قبل حوالي ثماني سنوات قال الشاعر المصري هشام الجخ في برنامج استضافته الإمارات حينها “شاعر المليون” مخاطباً المسؤولين العرب في قصيدة حملت عنوان “التأشيرة”: (تشتتنا على يدكم وكل الناس تتكتل…سئمنا من تشتتنا وكل الناس تتكتل …ملأتم فكرنا كذباً وتزويراً وتأليفاً…أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا).
هذا الوجع قديم وليس طارئاً ولكن مع دخول الألفية الثالثة وخاصة بعد انتهاء العقد الأول منها، بدأت العلاقات العربية – العربية تتأزم وساهم في ذلك انتشار ما يسمى “الربيع العربي” الذي كشف الستار عن النوايا الكامنة لدى كل دولة تجاه الأخرى، وربما اختلاف المصالح والايديولوجيات يدفع بهذا الاتجاه ولكن هل من المعقول أن تتحالف بعض الدول مع “إسرائيل” لاختراق دولة عربية أمنياً أو عسكرياً أو سيبيرياً، مؤلم جداً أن نرى من ربّونا على أن “إسرائيل” عدو غاصب ومحتل يتعاونون معها اليوم لغايات غير مبررة أصلاً، حدث ذلك في حرب لبنان 2006 واتضح في “نقل السفارة” واليوم تخرج للعلن فضيحة جديدة عن تورط الإمارات بالتجسس على قطر وزعمائها وبعض الزعماء السعوديين.
ابن زايد لا يريد الحل للخلاف مع قطر ويبحث عن تعميق هذا الخلاف من خلال الدفع بولي العهد السعودي للضغط على قطر قدر المستطاع، وإعادة طرح مشروع “قناة سلوى” وعزل قطر عن محيطها يوضح ذلك، واليوم تكشف صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن تجسس الإمارات على قطر باستخدام تكنولوجيا “بيغاسوس” الإسرائيلية التي أسسها ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي.
وظهر في تقرير الصحيفة أن الإمارات تتجسس على هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير سعودي، والعديد من المعارضين في دول مجاورة، واستند تقرير الصحيفة إلى رسائل إلكترونية مُسرّبة اطّلعت عليها محكمتان قبرصيّة وأخرى إسرائيلية، يوم أمسٍ، الخميس، بعد تقديم دعويين ضد مجموعة الشركات المُصنّعة لبرامج التجسس “إن إس أو”.
وقالت الصحيفة، بحسب رسائل بريد إلكترونية مسربة قدمت، الخميس الماضي، في قضيتين ضد “إن إس أو” (NSO) الشركة المصنعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، وتتخذ من “إسرائيل” مقراً لها، إن مسؤولين بالإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية، بالإضافة إلى تسجيل مكالمات الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني السعودي السابق.
وبينت أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث حوّلوا الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة.
وتابعت: “عندما عُرض على كبار المسؤولين الإماراتيين تحديث باهظ لتكنولوجيا التجسس، أرادوا التأكد من أنها تعمل، وسأل الإماراتيون، وفق الرسائل المسربة: هل يمكن للشركة تسجيل هواتف أمير قطر، ماذا عن هاتف الأمير السعودي القوي الذي أخرج الحرس الوطني للسعودية؟ أو ماذا عن تسجيل هاتف رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن؟”.
وفي الوقت الذي تقوم فيه الشركات الخاصة بتطوير وبيع تقنيات المراقبة الحديثة للحكومات مقابل عشرات الملايين من الدولارات، تقول جماعات حقوق الإنسان إن “الرقابة الضئيلة على هذه الممارسة تؤدي إلى سوء الاستخدام”.
ورفضت السفارة الإماراتية في واشنطن الرد على طلب نيويورك تايمز التعليق على هذه التحقيقات والدعوى القضائية المرفوعة ضدها، كما رفضت الشركة الإسرائيلية أيضاً التعليق على الموضوع.
وتعمل التقنية عن طريق إرسال رسائل نصية إلى الهاتف المستهدف، ليتحوّل لأداة مراقبة للإمارات.
ويتم ذلك عبر برنامج اسمه “بيغاسوس”، وهو إسرائيلي متطور جداً، تستخدمه الإمارات للتجسس على شخصيات معارضة ويتيح لها تسجيل اتصالاتها والتجسس على رسائلها ومحادثاتها عبر “فايبر” و”واتساب”، وقراءة بريدها الإلكتروني، ليس هذا فقط، بل يتضمن البرنامج خاصية “التحكم عن بعد”، أي تشغيل الكاميرا وبرنامج “مايكروسوفت”، وغيرهما.
وتزعم المجموعة الأمنية الإسرائيلية أنها تبيع هذه التكنولوجيا للحكومات التي توافق على شروط استخدام هذه التقنيات ضد “المجرمين” فقط، لكن الحكومات تستطيع تشغيلها من تلقاء نفسها بعد إتمام عملية البيع، إلّا أن طبيعة منتجات شركات المجموعة الأمنية تُلزمها على أخذ موافقة من وزير الأمن الإسرائيلي قبل بيع هذه التقنيات، إذ إنها تُستخدم سلاحاً للأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية.
وتؤكد الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني المسربة أنّ ادّعاءات المجموعة عدم مسؤوليتها عن “سوء استخدام” الحكومات المختلفة لتقنياتها غير صحيحة، إذ إن المعلومات تُشير إلى تورط شركات المجموعة في هذه الانتهاكات بشكل مباشر.
التسريبات الجديدة حول تجسس الإمارات على قطر، تؤكد لنا صحة ادعاءات الأخيرة حول اختراق الوكالة الرسمية للأنباء “قنا” قبل عام وبث أخبار تسيء لدولة قطر، مثل سحب قطر لسفرائها من خمس دولة عربية وأن القاعدة الأمريكية الموجودة لديها هي لحمايتها من أطماع دول الجوار، وغيرها من الأخبار التي نفتها قطر حينها، وقالت إن موقعها الرسمي تعرّض للقرصنة.
وحالياً وبعد التسريبات الأخيرة أعربت قطر عن قلقها حول التقارير الإعلامية التي تتحدث عن استعانة جهات وشخصيات حكومية رفيعة المستوى في دولة الإمارات ومنذ سنوات، بشركات إسرائيلية للتجسس على دول وشخصيات منها شخصيات حكومية قطرية عن طريق اختراق الهواتف المحمولة، وذلك بحسب مصدر في الخارجية القطرية.
وقال المصدر، في تصريح لوكالة “قنا”: “يتضح من التقارير أن الأدلة أرفقت بملفات قضائية، وأن هذا الكشف يعكس أن المشكلة التي يعاني منها القائمون على سياسة أبوظبي الخارجية عميقة وقديمة، ويطرح أسئلة عدة حول جذور الأزمة الخليجية الحالية، وكم قضى من افتعلوا هذه الأزمة من الوقت للتخطيط لتمزيق عرى التعاون والأخوة بين الأشقاء، في الوقت الذي كانت شعوب الخليج تتطلع فيه إلى مزيد من التكامل”.
الاستقواء بالإسرائيلي على الإخوة العرب أمر غير مقبول لدى جميع الشعوب العربية التي لا يمكننا وضعها ولا بأي شكل في بوتقة واحدة مع بعض الحكومات العربية اللاهثة إلى التطبيع مع كيان الاحتلال، علماً أن هذه الحكومات تعرف في قرارة نفسها أنها لن تحصل سوى على الخذلان وسوء السمعة والأيام ستخبرنا بالمزيد، على أمل العودة إلى نبض الشعوب وتطلعاتها.
الوقت