ايلا… قصة رضيع أخر يخرج من بين ركام الموت في غزة
بعد أن قتلت عائلتها.. قوات الاحتلال تترك رضيعة تحت الأنقاض تصارع الموت وحيدة
عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
في صباحٍ مثقلٍ برائحة البارود والدمار شمال غزة، وبينما كانت أيدي رجال الدفاع المدني تنبش بصمتٍ مثقل ركام مبنى سكني مدمر في منطقة عبسان شرق خان يونس، تناهى إلى مسامعهم صوتٌ بكاء خافت.. بكاءٌ متقطع لطفلة، يأتي من تحت الأنقاض.
5 ساعات من البحث والحفر، لم يقطعها إلا أملٌ صغيرٌ بأن هناك من لا يزال على قيد الحياة.. وفجأة، ارتفعت أصوات المسعفين، “هنا.. هنا!”، فارتجف المكان.. ومن بين الردم، خرجت رضيعة، عمرها 25 يوماً فقط، مغبرة الوجه، مغطاة بالحجارة، لكنها حيّة، تئن بين الحجارة والغبار.
إيلا.. الاسم الذي صار قصة
ليست إيلا مجرد اسم على قائمة الناجين، بل قصة ستُروى طويلًا.. قصة الطفلة التي صرخت من تحت الركام، والتي فقدت كل شيء قبل أن تُدرك حتى معنى الكلمات.
في عالمٍ تُقاس فيه المآسي بالأرقام، تذكّرنا إيلا أن لكل رقم وجهًا، واسمًا، وصرخةً كادت تُدفن حيّة.
إيلا هي الطفولة التي خرجت من رحم الموت، لتقول: “أنا هنا… وحدي.”
الطفلة، التي سُمّيت “إيلا أسامة أبو دقة”، وُلدت خلال فترة وقف إطلاق النار الهش في غزة.. وقف إطلاق النار الذي لم يدم طويلًا، لم يستطع أن يحميها، ولا أن يحمي والدها أسامة، ولا والدتها مروة، ولا شقيقها الصغير عمر.
تلك الرضيعة، وجدت نفسها فجأة يتيمة، بلا من يُلبّي بكاءها أو يحملها في منتصف الليل.. مستقبلها لا يزال مجهولًا، لكنها أصبحت رمزًا لطفولة غزة الممزقة، شاهدة صغيرة على جريمة كبيرة.
إيلا.. وحيده في عالم بلا حضن
قبل لحظات من الغارة، كانت إيلا تنام في حضن أمها مروة، وتتنفس دفء والدها أسامة، ويلهو إلى جوارها شقيقها عمر.. لكن صاروخًا إسرائيليًا أنهى كل شيء في لحظة، وتركها وحدها، تصارع الحياة تحت الركام.
كانت الرضيعة “إيلا” نائمة في حضن أمها تضحكها ملائكة الرحمن في حلمها الوردي، سعادتها لم تدم طويلاً حين سقط شيطان رجوم من السماء يدعى الصاروخ، فأيقظها على عالم لا يشبه الأمان، ولا يعرف الحنان.
في الغارة ذاتها، استُشهد والد إيلا، أسامة أبو دقة، ووالدتها مروة، وشقيقها عمر.. صمتٌ ثقيل خيّم على المكان، ولم يقطعه سوى بكاء طفلة لم تفهم بعد معنى الفقدان والحرمان.
في لحظة واحدة، تحولت إيلا من رضيعة تنام في دفء حضن أمها، إلى ناجية وحيدة في عالم بلا عائلة، بلا مأوى، بلا حليب أو أمان.. الطفلة التي بالكاد فتحت عينيها على الحياة، وجدت نفسها وسط صمت الركام وصدى الفاجعة.
طفلة تنادي الحياة من بين الموت
في صباح يوم الخميس 20 مارس، وسط ركام مبنى سكنيّ سُوّي بالأرض، سمع رجال الإنقاذ صوتًا خافتًا، أشبه ببكاءٍ يأتي ويذهب… كان ذلك أول خيطٍ في حكاية رضيعة صمدت 5 ساعات تحت الأنقاض.
كان بكاء إيلا متقطعًا: “كانت تصرخ ثم تصمت وكأنها تنادي من تبقّى على قيد الحياة ليسمعها “، هكذا وصف أحد المسعفين لحظات انتشالها.. “كأنها تستجمع ما بقي من أنفاسها في صراع البقاء على قيد الحياة، لتُذكّر العالم بأنها هنا، وأنها نجت وحدها”.
البكاء دلّهم إلى إيلا، رضيعة لم تُكمل شهرها الأول، كانت محشورة بين الحجارة، يعلوها الغبار والحطام، لكنها لا تزال تتنفس.
“كانت تصرخ ثم تسكت.. كأنها تنتظر من يخرجها”، قال أحد المسعفين الذين شاركوا في إنقاذها.. تلك الصرخة الصغيرة أنقذتها، لكنها جاءت متأخرة على عائلتها.
إيلا.. رحلة إلى عالم القسوة
خرجت إيلا من الأنقاض، لكنها خرجت إلى عالم قاسٍ، بلا أم أو أب، بلا شقيق يربّت على كتفها، بلا بيت يأويها.. بقيت في رعاية جدّتها المسنّة، التي بالكاد تقوى على العناية بنفسها.
الغارة.. لم تبقَ للرضيعة إيلا سوى جدتها المسنة، التي تعاني من ظروف صحية صعبة، التي لا تملك من أمرها شيئًا، ولا تعرف كيف ستوفر الحليب أو الدفء لطفلة لم تعرف بعد نطق كلمة “أمي”.
الغارة “الإسرائيلية” لم تكتفِ بقتل عائلة أبو دقة، بل محَت عائلة أخرى كاملة كانت تقيم في المبنى ذاته – أبًا وسبعة من أبنائه.
لم تترك الغارة في هذا المكان إلا الركام، والرماد، ورضيعة تبحث عن من يحملها.. مشهدٌ دمويٌ آخر يتكرّر في سجل العدوان الإسرائيلي على غزة.
الطفلة التي لم تكمل شهرها الأول في الحياة، فقدت كل شيء، لكنها بقيت.. لتقول لنا إن في غزة، يولد الأطفال على حافة الموت، ويعيشون دون أن يُمنحوا فرصة الطفولة.
أرقام ترثي الواقع
يُحيي الفلسطينيون في 5 أكتوبر من كل عام، يوم الطفل الفلسطيني، غير أن أطفاله هذا العام يحيونه وسط ركام البيوت، وأصوات الطائرات، ومقابر جماعية تضم آباءهم.