مبادرة لإنقاذ الاقتصاد: التفاصيل الكاملة لجهود “غريفيث” لعقد لقاء نيروبي بين الاطراف اليمنية
في وقت تنشغل السعودية بأزمتها الناتجة من مقتل الصحافي جمال خاشقجي، يحثّ مارتن غريفيث الخطى نحو تحقيق اختراق في جدار الأزمة، ولو في الشقّ الاقتصادي، أملاً في إنجاز شيء من إجراءات «بناء الثقة»، قبيل الجولة التفاوضية المرتقبة مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر
اقتصاد/تقرير: رشيد الحداد / وكالة الصحافة اليمنية//
يقود المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، منذ أسابيع، مساعي حثيثة لوقف التدهور الاقتصادي في هذا البلد، مُحاوِلاً إحداث اختراق في مسار المفاوضات، من طريق حلحلة الأزمة الاقتصادية الناتجة من إقحام تحالف العدوان البنك المركزي في الصراع، وتحويله إلى أداة حرب اقتصادية مُوجّهة ضد الشعب اليمني.
ويأتي تحرك غريفيث عقب تدهور سعر العملة اليمنية بصورة حادّة أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، الذي فقدت خلاله 44% من قيمتها الشرائية في أيام عدة.
وعلى رغم أن الجهود التي يقودها غريفيث في سبيل تحييد الاقتصاد، وإطلاق إجراءات «بناء الثقة» قبيل جولة المشاورات الجديدة المنتظرة مطلع الشهر المقبل، تتّسم بالجدّية، إلا أنها لا تزال حتى الآن تدور في إطار مقترحات ستُعرض على طرفَي الصراع، في لقاء من المتوقع عقده خلال الأيام المقبلة في العاصمة الكينية نيروبي، برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة صندوق النقد والبنك الدوليين.
ووفقاً لمصادر اقتصادية، فإن المبعوث الأممي طلب مساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين في الدفع نحو الاتفاق على «هدنة اقتصادية» ملزمة للطرفين، وإعادة المساعدات والمنح المُقدّرة بنحو مليار دولار والمُتوقّفة منذ آذار/ مارس 2015 لتحفيز الاقتصاد.
وأشارت المصادر إلى أن غريفيث أجرى محادثات مع مسؤولي المؤسّستَين الماليتَين في واشنطن الأسبوع الماضي، وتدارس معهم تلك المقترحات استعداداً لطرحها في لقاء نيروبي، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن وقف تدهور سعر صرف العملة، وتوحيد القنوات الإيرادية المنقسمة، وإعادة صرف رواتب موظفي الدولة، وإعادة إنتاج النفط والغاز للتغلب على أزمة السيولة النقدية من العملات الصعبة، وإعادة النفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة.
وأكد مصدر في «اللجنة الاقتصادية العليا» في العاصمة صنعاء «تأييد اللجنة جهود المبعوث الأممي»، مشيراً إلى أن «الهدف الرئيس من تحييد الاقتصاد وقف سياسة التجويع التي يستخدمها تحالف العدوان، وإسقاط الورقة الاقتصادية من يده». ولفت إلى أن «ما حدث من تدهور حاد كان نتيجة الحرب الاقتصادية التي يستخدمها العدو وأدواته في سبيل تركيع الشعب اليمني»، مضيفاً أن «حكومة المجلس السياسي الأعلى عملت على مدى الفترة الماضية من أجل تحييد الاقتصاد، إلا أن مرتزقة العدوان رفضوا كافة الحلول والمبادرات، وعملوا على تشديد الحصار».
وحول المقترحات التي يحملها غريفيث، أكد مصدر مقرب من «أنصار الله»، أن الناطق الرسمي للحركة محمد عبد السلام، وعضو «المجلس السياسي الأعلى» عبد الملك الجعري، اطلعا على تلك المقترحات خلال اللقاء الأخير الذي جمعهما بغريفيث في مسقط الشهر الجاري، مُتوقّعاً أن يمثّل عبد السلام والعجري «أنصار الله» في لقاء نيروبي.
يُنتظر أن تستضيف نيروبي لقاءً ترعاه الأمم المتحدة سعياً لـ«هدنة اقتصادية»
وبالتزامن مع تكثيف غريفيث جهوده لتحييد الاقتصاد، بدأت حكومة الرئيس المنتهية ولايته وضع العراقيل أمام أيّ حلول متوقّعة في هذا الجانب، حيث ادعت خلال اليومين الماضيين نجاحها في إعادة ثقة القطاع الخاص والمؤسسات الإيرادية والمصارف بالبنك المركزي في عدن، وزعمت أنها تمكّنت من إعادة الدورة النقدية للبنك للمرة الأولى منذ قرار نقله من صنعاء. ادعاءات تستبطن رفضاً لمساعي إعادة البنك إلى صنعاء، وهو المطلب الذي طرحته «أنصار الله»، مُبرِّرة إياه بعدم وجود بنية تحتية للبنك في عدن، وغياب البيئة الآمنة في ظلّ سيطرة المليشيات التابعة للإمارات على المدينة، فضلاً عن غياب القدرات الفنية والإدارية اللازمة.
وكانت حكومة هادي قابلت المبادرة التي أطلقها زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، لتحييد الاقتصاد، مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، بوضع شروط مستحيلة التنفيذ. إذ، وفي قبالة دعوة مبادرة «أنصار الله» إلى تسليم إدارة السياسة المالية والنقدية لجهة محايدة تعمل تحت إشراف أممي، اشترطت حكومة هادي على صنعاء الاعتراف بشرعيتها، وتخويلها حق إدارة الموارد العامة للدولة.
وتتناغم جهود المبعوث الأممي مع مبادرة القطاع الخاص، الذي دعا إلى تجنيب الاقتصاد ويلات الصراع، كشرط أساسي لصمود هذا القطاع أمام الأخطار والتهديدات التي يتعرّض لها، خصوصاً أنه هو من يتولّى إدارة الاقتصاد عملياً، في ظلّ تهالك قدرات حكومتَي صنعاء والرئيس المنتهية ولايته المالية، وعدم قدرتهما على الوفاء بالتزاماتهما تجاه المواطنين. وتسبّب إقحام البنك المركزي في الصراع بخسارة الدولة 40.4 مليار دولار، نتيجة انخفاض إيراداتها العامة خلال الفترة الواقعة ما بين 2015 و2018، وفقاً لتقرير حديث صادر عن وزارة المالية في صنعاء، أكد أيضاً انخفاض إجمالي النفقات العامة للدولة بنحو 31 مليار دولار خلال الفترة نفسها، وأشار إلى انخفاض متحصّلات الاقتصاد اليمني من النقد الأجنبي بما نسبته 57%.
وجراء ذلك، فقدت السلطات قدرتها على إدارة الاقتصاد، مما أدى إلى قيام القطاع الخاص بهذه المهمة منذ أكثر من عامين، في ظلّ انقسام سياسي حادّ تسبّب بخسائر فادحة لهذا القطاع من جانب، وارتفاع فاتورة الإيرادات العامة للدولة من جانب آخر.
ومع تفاقم تلك التداعيات، أعلنت الغرف الصناعية والتجارية في العاصمة صنعاء في تموز/ يوليو الماضي مبادرة لإنقاذ القطاع الخاص، طالبت فيها بضمان حرية النقل البري والبحري والجوي، وتسهيل حركة التجارة الخارجية عبر فتح المنافذ، واستعادة الطاقة التشغيلية الكاملة للموانئ، وتحييد الإيرادات العامة للدولة والبنك المركزي، واستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز، ورفع القيود المفروضة على التحويلات المالية كضرورة لتحقيق استقرار سعر صرف العملة المحلية، وتوفير العملات الصعبة في السوق المحلية لتغطية الواردات.
الأخبار اللبنانية