تحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
لم يكن حدثاً عادياً على الرغم من أنه تم التحضير له منذ مدة ولكن حساسية الموقف والظرف السياسي والعسكري أرخت بظلالها على اجتماع طهران في الأمس الذي ضم زعماء كل من “روسيا، تركيا وإيران”، وكانت أنظار الملايين تتجه إلى نتائج هذا الاجتماع لكونها ستؤثر ليس فقط على “إدلب” السورية ومصيرها، بل سيكون لنتائج هذا الاجتماع ومصير “إدلب” أثر على مستقبل المنطقة ككل، خاصةً وأننا نتجه نحو طيّ صفحة “المسلحين” في سوريا وبالتالي نحن أمام تحوّل كبير في الأزمة السورية والمنطقة برمّتها لن تكون ولادته يسيرة، ونظراً لاختلاف المصالح ستكون العراقيل موجودة ومن أهداف هكذا اجتماعات تذليل العقبات للمضي قدماً نحو رسم مستقبل أفضل للمنطقة وللسوريين الذين يتفق جميع المجتمعين على وحدة أراضيهم واستقلالها ولكن ربما الاختلاف يكمن في طريقة الوصول إلى هذا الحدث المنتظر منذ ما يقارب العقد.
إدلب
الأزمة السورية لم ترهق فقط السوريين بل أرهقت أيضاً دول الجوار لشدة تشعبها وتعقيدها ومع اقتراب ترجيح الكفة لمصلحة الحكومة السورية يحاول الطرف المقابل منع ذلك بكل الوسائل المتاحة ولا يمكن استثناء تركيا من ذلك لكون مصالحها تختلف نوعاً ما عن مصالح إيران وروسيا، لذلك تشكّل قضية سوريا واحدة من القضايا والمخاوف الرئيسية لكل من إيران وروسيا وتركيا.
بيت القصيد اليوم في “إدلب” والاختلاف بين الدول الثلاث يتمحور حول مصير هذه المدينة، فبينما تصرّ كلُّ من روسيا وإيران على إعادتها إلى حضن الدولة السورية برئاسة بشار الأسد تعارض تركيا هذا الأمر وتقترح سيناريو مختلفاً يتمثل بالعمل على “نزع سلاح” التنظيمات الإرهابية، فيما فشل رهانها على إقرار وقف مسبق لإطلاق النار.
الخيارات المتاحة
في إدلب الظروف معقدة إلى حدّ ما مع وجود أعداد هائلة من المسلحين الذين يوجد بينهم إرهابيون تحاول جميع الدول قاطبةً محاربتهم وإنهاء وجودهم في تلك المنطقة، ولكونهم ينتشرون بين المدنيين ويحتمون بينهم سيكون من الصعب وربما من العسير انتقاؤهم وإقصاؤهم خارج تلك الحدود كما تحاول تركيا أن تفعل، فإقصاؤهم عملية معقدة في ظل تعنّتهم وتشبّثهم في تلك المنطقة لكونها المجال الأخير لبقائهم قيد الحياة، واللعب على مسألة المدنيين سيجعل الأمر معقداً ويصعب حلّه وقد تحدّث الرئيس الروسي عن ذلك في الأمس قائلاً: “لا يمكن لأحد أن يعمل على حماية المدنيين بحجة أن يعمل على منع إلحاق الضرر بالمدنيين في إدلب”، في رفض مباشر للإصرار التركي على وقف الهجمات لعدم وقوع كارثة إنسانية في المحافظة.
ومع ذلك الخيار السلمي المطروح.. فقد التزم الجانبان الروسي والإيراني بإتاحة الفرصة أمام خيار “المصالحات” وإلقاء السلاح، في سياق المجهود الذي تقوده أنقرة مع “تحرير الشام” لإقناع قادتها بضرورة التفكّك والانصهار ضمن نسيج “الجيش الوطني” لاحقاً، القبول بهذا التوجه، حضر بوضوح في كلام بوتين، الذي قال: “نأمل أن تُسمع دعوتنا إلى وقف القتال في إدلب… وتتوقف مقاومة ممثلي الجماعات الإرهابية هناك، ويلقوا أسلحتهم”.
لكن كما ذكرنا في الأعلى حول آلية فصل الإرهابيين عن بقية الفصائل والذي يعدّ أمراً معقداً على عكس ما تحاول تركيا طرحه، فالطرح التركي لم يلقَ استجابة من إيران وروسيا، لذلك نجد أن الخيار العسكري بقي مطروحاً على الطاولة ولا يستبعد تنفيذه خلال الأيام القادمة، فقد شدّد كلُّ من الرئيسين روحاني وبوتين على ضرورة أن يستعيد النظام السوري السيطرة على كامل الأراضي السورية، وبينما قال بوتين إن “الحكومة السورية الشرعية لها الحقّ في استعادة السيطرة على كل أراضيها الوطنية، وعليها أن تقوم بذلك”، فيما شدد روحاني على أن “محاربة الإرهاب في إدلب جزء لا بدّ منه من المهمة المتمثلة بإعادة السلام والاستقرار إلى سوريا”.
في المقابل رأى أردوغان في هذه التصريحات تلميحاً مباشراً إلى الوجود التركي في سوريا، وشدد على أن “تركيا مصممة على حماية وجودها في المنطقة لحين ضمان وحدة سوريا السياسية والجغرافية والاجتماعية بالمعنى الحقيقي”، وحاول أردوغان إقناع موسكو وطهران بمنحها مزيداً من الوقت للتنسيق والتوصل إلى استراتيجية لمحاربة “هيئة تحرير الشام” من دون هجوم واسع على المحافظة وإبقائها تحت الحماية التركية والمعارضة السورية “المعتدلة”، في محاولة منه لمنع الحكومة السورية من السيطرة عليها، ففي حال تمت السيطرة على “إدلب” من قبل الجيش السوري سيكون موقف تركيا ضعيفاً جداً مقارنة ببداية الأزمة، التي كان يسعى من خلالها أردوغان لاستغلال الظرف السياسي لمصلحته والحصول على أكبر ميزات ممكنة من سوريا وحكومتها ولكن ما حصل كان على عكس توقعات أردوغان، فقد استطاع الجيش السوري استعادة 95% من مساحة البلاد، في وقت خسر فيه أردوغان جميع الفصائل التي كان يدعمها بعد أن أنهتها الحكومة السورية من الوجود ولم يبقَ منها سوى مجموعات صغيرة يحاول الرئيس التركي لمّ شملها من جديد دون جدوى، ومع أنه يعلم أن موقفه ضعيف مقارنة بالموقف الروسي والإيراني إلا أنه حاول استغلال الموقف عبر اللعب على أوتار القضية الإنسانية وتحريك مشاعر الناس، وكأنه كان يلعب دور نيلسون مانديلا في سوريا.
بالمحصلة السعي لتفعيل الحوار السوري والحل السياسي مطروح وبقوة، وسيتم العمل على إشراك الفصائل المعتدلة في الحوار خلال القادم من الأيام، ولكن من الواضح أنه لن يتم التساهل مع الجماعات المتطرفة وسيتم التعامل معها بما تقتضيه مصلحة الشعب السوري بمجمله.