت ودَفَعت الأثمان، لتولد جديدة وتقود.
هذه أيضًا رمية الله!
رمية الله، وحاجات الأزمنة والجغرافيا، استدعت سوريا لدور قيادي في إعادة هيكلتها والمساهمة النوعية في هيكلة العرب والإقليم، نظمًا وجغرافيا.
لكن النظام تأخر في تأهيل سوريا لهذه المهمة، بسبب تقادم أدواته، وتكلس عقله، وتجاهله وعدم ١وعي الجاري.
رغم أننا كتبنا وقلنا وألححنا منذ سنوات ونبّهنا،
فالفرص لا تدوم،
والظرف وحاجاته قوة ساحقة لمن يخالفه أو لا يفهمه.
إن لله في خلقه شؤون،
والحاجات المادية عندما تدنو ساعتها، لا ترحم وتدهس.
سوريا، عمود السماء، يهتز ولا يقع…
قلناها وآمَنّا بها، ونقولها ونكررها بلا تردد.
فقد أوصى بها الرسول، وشهدت لها التواريخ والأزمنة.
تتوعك ولا تموت،
إنها حقائق التاريخ وشأن الله في خلقه.
الأرجح أن مساراتها المستقبلية، القريبة زمنيًا، ستعيد تجربتها في خمسينيات القرن المنصرم، ليس كما حدثت، بل في المسارات: فستختبر القوى والخطط والانقلابات والتغيرات حتى تستقر على جديدها.
وجديدها القابل للحياة: أن تعود شابة، وتقود كمنصة فعل وعصرنة للعرب والإقليم؛ موحدة وتوحيدية، علمانية مؤمنة، ديمقراطية واجتماعية كطبيعتها الدائمة، فاعلة ومتوهجة لتقود بعد تضحياتها الجسام.
كاتب ومحلل سياسي لبناني