ملفات (وكالة الصحافة اليمنية)
شهدت المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، التي بدأت عام 1991 بمؤتمر مدريد، تقلبات عديدة، ولم تصل قط إلى نتيجة تذكر، بسبب أطماع الطرف الإسرائيلي وعراقيله، وخلال المفاوضات في كل مرة كان الجانب الفلسطيني يتراجع فيه ويقدّم التنازلات، كان الجانب الإسرائيلي يتقدّم أكثر ويقدّم مطالب جديدة.
في 13 سبتمبر 1993، وقّعت اتفاقية أوسلو بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بحضور بيل كلينتون في أمريكا، وكانت المفاوضات ذات الصلة قد عقدت في أوسلو، عاصمة النرويج. ووفقاً للاتفاقية، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) بـ”دولة إسرائيل”، وأدانت استخدام العنف، وفي المقابل اعترف الكيان الإسرائيلي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، كما نظر في تشكيل السلطة الفلسطينية كهيئة إدارية مؤقتة، وكان من المفترض أن تستمر هذه الاتفاقية لمدة 5 سنوات، ثم تتحول إلى اتفاق دائم، وهو اتفاق كان من المفترض أن يحدد قضايا القدس، اللاجئين الفلسطينيين، المستوطنات الإسرائيلية، القضايا الأمنية وترسيم الحدود.
في عام 1995، ووفقاً لاتفاقية أوسلو الثانية الموقّعة من الجانبين، تم الإعلان عن السلطة الفلسطينية، وتم تحديد نطاق سلطاتها في ثلاث مناطق A و B و C، وتقرر أيضاً أن يتم إنهاء كل النزاعات والخلافات بين الجانبين في المستقبل، بموجب قراري مجلس الأمن 242 و 338، وذلك خلال صفقة نهائية، وهو أمر لم يتحقق.
ونتيجة استمرار الخلافات، قدّم العاهل السعودي الراحل والرئيس اللبناني إميل لحود في مارس 2002 أثناء قمة الجامعة العربية في بيروت، اقتراحاً مشتركاً عرف بمبادرة السلام العربية، لم يقبل الجانب الإسرائيلي هذه المبادرة حتى الآن، لأنها تتضمن بعض النقاط المهمة، بينما لاتزال بعض الأطراف الفلسطينية مثل حركة فتح وبعض الدول العربية تؤكد عليها.
تشدد مبادرة السلام العربية، التي تتضمن القرارين الأمميين 338 و 342 أيضاً، على ما يلي:
-
الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، بما في ذلك الجولان المحتلة والقدس الشرقية.
-
تشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
-
عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
-
في مقابل ذلك، تتعهد جامعة الدول العربية بإنهاء الصراع مع “إسرائيل” وإقامة علاقات طبيعية معها.
مع فوز حركة حماس في انتخابات غزة عام 2006، والخلافات التي حصلت بين فتح وحماس في الضفة الغربية، ولاحقاً طرد القوات الحكومية من قطاع غزة من قبل حماس، وكذلك بسبب التناقض بين فتح (التي كانت موافقةً على المفاوضات وطرفاً مفاوضاً للكيان الإسرائيلي) وحماس (التي عارضت التفاوض والتسوية)، وأيضاً الحروب بين الكيان الإسرائيلي وغزة في عام 2007 (الحرب التي استمرت 8 أيام)، 2008-2009 (الحرب الـ 22 يوماً) وأيضاً 2014 (الحرب الـ 51 يوماً)، كان من الطبيعي أن تتأثر المفاوضات التي كانت تتابعها “فتح” أكثر من ذي قبل، فيما يتعلق بالمفاوضات، لم يسع الكيان الإسرائيلي قط إلى حل النزاع، والذي يتطلب من الطرفين بطبيعة الحال التنازل عن بعض المطالب، بل كان ولا يزال يعمد إلى تحقيق هدفين أساسيين في هذا الصدد: الأول هو التفاوض بهدف الحصول على تنازلات فحسب، وإضفاء الطابع الرسمي عليها، مثل ما حدث لأول مرة في اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث اعترف الجانب الفلسطيني بالكيان الإسرائيلي، دون إعطاء الجانب الإسرائيلي أي تنازلات، والثاني هو كسب الوقت لتحسين الظروف وزيادة القدرة، حتى من خلال القوة، مثل توسيع المستوطنات أو حشد المزيد من البلدان، وفي المقابل إضعاف الفلسطينيين أكثر فأكثر.
بعد مضي ما يقرب من عقدين من الزمن والفشل في مفاوضات التسوية، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فوزه في انتخابات نوفمبر 2016، أنه يعتزم إيصال المفاوضات المتعلقة بفلسطين إلى إبرام اتفاق نهائي، ولكن بعد ذلك، لم يتم عرض برنامجه كمجموعة محددة أو اقتراح مكتوب، لكن تم تحديد الخصائص والمكونات الأساسية لخطته من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين وغيرهم، وأطلق عليها “صفقة القرن”.
محاور وخصائص صفقة القرن
-
“إسرائيل” كوطن للشعب اليهودي:
وفقاً لهذه الخطة، فإن دولة “إسرائيل” هي لجميع اليهود من كل أنحاء العالم، كما هو منصوص عليه في مواد مختلفة من قانون “الدولة اليهودية” (الذي مرره البرلمان الإسرائيلي في 19/7/ 2018).
-
الاعتراف بالقدس (أو الأورشليم) كعاصمة لـ”إسرائيل”:
بتشكيل الكيان الإسرائيلي عام 1948، تم تسليم الجزء الشرقي من القدس إلى الأردن، وأعطي عملياً للفلسطينيين، خلال حرب الأيام الستة عام 1967، احتل الكيان الإسرائيلي هذا القسم، وبنى فيه العديد من المستوطنات. لكن قرار مجلس الأمن 242 في عام 1967، دعا “إسرائيل” إلى العودة إلى حدود ما قبل حرب الأيام الستة.
في عام 1980، اعتبر برلمان الكيان الإسرائيلي بالإجماع مدينة القدس عاصمةً له، لكن الأمم المتحدة أدانت هذه الخطوة بالقرار 478، وفي عام 1988 أيضاً، اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية القدس الشرقية عاصمة فلسطين.
وفقاً لصفقة القرن، القدس مملوكة بالكامل من قبل “إسرائيل”، وستظل أجزاء محدودة فقط في القدس الشرقية للدولة الفلسطينية، في أواخر يناير 2018، قال ترامب في اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على هامش منتدى دافوس الاقتصادي: (كانت قضية القدس أحد تحديات المفاوضات، لقد أزلنا هذه المشكلة من الطاولة، ولم نعد بحاجة إلى الحديث عنها، ثم في 14 مايو 2018، قام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن خلال القيام بذلك، أعلنت أمريكا القدس عاصمةً لـ “إسرائيل”).
-
تشكيل فلسطين ذات سيادة وأرض محدودتين وعاصمتها “أبو ديس”:
لطالما كانت قضية الدولة الفلسطينية واحدة من القضايا المهمة في مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، وقد نص قرار مجلس الأمن 242 على ضرورة عودة “إسرائيل” إلى حدود ما قبل حرب الأيام الستة عام 1967، كما تضمنت اتفاقية أوسلو عام 1993 تشكيل حكومة تتمتع بالحكم الذاتي كمؤسسة إدارية مؤقتة، كما كان من المفترض حل قضايا مثل: القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات الإسرائيلية والقضايا الأمنية والحدود، خلال التوصل إلى اتفاق نهائي لاحقاً، ووفقاً للاتفاقية، اعترفت “إسرائيل” بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل قانوني للشعب الفلسطيني. وفي المقابل، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بـ”إسرائيل”، وحظرت أي شكل من أشكال العنف.
“فلسطين” دولة ذات أراض محدودة تشمل:
-
بعض الأحياء الجديدة والأجزاء العربية شرق القدس، أحياء مثل: بيت حنينا، شعفاط ومخيمها، رأس خميس وكفر عقب. كذلك ثلاث إلى خمس قرى كانت قد ألحقت بالجزء المحتل من القدس، بعد احتلال القدس الشرقية (بعد انسحاب الكيان الإسرائيلي منها)، ويقال إن أجزاء من ميناء أسدود وحيفا ومطار بن غوريون، وأجزاء من صحراء سيناء التابعة لمصر، ستكون جزءاً من الدولة الفلسطينية أيضاً.
ستبقى “منطقة الأغوار” تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولا حديث عن انسحاب الكيان من المجمعات السكنية الكبيرة مثل “آرئيل” و”جنوب نابلس”، ومستوطنات “غوش” و”عتصيون” بالقرب من بيت لحم، ومستوطنات “معاليه” و”إدوميم”.
وقال صائب عريقات، سكرتير اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في يناير 2018 خلال تقرير في 92 صفحة: تتضمن خطة ترامب انسحاب القوات الإسرائيلية وإعادة تموضعهم خارج منطقتي “A” و”B” بموجب اتفاقية أوسلو، مع أرض جديدة من منطقة “C”، وستعلن الدولة الفلسطينية على نفس هذه الحدود، وقد تم تشكيل هذه المناطق الثلاث في عام 1995 وفقاً لاتفاقية أوسلو 2:
ستخضع منطقة “A” إدارياً وأمنياً لسيطرة السلطة الفلسطينية، وتشمل المدن الفلسطينية الست الكبيرة في الضفة الغربية، بما في ذلك: جنين، نابلس، طولكرم، قلقيلية، رام الله، بيت لحم والخليل، بمساحة تبلغ حوالي 3٪ من المساحة الإجمالية للضفة الغربية، وهي منطقة تضم 20٪ من السكان، وقد أوكلت مسؤولية الأمن الداخلي والنظام العام والشؤون الإدارية للمنطقة، إلى المجلس الوطني الفلسطيني أو السلطة الفلسطينية.
ستخضع منطقة “B” للسلطة الفلسطينية إدارياً، وللكيان الإسرائيلي أمنياً، تضم المنطقة التي تتكون من 27٪ من الأراضي الفلسطينية، 450 مدينة وقرية، والمرجع الأعلى للحفاظ على الأمن فيها هو الكيان الإسرائيلي، كما تتمركز الشرطة الفلسطينية في 25 من البلدات والقرى في هذه المنطقة، أما منطقة “C” فهي منطقة يديرها الكيان الإسرائيلي بشكل كامل من الناحية الأمنية والإدارية، ويشمل هذا القسم 70 في المئة من الأراضي الفلسطينية ويعيش فيه 136 ألف مستوطن، وتضم هذه المنطقة مناطق غير سكنية ومستوطنات ومناطق ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للكيان الإسرائيلي.
وفقاً لاتفاقية أوسلو، كان من المقرر أن يتم نقل المناطق التي يسيطر عليها الكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية في غضون خمس سنوات، أي حتى عام 2000، الأمر الذي سيكون لاغياً مع صفقة القرن، ويتعين على الفلسطينيين غضّ الطرف عنها.
-
نصف الضفة الغربية.
-
قطاع غزة بأكمله (بالطبع، شريطة موافقة حماس على نزع سلاحها)، وفقاً لهذه الخطة، قد يتم فصل غزة عن الضفة الغربية وبقائها تحت سيطرة حماس.
الدولة الفلسطينية ذات السيادة المحدودة ونزع سلاح الفلسطينيين:
إن المسؤولية الأمنية للأغلبية الساحقة من مساحة الضفة الغربية، المعابر الحدودية، ممر الضفة الغربية إلى القدس، الممر المخطط له بين الضفة الغربية وغزة، كذلك السيطرة على المياه الإقليمية والمجال الجوي، ستكون على عاتق الكيان الإسرائيلي.
ووفقاً لما أورده عريقات في تقريره، فإن إدارة ترامب سوف تعلن عن مفهوم أمني مشترك لدولتي “إسرائيل” وفلسطين كشريكين في السلام، بما في ذلك دولة فلسطينية خالية من السلاح، مع قوة شرطة قوية، وتعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي يشمل الأردن ومصر وأمريكا.
الدولة الفلسطينية وعاصمتها “أبو ديس”:
ستعتبر مستوطنة “أبو ديس” أو القدس الفلسطينية في القدس الشرقية، عاصمةً للدولة الفلسطينية.
“أبو ديس” بوصفها أقرب منطقة إلى القدس، تبلغ مساحتها 6/23 كيلومتر مربع، وتقع حوالي 15٪ منها في منطقة B و85٪ منها في منطقة C، وهي منطقة استولى عليها الكيان الإسرائيلي في العقود الماضية، منذ تسعينات القرن الماضي، عرضت “إسرائيل” مراراً أن يكون أبوديس عاصمة فلسطين بدلاً من القدس، موضوع نوقش أيضاً في كامب ديفيد الثاني في عام ١٩٩٥، ولكن لم يتفق عليه أبداً.
وفيما يتعلق بتشكيل الدولة الفلسطينية، فقد أثير نبأ تشكيل الكونفدرالية الفلسطينية – الأردنية منذ 2/9/ 2018، يقال إن كوشنير وغرينبلات قد ناقشا هذه المسألة مع محمود عباس، والأخير قال لهما إنه سيقبل بهذه الخطة شريطة انضمام “إسرائيل” إليها أيضاً، لقد عارضت حماس هذه القضية بشدة، ورفضها الأردن أيضاً، ويمكن أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لهذه الخطة، هضم فلسطين في الأردن، ويمكن لهذه الخطة أيضاً إلغاء قضية عودة الفلسطينيين إلى وطنهم وأرضهم.
-
الحفاظ على المستوطنات التي بناها الكيان الإسرائيلي بطريقة غير شرعية وإضفاء الشرعية عليها
كانت قضية الاستيطان الإسرائيلي أحد الخلافات الرئيسية بين الجانبين، والتي لطالما أدانها مجلس الأمن الدولي من خلال قراراته، بما في ذلك القرار رقم 242 (1967)، و 338 (1973)، و 446 (1979)، و 452 (1979)، و 465 (1980)، و 476 (1980)، و 478 (1980)، و 1397 (2002)، و 1515 (2003)، و 1850 (2008)، و 2334 (2016). ووفقاً لهذه القرارات، يجب إخلاء هذه المستوطنات وإعادتها للفلسطينيين.
وقد حاولت الهيئة التشريعية لمجلس وزراء حكومة الاحتلال في يوليو الماضي، تقديم مشروع قانون يسمح لليهود في حال موافقة البرلمان عليه، بشراء وامتلاك أرض في الضفة الغربية، في حين أنه وفقاً للتشريع السابق عام 1953، كانت ملكية أراضي الضفة الغربية حكراً على المواطنين العرب والأردنيين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أقر البرلمان الإسرائيلي قانون “الدولة اليهودية” في 15 يوليو 2018، والذي يشدد على توسيع الاستيطان لليهود – الذين يمكن أن يأتوا إلى “إسرائيل” من جميع أنحاء العالم.
-
منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم:
بحسب “الأونروا”، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين عام 2016 خمسة ملايين و 900 ألف، وهم يعيشون مشردين في غزة والضفة الغربية، وكذلك في الأردن وسوريا ولبنان، والأونروا هي منظمة دولية تأسست عام 1948 على أساس قرار الأمم المتحدة، لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.
لدى “ترامب” حلّ بسيط في هذا الصدد: لن تكون هناك عودة على الإطلاق، إنهم يعتزمون منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يقيمون فيها، وخلق فرص عمل لهم، لقد عارض الفلسطينيون قضية التوطين بشدة حتى الآن، وأكدوا على حق العودة، ويقال أيضاً إن هناك آليةً لتعويض اللاجئين.
-
حرية أداء الشعائر الدينية في الأماكن المقدسة للجميع
تهدف هذه المسألة إلى تقديم صورة إيجابية عن “إسرائيل” وترغيب الفلسطينيين في قبول صفقة القرن، ولكن أثبت أداء الكيان الإسرائيلي أنه لا يوجد أي ضمان على الإطلاق لتنفيذ ذلك.
-
تطبيع العلاقات السياسية والثقافية والاقتصادية للدول العربية مع الكيان الإسرائيلي.
-
الضغط على الفلسطينيين وتهجيرهم إلى سيناء والأردن.
-
الرعاية المشتركة بين الأردن و”إسرائيل” لمدينة القدس:
-
إيجاد حلّ اقتصادي في غزة وتجنّب المحادثات السياسية معهم:
لقد أسلفنا أنه يمكن فصل غزة عن الضفة الغربية، وسيكون هذا الأمر في وضع يستمر فيه محمود عباس في إعاقة مسيرة المصالحة الفلسطينية حسب زعمهم، أو رفض حماس لنزع سلاحها، ولكن بغض النظر عن القضية، فهناك خطة اقتصادية لغزة، بما في ذلك إنشاء منطقة تجارة حرة بين غزة والعريش بمصر، وبناء خمسة مشاريع صناعية كبيرة، وهي مشاريع ستنفذ في سيناء، وكذلك إنشاء ميناء فلسطيني مصري، ومحطة للطاقة الشمسية، وأخيراً بناء مطار شريطة نجاح المشاريع السابقة، ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات تهدف إلى إرضاء قطاع غزة إلى أقصى حد ممكن، وإقناعه بقبول صفقة القرن.
المساعي الأمريكية والإسرائيلية لتنفيذ صفقة القرن:
لم يشأ الأمريكيون والإسرائيليون منذ البداية تقديم تنازلات للفلسطينيين، أو قيام دولة تسمى فلسطين، وكانت المفاوضات تجري بشكل أساسي من أجل شراء الوقت، لإجراء تغييرات متزايدة لمصلحتهم وعلى حساب الفلسطينيين، كما حاولوا التضييق على الفلسطينيين أكثر فأكثر، من خلال حشد الدول الأخرى، وخاصةً الدول العربية في المنطقة إلى جانبهم، ومن ناحية أخرى، فقد رأوا أن المقاومة الفلسطينية لم تنهار فحسب، بل تحسنت أوضاعها وتزايدت قدرتها بشكل مطرد، ولذلك، فإن الظروف المضطربة والهشة التي تعيشها المنطقة، قد وفرت لهم فرصةً كبيرةً لتصفية القضية الفلسطينية من جانب واحد وعن طريق القوة.
ولكن هذا كان أكبر خطأ قد ارتكبوه، فبعد ساعات قليلة فقط من نبأ نقل السفارة، أعربت العديد من الدول والسلطات في العالم، وخاصةً الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية بما في ذلك الدول العربية مثل السعودية ومصر والأردن، والدول الأوروبية ومسؤولي الأمم المتحدة، عن خيبة أملهم وانزعاجهم من هذه الخطوة، مجدِّدين دعمهم للفلسطينيين، ومؤكدين أن هذا الإجراء ليس فقط لن يساعد على السلام، بل سيزيد من حدة التوترات والصراعات في فلسطين، وحتى في المنطقة.
بعد ذلك، تابعت أمريكا و”إسرائيل” خططهما في إطار سياسة العصا والجزرة، وفي هذا السياق، حطّ كوشنر (الممثل الأمريكي الخاص لغرب آسيا وفلسطين) رحاله في المنطقة و”إسرائيل” عدة مرات، والتقى بمسؤولين في السعودية والأردن ومصر، لإقناعهم بالخطة الأمريكية من خلال التهديد والتطميع.
في هذا الصدد، في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدين نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمةً لـ “إسرائيل”، بينما صوت الأعضاء الأربعة عشر الآخرون لمصلحته، وفور إحالة هذه المسودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بذل الأمريكيون جهداً هائلاً لمنع اعتمادها في الجمعية، لكنهم لم ينجحوا، حيث صوتت 128 دولة لمصلحة هذا القرار، في البداية خفّض الأمريكيون مساعدتهم المالية للسلطة الفلسطينية والأونروا، وأخيراً في 1/9/2018 أعلنوا أنهم سيقطعونها.
كما دعا الأمريكيون الدول العربية إلى الاستثمار في تحسين الظروف المعيشية لسكان غزة. وكان افتراضهم هو أنه مع تحسّن سبل عيش الناس في هذه المنطقة، فإن الحافز للمقاومة والنضال سيقلّ لديهم، وستتكون الرغبة في قبول صفقة القرن، بالطبع، لا ينبغي أن نقتصر إجراءات الأمريكيين على هذه الحالات، بل يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً الضغوط والتهديدات السياسية التي يوجهونها للدول العربية في المنطقة في السرّ والعلن.
وكانت السلطات الإسرائيلية نشطةً تماماً خلال هذه الفترة، وأهم إجراءاتهم هي:
– لقد بادروا إلى زيارات للمنطقة وخارجها، مثل أمريكا وروسيا.
– أنشطة البرلمان الإسرائيلي خلال هذه الفترة: التصديق على قانون “القدس الموحدة” في 2 يناير 2017، الموافقة على الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لـ “إسرائيل” في 22/12/2017، كما تمت الموافقة على أن أي تغيير في الحدود والانسحاب من أي جزء من الأراضي المحتلة يتطلب تصويت ثلثي البرلمان، أي تصويت 80 نائباً (في حين أن 61 صوتاً كان ضرورياً لهذا الأمر في السابق)، وفي 17/7/2018 سلب البرلمان الاختصاصات القضائية للفلسطينيين في الضفة الغربية، كما وافق على مشروع قانون الدولة اليهودية في 19/7/2018، والذي اعتبر من خلاله جميع فلسطين دولةً للشعب اليهودي وتجاهل الحقوق السياسية للفلسطينيين.
– الضغط على الفلسطينيين من خلال القصف المتكرر لقطاع غزة، وقتل الناس المشاركين في مسيرات العودة السلمية، وكذلك معارضة تشكيل لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في هذا الصدد. بالإضافة إلى منع دخول الغاز والوقود إلى غزة وإغلاق معبر “كرم أبو سالم”.
– متابعة خطة تطوير المستوطنات من خلال الموافقة على بناء آلاف الوحدات السكنية الأخرى وطرد الفلسطينيين.
– متابعة قضية بناء جدار أرضي وبحري حول غزة.
ردود الفعل على نقل السفارة ومشروع صفقة القرن:
رد الفعل الفلسطيني:
ردت السلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية بقوة على الخطة الأمريكية ونقل السفارة، حيث قال محمود عباس: ستبقى القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، ولن نرتكب أخطاء الماضي، ولن نستأذن أحداً فيما يـتعلق بأرضنا، والقدس ليست قابلةً للتفاوض، وإذ شدد على حل الدولتين وتشكيل الدولة الفلسطينية على أساس حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ذكر مراراً وتكراراً أن وساطة أمريكا لن تقبل بعد الآن، ولن يقبل أي حل من ذلك البلد، ويريد العمل مع روسيا والصين وأوروبا، وبالنظر إلى أن فصل الضفة الغربية عن غزة هو خطة محتملة في صفقة القرن، يصرّ محمود عباس على إقامة دولة فلسطينية موحدة تشمل هاتين المنطقتين. كما أكد المجلس المركزي الفلسطيني بدوره: لن نعترف بـ “إسرائيل” حتى تعترف هي بالدولة الفلسطينية، وهددت بقطع العلاقات والانسحاب من اتفاقات أوسلو وجميع الاتفاقات المبرمة مع “إسرائيل”.
بالتزامن مع هذه التطورات، بدأت منذ يوم الجمعة 10 من أبريل 2018 مسيرات العودة السلمية، في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض – مع التأكيد على الفقرة 11 من قرار مجلس الأمن 194، التي تنص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، لكن واجهت قوات الاحتلال هذه المسيرات بالسلاح والعنف المفرط، ما أدّى إلى استشهاد حوالي 140 وإصابة أكثر من 15000 آخرين، وأخيراً، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين بوساطة القاهرة في أغسطس الماضي، بالطبع لم يتم بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار هذا، لأنه لا يزال في مرحلة التفاوض، ولكن تم تنفيذه بالفعل.
ردّ فعل الدول العربية:
إن الدول العربية المؤثرة في القضية الفلسطينية تحكمها أنظمة دكتاتورية وغير شعبوية، والتي تدين في وجودها وبقائها للدعم الغربي الكامل في الأساس، ولا تستند سياستها الخارجية إلى المصالح القومية أو مصالح العالم الإسلامي، بل للحفاظ على السلطة والعرش فحسب، ولهذا السبب يسعون في سياستهم الخارجية لتحقيق ثلاثة عناصر، هي: الأول السعي للحصول على رضا الغرب بأي طريقة ممكنة والاستسلام لرغباتهم، الثاني هو الخوف من الرأي العام والضغط الدولي، والثالث هو ملاحظة اعتبارات خاصة، مثل اعتبارات السعودية في قيادة العالم الإسلامي، أو اعتبارات الأردن في مسألة اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، الذين يشكلون عبئاً ثقيلاً على عمان، وهذه هي عناصر مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان، وبالتالي نرى تناقضاً في مواقف وأعمال هذه الحكومات، وعلى الرغم من أن الدول العربية قد عارضت نقل السفارة، ودعمت نضال الشعب الفلسطيني في الظاهر، وهي حذرة في هذا المجال نوعاً ما، ولكنها تنتهج عملياً سياسات تدفع صفقة القرن إلى الأمام وتضغط على الجانب الفلسطيني، قال “يسرائيل كاتس” وزير إعلام الكيان الاسرائيلي: لقد نسقت أمريكا مع قادة الدول العربية بشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس من قبل، وأضاف: لقد كانت لديهم علاقات سرية قديمة مع الصهاينة في الماضي ومازال، وهي العلاقات التي تصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم.
بعد أيام قليلة من نقل السفارة، قال ولي العهد الإماراتي لمحمود عباس في لقاء جمعهما: معركتكم مهمة بالنسبة لنا، ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى قرار ترامب كإعلان حرب، فنحن لسنا هنا معكم، إذا كنتم تريدون دعمنا، فلا تتخذوا موقفاً عدائياً ضد ترامب، كما قال ابن سلمان أثناء زيارته لأمريكا في 27 مارس 2018، خلال اجتماع مع المنظمات اليهودية: لليهود الحق في أن يكون لهم وطن، وذكر ابن سلمان: القضية الفلسطينية ليست أولويةً قصوى للحكومة السعودية، وهناك قضايا أكثر أهميةً مثل إيران، يجب على الفلسطينيين إما قبول المقترحات التي تقدَّم لهم والعودة إلى طاولة المفاوضات، أو الصمت والامتناع عن التذمر والشكوى، يقال إنه بسبب السلوك المتطرف لابن سلمان في القضية الفلسطينية المهمة، سحب الملك سلمان اختصاصاته المتعلقة بهذا الملف، ليتابع القضية شخصياً، في الوقت نفسه، استجابت السعودية والإمارات لطلب أمريكا للاستثمار في غزة، وخصصتا ملياري دولار مساعدات لهذا الغرض.
الأردن يعتمد بشدة على المساعدات الأمريكية وبعض البلدان في المنطقة مثل السعودية والإمارات، ومن ناحية أخرى فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد يفوق عدد سكانه الأصليين، وبالتالي فإن مصير فلسطين ولا سيما قضية عودة اللاجئين إلى وطنهم، مهم جداً للأردن، البلدان المذكورة آنفاً والتي تساعد الأردن مالياً، تمارس ضغوطاً ماليةً عليه بسبب عدم تماشيهم مع مشروع صفقة القرن، هنا أثيرت خطة تقديم مساعدات مالية أكثر للأردن، فخصصت له السعودية والإمارات والكويت 2.7 مليار دولار في قمة مكة (10/6/2018). وكان من الطبيعي أن لديهم مطالب، وكان لهذه المساهمات تأثيرها أيضاً، بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حضر الملك عبد الله شخصياً الاجتماع الطارئ لرؤساء الدول الإسلامية والذي عقد في اسطنبول بهذا الصدد، وقال: الطريقة الوحيدة لإنهاء احتلال الصهاينة هي تحقيق السلام غرب آسيا، وموقف الأردن ثابت في أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية. كما دعا إلى وضع حد للعنف ضد الفلسطينيين.
مصر أيضاً مثل السعودية والأردن، باعتبارها حليفاً تقليدياً ومهماً لأمريكا، تتلقى مساعدات مالية كبيرة كل عام من أمريكا والدول العربية في المنطقة، وخاصةً السعودية، القاهرة أيضاً وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تنتهج سياسةً متناقضةً بين حماية الحقوق الفلسطينية والمماشاة مع أمريكا والكيان الإسرائيلي حول القضية الفلسطينية، بعد إعلان ترامب في 15 من ديسمبر 2017 أنه سيتم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث صرّحت مصر في موقف حاد بأن القرار لن يغير الوضع القانوني للقدس، وقال السيسي في يناير 2017: إن حل القضية الفلسطينية هو تشكيل دولتين، وإذ أشار في 7 من أغسطس إلى أنه لا مكان لصفقة القرن في مصر، أكد على تشكيل الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، استناداً إلى حدود ما قبل عام 1967، وقال السيسي إن مواقف مصر غير قابلة للتغيير، ولكن وزير الخارجية المصري سامح شكري، وبعد سفره إلى واشنطن في أغسطس 2016 واجتماعه بمسؤولين أمريكيين مختلفين، بمن فيهم بومبيو وكوشنر، قال إن مصر مستعدة للتعامل مع “صفقة القرن”، ولكنه وضع شروطاً لهذا التعامل، بما في ذلك: أن تكون قابلةً للتنفيذ، وألّا تسبب مشكلةً، ولا تترك نقطةً غامضةً، وقال إن الخطة يجب ألّا تفرض مهمة توطين اللاجئين الفلسطينيين على مصر والدول العربية، وأضاف شكري: إنه يجب على “إسرائيل” ضمان أن تنخرط بشكل إيجابي مع الخطة، والولاء لالتزاماتها، بما في ذلك إزالة بعض المستوطنات، رفع الحصار المفروض على قطاع غزة وضمان العبور بين قطاع غزة والضفة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل الدول العربية، وخاصةً السعودية والإمارات والبحرين، مساعيها لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في سياق صفقة القرن.
ردّ الفعل التركي:
فور إعلان ترامب نقل السفارة إلى القدس، قال أردوغان: إن الإجراء الأمريكي مرفوض، وهو يضع المنطقة في حلقة من النار، وذكر في مواقفه التالية: سنفتح سفارتنا شرقي القدس، القدس خط أحمر بالنسبة لنا، وبعد يومين من الهجوم الإسرائيلي العنيف على أول مسيرة سلمية للعودة في فلسطين وقتل الناس، وصف أردوغان نتنياهو بأنه إرهابي ويقود حكومةً إرهابيةً، وشدد على أنه سيدعم الشعب الفلسطيني حتى النهاية، وطردت تركيا السفير والقنصل الإسرائيلي العام في اليوم التالي لنقل السفارة الأمريكية، كما دعت سفراءها من “إسرائيل” وأمريكا للتشاور، وفي الوقت نفسه، حثّ رئيس الوزراء التركي الدول الإسلامية على إعادة النظر في علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، عقد الاجتماع الطارئ لرؤساء الدول الإسلامية في اسطنبول في 18/5/2018، بعد أربعة أيام من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بناءً على طلب من تركيا. وقال أردوغان في الاجتماع: إن القدس هي قبلة المسلمين الأولى، والدفاع عنها هو الدفاع عن الإسلام والدفاع عن كل المقدسات الإسلامية، ونقل السفارة مخالف للقواعد الدولية وسيشعل المنطقة، وعندما هدد ترامب في 21 من ديسمبر 2017، بأنه سيقطع المساعدات الأمريكية عن أولئك الذين سيصوتون لمصلحة قرار ضد نقل السفارة إلى القدس واعتبارها عاصمةً لـ”إسرائيل” في الجمعية العامة، قال أردوغان في ذلك اليوم ردّاً على هذا التهديد: آمل أن يعطيهم العالم درساً جيداً، تعتبر أمريكا نفسها مهداً للديمقراطية، مهد الديمقراطية هذا يريد أن يشتري الدول بأمواله، وخاطب ترامب بالقول: لا يمكنك شراء الإرادة الديمقراطية التركية بدولاراتك، وبعد التصديق على قانون “الدولة اليهودية” في البرلمان الإسرائيلي (بتاريخ 19/7/2018)، قال: لا يوجد أي فرق بين فهم هتلر والمسؤولين الإسرائيليين للجنس المتفوق.
على الرغم من أن المواقف القوية للسلطات التركية ضد الكيان الإسرائيلي والدفاع عن الفلسطينيين، هي مواقف إيجابية ومحمودة بشكل عام، ولكن لا ينبغي أن نعقد عليها آمالاً كبيرةً. لقد تعلم الأتراك جيداً، في تفاعلاتهم السياسية والدبلوماسية، كيفية الاستفادة من الفرص أو حتى خلق الفرص، في قضية سفينة مرمرة عام 2010 أيضاً، كان لديهم مواقف قوية، لدرجة أنهم قطعوا علاقاتهم السياسية مع “إسرائيل”، ولكن أعيدت هذه العلاقة من جديد في عام 2016. لدى الأتراك الكثير من العلاقات السياسية والاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي، عندما يريد رئيس الوزراء التركي من دول العالم إعادة النظر في علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، ينبغي علينا أن نسألهم لماذا هم لا يتقدّمون في هذا المجال؟! تركيا وفي سياق توسيع قدراتها وتعزيز دورها الدولي والإقليمي، وكذلك العثمانية، وخاصةً في العالم الإسلامي، تحتاج إلى مثل هذه المواقف من أجل كسب الشعبية في الداخل التركي وفي العالم الإسلامي، وتعزيز قاعدتها الاجتماعية. لذلك، فلا يمكنهم التعامل مع القضية الفلسطينية، كما تتطلب العدالة والحقوق الفلسطينية، أما في الشعار فلا يتقيدون بكثير من الحدود.
الدول الأخرى والمنظمات الدولية:
خلافاً لتوقعات الأمريكيين، لم يرافق المجتمع الدولي بما في ذلك العديد من الدول الأوروبية، أمريكا في التعامل مع صفقة القرن، وأعربوا عن معارضتهم لنقل السفارة الأمريكية، وفي حين عارض المسؤولون الفرنسيون والبريطانيون والألمان ذلك، أكدوا أن هذه الخطوة لن تحلّ المشكلة، بل ستزيد من التوترات في المنطقة، يرى الأوروبيون أن حل هذه المشكلة يجب أن يكون بموجب اتفاق بين الطرفين وعلى أساس القرارات والاتفاقيات السابقة، ولا يقبلون بالحل الأحادي والقائم على القوة، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها أمريكا لحشد مختلف البلدان إلى جانبها في نقل سفارتها إلى القدس، باستثناء عدد قليل من البلدان الصغيرة أو قليلة الأهمية، يمكن القول إن بلداناً مختلفةً بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، لم تحضر مراسم نقل السفارة، وأعلنت روسيا رسمياً أنها لن تحضر الحفل، وقبل يوم واحد من نقل السفارة، شهدت أكثر من 40 دولة احتجاجات ضد هذا القرار.
وفي 18/12/2018 اجتمع مجلس الأمن لمراجعة مشروع قرار حول عدم مشروعية القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس “عاصمة إسرائيل”، هذه المسودة التي أعدتها تركيا، عرضتها مصر على مجلس الأمن، ولكن في حين أن الأعضاء الـ 14 الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن قد صوتوا لمصلحتها، استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضدها، بعد استخدام حق الفيتو ضد هذا القرار من قبل أمريكا، تم التصويت عليه يوم الخميس (21 ديسمبر 2017) في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصوتت 128 دولة لمصلحته.
صفقة القرن: الآثار والنتائج، التحديات والآفاق:
-
مزيد من الإثبات على بطلان التسوية مع الكيان الإسرائيلي، وضرورة استمرار المقاومة باعتبارها الوسيلة الوحيدة الممكنة، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الجانب الإسرائيلي والراعي الرئيسي له، أي الأمريكيين، لا يملكون الإرادة لحل المشكلة، ويريدون فقط متابعة أهدافهم وخططهم، دون النظر إلى حقوق الفلسطينيين أو تقديم تنازلات لهم، ولذلك، أصبح مؤيدو نهج المقاومة يدركون أكثر من أي وقت مضى، أن لغة القوة والمقاومة هي الوحيدة التي تمكِّنهم من تحقيق أهدافهم ونيل حقوقهم، إذ لم يترك الصهاينة أي خيار آخر، وهذا يعني زيادة الدوافع والتصميم على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية والتغلب عليها، وانتزاع الحقوق الفلسطينية من خلال المقاومة.
-
عزلة أمريكا وفقدانها للمصداقية كوسيط للسلام في فلسطين وكقوة عالمية مهيمنة: إن أمريكا التي قبل بها تيار التسوية ومؤيدوها، وربما بعض الدول في العالم، كوسيط للسلام، قد فقدت مصداقيتها في هذا العنوان، وأصبح من الواضح أنها تدعم الصهاينة وتناصب الشعب الفلسطيني العداء بشكل كامل.
-
في مختلف الدوائر والأوساط، وفي وسائل الإعلام التابعة للغرب، وخاصةً “إسرائيل” وأمريكا، يُدَّعى كذباً وخداعاً بأن “إسرائيل” لديها أعلى المعايير فيما يتعلق بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وهي في المركز الأول في هذا المجال في منطقة غرب آسيا، من ناحية أخرى، تُنشر الدعاية بأن فصائل المقاومة الفلسطينية هي التي تهاجم “إسرائيل” من خلال أعمال إرهابية، و”إسرائيل” مظلومة وتدافع عن نفسها فقط! ولكن بعد نقل السفارة ومتابعة تنفيذ صفقة القرن، وكذلك بسبب قتل الشعب الفلسطيني خلال مسيرات العودة السلمية، وتجاهل الكيان الإسرائيلي وأمريكا للمعارضات والإدانات والاحتجاجات الجماهيرية الواسعة النطاق في العالم، أصبحت طبيعتهم الحقيقية وأكاذيبهم أكثر وضوحاً للعالم، وهذا الوضع سيزيد من مستوى الدعم العالمي للشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى، سيكون الكيان الإسرائيلي وأمريكا في موقف أكثر تقييداً.
-
خلال هذه الفترة، شددت جميع الدول وأولئك الذين عارضوا وأدانوا الإجراءات الأمريكية والإسرائيلية، على القواعد الدولية وقرارات مجلس الأمن والاتفاقات السابقة بشأن القضية الفلسطينية، وهذا هو التحدي الأهم لتل أبيب وواشنطن، لأن العالم لن يسمح لأمريكا والكيان الإسرائيلي بتجاهل القواعد الدولية وآراء الدول الأخرى إلى هذه الدرجة، وإشعال نار الصراعات والحروب في المنطقة، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى انعدام الأمن العالمي.
إن الأوضاع والاتجاهات السائدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لن تسمح بنهج أحادي أو قسري من قبل الكيان الإسرائيلي وأمريكا في معالجة القضية الفلسطينية، وكلما استمروا في التحرك في هذا الاتجاه، فإنهم سيجعلون المقاومة أكثر شموليةً وقوةً، وسيعزلون أنفسهم أكثر فأكثر. وفي نهاية المطاف سيكون عليهم اتباع نهج جديد مع المحاور التالية:
-
1. إعطاء الجانب الفلسطيني الحد الأدنى من الامتيازات، من أجل الحد من المعارضات والمعارضين وجلب المزيد من الجهات الفاعلة في القضية الفلسطينية، على المستويين الإقليمي والعالمي، وسيحاولون حشد ثلاثة أطياف إلى جانبهم قدر الإمكان، وهم القادة الفلسطينيون، ولا سيما في السلطة الفلسطينية، الدول العربية في المنطقة وكذلك الدول الأوروبية.
-
استمرار سياسة العصا والجزرة، وبعبارة أخرى، التهديد والتطميع.
-
التأكيد على مفاوضات التسوية وإحيائها من أجل تحقيق أهدافهم وخططهم من خلال الاتفاقيات وليس عن طريق القوة، وهي اتفاقيات ستتم عن طريق العصا والجزرة، أو التهديد والتطميع.