من رونالدو إلى هاري كين..الوجه القبيح لرأسمالية كرة القدم
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية لكثير من الملايين لشخص واحد لأنه واحد من أهم لاعبي العالم، اسمه سيجتذب المزيد من المتابعين والإعلانات الموجهة للمتابعين، كل شيء يدور في فلك هؤلاء المتابعين، اللعبة صنعت لأجلهم وحقوق البث تزداد طرديا مع زيادة أعدادهم، ولكن هؤلاء لا ينالون شيئا من مكاسب الصناعة القائمة عليهم. هذا أمر طبيعي، فأي صناعة […]
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
لكثير من الملايين لشخص واحد لأنه واحد من أهم لاعبي العالم، اسمه سيجتذب المزيد من المتابعين والإعلانات الموجهة للمتابعين، كل شيء يدور في فلك هؤلاء المتابعين، اللعبة صنعت لأجلهم وحقوق البث تزداد طرديا مع زيادة أعدادهم، ولكن هؤلاء لا ينالون شيئا من مكاسب الصناعة القائمة عليهم.
هذا أمر طبيعي، فأي صناعة أو تجارة تجني أرباحها من المستهلك، وليست ملزمة بتحسين وضعه المادي، ولكن ماذا إن كان المستهلك هنا عاملا لدى عمالقة تلك الصناعة بين الشركات والأندية؟ أحيانا يؤدون بعض الأعمال الفرعية، وأحيانا لا وجود لتلك الصناعة بدونهم، ولكن مشكلة العمال تكمن في الكثرة، فإن لم ترضَ براتب تراه قليلا، غيرك سيتقبله ببالغ السرور.. قاعدة معمول بها في العديد من الكيانات الرأسمالية كبيرها وصغيرها، ومهما كانت المحاولات لتعديل هذا الشكل القبيح لتلك الحقيقة، فهي لن تغيّر من واقع أن الأمر أشبه بامتصاص الدماء.
3 جنيهات
المدرب: النادي مدين بـ10 ملايين جنيه إسترليني ويجب أن يقلل إنفاقه.
رئيس النادي: سنحضر متعهد طعام أرخص… ونمنح عمال النظافة رواتب شحيحة.
المدرب: ولكن رواتب اللاعبين أكثر من 100 مليون.
الرئيس: نعم، ولكن هذا أمر مختلف، إن لم ندفع لهم سيأخذهم الوكلاء للأندية المنافسة.
المدرب: هذا عادل بما فيه الكفاية، ادفع للاعبين كما يتطلب الأمر وتبا لعمال النظافة.
ما سبق كان حوارا تخيليا لإليس كاشمور أستاذ الثقافة والإعلام والرياضة بجامعة ستافوردشاير، توازيا مع ظهور حملة لجعل الأندية تتعهد بمنح العمال رواتب تكفي للعيش. بدأت الحملة عام 2008، وحققت انتصارها الأول عام 2013 حين بات مانشستر سيتي أول نادٍ ينضم إليهم، بعد أن واجهوا تجاهلا من كافة الأطراف ومن ضمنها رابطة البريميرليج نفسها في ذلك الوقت.
ما المشكلة؟ تأصيلا يتقاضى يايا توريه في ذلك الوقت 180 ألف جنيه إسترليني أسبوعيا، بينما يحتاج عامل النظافة بتلك الأندية إلى 13 عاما حتى يجمع الرقم ذاته، وفقا لتحالف المنظمات المدنية (مواطني المملكة المتحدة). في ظل هذا الفارق الخرافي في التكلفة، ألا يبدو غريبا بعض الشيء أن يحاول النادي توفير النفقات على حساب الطرف الأقل تكلفة؟
كان الحد المعيشي يبلغ في ذلك الوقت 7.65 جنيهات إسترلينية في الساعة للعاملين خارج العاصمة لندن، و8.80 جنيهات في الساعة للعاملين بداخلها. ولكن ريتشارد بوكو (19 عاما) والذي عمل في تقديم الطعام بملعبي آرسنال وتوتنهام، يقول إنه حصل على 6.19 جنيهات في الساعة. باختصار، خاضت الأندية كل هذا الضجيج لتوفير مبلغ أقل من 3 جنيهات في ساعة العمل لعمال الملاعب.
وفقا للسيد بوكو فإن أغلب المناوبات كانت مدتها 4 ساعات، أي إنها توفر 11 جنيها من العامل الواحد في الأسبوع (على فرض أن الملعب يشهد مباراة كل أسبوع)، وهو ما لا يوجد مجال لمقارنته مع 10 آلاف جنيه من راتب أي لاعب في الأسبوع نفسه، فلماذا؟ أغلب الأندية لا تتعاقد بشكل مباشر مع هؤلاء العمال بل مع متعهدين لاستقدامهم، وهم من يتعاملون معهم ماديا. هكذا فسر متحدث باسم كوينز بارك رينجرز هذا الأمر، كونه الوحيد الذي وافق على الحديث آنذاك.
بدأت الأوضاع بالتحسن، انضم مانشستر سيتي ووعد توتنهام بتعديل الأوضاع، أيضا ليفربول تعهد في نوفمبر/تشرين الثاني بأن كل العاملين لديه سيتقاضون الرقم الملائم. ولكن فجأة وقبل بضعة أيام كشفت صحيفة تيليجراف عن استمرار الوضع ذاته في ليفربول وبالذريعة نفسها “الطرف الثالث”. ارتفع الحد المعيشي إلى 8.75 جنيهات في الساعة، ولكن في ليفربول يحصلون على 7.38 فقط، أقل من الحد القانوني بـ1.37 جنيه. كل هذا الصخب بدأ بإعلان في الشوارع لأحد هؤلاء المتعهدين، عن وظيفة بالملاعب بهذا الراتب، والذي يرتفع إلى 7.83 لمن هم فوق 25 عاما، وهو ما تأكّدت الصحيفة من مصداقيته بإجراء مكالمة مع صاحب الإعلان.
في كمبوديا والدول المتقدمة
أديداس ونايكي، عملاقا الملابس الرياضية في العالم، يملكان مجتمعين حقوق 22 فريقا من أصل 32 شاركوا في كأس العالم الماضي، وبالطبع هم أكبر الأسماء: إنجلترا والبرتغال والبرازيل وألمانيا وإسبانيا والأرجنتين وغيرهم. هل يمكن تخيُّل حجم الأرباح المحققة من وراء ريادة تلك الصناعة؟ ببساطة هم يربحون ما دام للعبة مشجعين في أي مكان.
الكيانات التي نتحدث عنها تنقل مراكز تصنيعها من الصين بشكل تدريجي، فقط لأنها “باتت تُلزمهم بما يكفي من الرواتب لضمان حياة تحفظ لعائلات العمال كرامتهم”، وفقا لتقرير حملة “الملابس النظيفة” للمطالبة بحقوق العمال في مجال صناعة الملابس. الوجهة هي بلدان مثل إندونيسيا وكمبوديا وفيتنام، والسبب واضح: رواتبهم أقل.. أقل بكثير، دعنا من الفتات الذي وفرته أندية إنجلترا بالأعلى، نحن نتحدث عن بلدان تستسيغ انخفاض الرواتب بنسب تتراوح بين 45% و65% عن الحد المعيشي.
تسوق الحملة الدوافع نفسها وراء تلك السلوكيات المالية المجحفة لتلك الشركات: استمرارهم في الإنفاق على لاعبي الكرة بشكل كبير دون الالتفات للعمال. ولكن أديداس نفت أغلب تلك الاتهامات، صحيح أنها لم تنكر “عدم تحديدها للرواتب التي يمنحها الموردون للعمال”، ولكنها أكّدت اشتراطها لدفع الحد الأدنى القانوني، والذي أكّدت أن عمال إندونيسيا يحصلون على ما هو أكثر منه. أمامك تقرير الحملة ورد أديداس الرسمي، ولك الحرية في تصديق ما تراه مناسبا.
117 مليون يورو ثمن انتقال و30 مليون يورو راتبا سنويا، صفقة القرن ليوفنتوس الذي قفزت أسهمه إلى الأعلى بمجرد انتشار أخبار الصفقة وقبل الإعلان الرسمي حتى، مستقبل مشرق للبيانكونيري بتعاقده مع كريستيانو رونالدو. إذًا ما المشكلة؟ هي ليست مشكلة يوفنتوس، بل شركة فيات التي ساهمت بتمويل الصفقة مقابل الدعاية. صحيح أنهما كيانان منفصلان إداريا، لكن ملكيتهما تعود لمجموعة “إكسور”، أو بالأحرى آل أنييلي.
المشكلة هي أن تنفق كل تلك الأموال لشراء لاعب واحد مهما بلغت أهميته، وعمالك يقولون إنهم “لم يتلقوا زيادة في الراتب منذ 10 أعوام”، بينما يكفي راتب رونالدو لرفع راتب جميع العمال بمقدار 200 يورو شهريا. تصاعدت الاحتجاجات، وخرج اتحاد النقابات (USB) -نعم هذا اختصاره- ببيان يطالب فيه الشركة بضمان مستقبل آلاف البشر عوضا عن إثراء شخص واحد.
“من غير المقبول أن يتم إنفاق الملايين لشراء لاعب بينما يقوم عمال فيات كرايسلر بتضحيات اقتصادية ضخمة”. هكذا برر (USB) دعوته للإضراب في مصنع ميلفي (المسؤول عن إنتاج فيات بونتو و500 إكس) في جنوب إيطاليا، وسط توقعات بضعف تأثيره، كون المصنع واحدا من 7 مصانع لفيات في إيطاليا، وكون (USB) نفسه لا يمثل الكثير من عمال فيات.(7) وصراحة مهما كانت التوقعات سيئة لهذا الإضراب، فإنها ما كانت لتصبح أسوأ من الواقع: 5 عمال فقط حضروا للتظاهر. 0.3% من مجموع 1700 عامل في المناوبة الأولى لمصنع ميلفي!
ضمن المطالب العمالية -أو الموجهة ممن يتحدثون باسم العمال- أن تتجه الشركة لإصلاح أوضاعها في الأسواق الإيطالية، والتي شهدت تراجعا نتج عن قلة الأنواع الجديدة، وعليه فإنه من الأفضل أن يتم استثمار تلك الأموال في النهوض بالشركة بدلا من إنفاقها لضم رونالدو.
لا يملكون شيئا لفعله، الأمر واضح ونتيجة الإضراب خير دليل، فهل يحق لهم سؤال المالك عما يفعله بأمواله؟ قانونا لا يحق لهم ذلك، ولكن إنسانيا لا بأس إن منحهم القليل من أرباحه الخرافية، لن يؤثر به الأمر ولكنهم سيتأثرون كثيرا، لن يعجز عن دفع فاتورة الكهرباء بإنفاقه هذا القليل، ولن يعجزوا هم أيضا، ولكن بحصولهم عليه.
ماذا إن كان للمالك وجهة نظر أعمق من تلك النظرة السطحية؟ يقول الخبير الاقتصادي الكروي روب ويلسون إن يوفنتوس سيجني من وراء رونالدو أموالا أكثر مما يكفي لتغطية ثمن انتقاله وراتبه، إذ يمثل إضافة فنية وتسويقية كبيرة للنادي، وهو ما يعني المزيد من الرعاة والمزيد من أموال البث التلفزيوني والمزيد من جوائز الألقاب.
حتى وإن كان هذا ما سيحدث بشكل مضمون، تظل كل تلك الأرباح موجهة لإثراء شخص واحد ثري بالفعل، بما يمكن به تحسين معيشة الآلاف في الطبقات العاملة، سواء كان الشخص هذا هو أنييلي أو رونالدو. هنا مكمن جفاف الرأسمالية، فالمالك الواحد للنادي والشركة يرى أن المكاسب المادية والترويجية من دفع كل تلك الأموال لأجل هذا الفرد الواحد، أهم من الالتفات لحياة العمال المتوفرين بكثرة، وربما أهم من صناعة السيارات نفسها.