تحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تجدِ نفعاً عبر التاريخ الحديث ولم يحصل أي تطور في هذه المفاوضات طوال العقود الثلاثة الماضية، وفي كل مرة كانت تتأزم فيها الأوضاع أكثر فأكثر وكأن المفاوضات محكوم عليها بالفشل الدائم سواءً أكان الوسيط عربياً أم غربياً، عمانياً أم مصرياً، أمريكياً أم أوروبيا.
“إسرائيل” في الحقيقة لا تريد إعطاء أي شيء والفلسطيني لا يمكنه التنازل أكثر من تنازله عن حدود 1967
ومنذ بداية المفاوضات التي كانت تخلّ بها “إسرائيل” وحتى اليوم الإسرائيليون يضغطون على الفلسطينيين للرضوخ بما هو أقل من 1967وصفقة القرن خير مثال على ذلك.
ولكي نعرف ما مصير أي مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية قادمة علينا أن نمر على المحطات التاريخية المهمة في هذه المفاوضات لنعرف مدى إمكانية تحقيقها في المستقبل القريب.
في العام 1967 أصدر مجلس الأمن قراراً حمل رقم “242” وتضمّن القرار انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير، وقد حذفت “ال” التعريف من كلمة “الأراضي” في النص الإنجليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار، وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمناً بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين، ويشكّل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.
فيما بعد شكّل المسار التفاوضي الذي سلكته “إسرائيل” مع مصر، ولاحقاً الأردن، أنموذجاً لمسار مماثل مع الفلسطينيين ساهم قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي صدر في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 في تعزيزه عبر معادلة “الأرض مقابل السلام”.
اتفاقيات كامب ديفيد 1978
تمثّلت بداية المفاوضات المباشرة والعلنية مع الكيان الصهيوني بين مصر و”إسرائيل” في اتفاقية كامب ديفيد في 17 كانون الأول/سبتمبر 1978 والتي كان فيها إقرار الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط .
وتعدّ اتفاقية كامب ديفيد أهم الاتفاقيات في مسار الصراع العربي الإسرائيلي لأنها أول اتفاقية رسمية بين دولة عربية وإسرائيل، وأدت إلى تحييد مصر في الصراع.
فيما بعد بدأت أعمال مؤتمر مدريد برعاية أمريكا والاتحاد السوفييتي الذي يهدف إلى استلهام المعاهدة بين مصر وإسرائيل من خلال تشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، شارك الفلسطينيون أيضاً في هذا المؤتمر من خلال وفد مشترك مع الأردن وليس بوجود ياسر عرفات أو قادة آخرين في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت إسرائيل ترفض مشاركتها في المؤتمر.
وأسس مؤتمر مدريد لمبدأ الأرض مقابل السلام، ليشكّل اتفاق أوسلو الذي عقد سراً في أوسلو (النرويج) ونشرته بعض وسائل الإعلام قبل الإعلان عنه وتوقيعه رسمياً في واشنطن يوم 13 سبتمبر/أيلول، تعتبر اتفاقية أوسلو أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
وحاولت مفاوضات أوسلو معالجة العنصر الغائب عن جميع المحادثات السابقة وهو إجراء مباحثات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين مثلتهم منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تمثلت أهمية هذه المباحثات في التوصل إلى اعتراف نهائي متبادل بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ونص اتفاق أوسلو على انسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من الضفة الغربية وغزة وإنشاء “سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة” لمرحلة انتقالية تستغرق خمس سنوات على أن تُتوج بتسوية دائمة بناء على القرار رقم 242 والقرار رقم 338.
ولم تقبل حركة حماس ومجموعات الرفض الأخرى اتفاق أوسلو وبدأت في شن عمليات ضد الإسرائيليين، كما عارضت المجموعات التي يقودها المستوطنون داخل إسرائيل اتفاق أوسلو. حيث نُفذ اتفاق أوسلو بشكل جزئي فقط.
جاء بعد ذلك اتفاقية غزة أريحا 1994، لتتبعها اتفاقية وادي عربة 1994 التي تمت بين الأردن وإسرائيل، ورغم أن الجانب الفلسطيني لم يكن طرفاً في هذه الاتفاقية، إلا أنها أثّرت بشكل واضح على المسار التفاوضي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وعزّزت الأوراق الإسرائيلية على طاولة المفاوضات.
تبع ذلك اتفاقية كامب ديفيد 2000، وبُذلت محاولات عديدة خلال هذه الاتفاقية لتسريع الانسحاب وإقامة سلطة الحكم الذاتي كما نص على ذلك اتفاق أوسلو (بما في ذلك اتفاقية طابا في عام 1995، اتفاقية وادي ريفير في عام 1998 واتفاقية شرم الشيخ في عام 1999)، ثم سعى الرئيس كلينتون إلى معالجة ملفات الوضع النهائي بما في ذلك مشكلة الحدود ووضع القدس واللاجئين التي لم تشملها اتفاقية أوسلو وتركتها ريثما تتم مفاوضات مستقبلية بين الطرفين.
وجرت المفاوضات في يوليو/تموز بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، لكنها لم تنته إلى اتفاق معين بالرغم من أنها تناولت قضايا تفصيلية أكثر من قبل، تمثلت المشكلة الأساسية في أن أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل يقل عن الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون، باءت القمّة بالفشل في إيجاد حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بعد أن دامت القمة لمدة أسبوعين دون نتيجة.
ثم جاءت مفاوضات طابا وفشلت نظراً لوجود “ثغرات كبيرة” بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص كانت قضايا اللاجئين والقدس أبعد ما يكون عن التوصل إلى القرار كعهدها السابق.
في الحقيقة فشل بيل كلينتون وجورج بوش في الولايات الأربع السابقة، ليأتي الدور على الرئيس الجديد باراك أوباما الذي قدّم نفسه كرجل سلام، بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولايته الرئاسية الأولى بحماس شديد للعملية السلمية في الشرق الأوسط، فكان أول نشاط ذي طابع دبلوماسي يقوم به إثر تسلم منصبه هو تعيينه جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً لهذه المفاوضات دون تحقيق تقدّم ملموس.
وفي 1 مايو/أيار 2014، دعا وزير خارجية أمريكا في عهد اوباما كيري إلى “وقفة لتقييم المفاوضات” الفلسطينية الإسرائيلية بعد فشل مساعيه في التوصل إلى اتفاق سلام بنهاية أبريل/نيسان 2014، واعتبر أن المفاوضات حققت منذ استئنافها قبل تسعة أشهر “تقدماً لا يمكن التراجع عنه، ولهذا السبب أعتقد أن أفضل ما يمكن فعله الآن هو أن نتوقف ونلقي نظرة واقعية على هذه الأمور، ونبحث عمّا هو ممكن وما هو غير ممكن في الأيام القادمة”، في 4 مايو/أيار2015، يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر-في مقابلة مع صحيفتيْ فايننشال تايمز البريطانية وفرانكفورتر تسايتونغ الألمانية-: إن مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية “قضية ميتة”، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو غير مستعد لقبول قيام دولة فلسطينية، وأكد أن “نفوذ أمريكا في القدس ورام الله في أدنى مستوياته الآن”، انتهت حقبة أوباما كسلفيه كلينتون وبوش دون تحقيق الفلسطينيين أيّ مكاسب من المفاوضات في ظل مواصلة الكيان الإسرائيلي عمليات الاستيطان.
جاء بعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاملاً في جعبته “صفقة القرن” ناقلاً سفارة بلاده إلى القدس ناسفاً بذلك بريق أمل للفريق الفلسطيني المفاوض.
المصدر : الوقت التحليلي