بين خسارة كل شيء والعقوبة.. بن سلمان في مأزق
تقرير/ وكالة الصحافة اليمنية قالت مضاوي الرشيد، الأكاديمية المتخصصة في الاقتصاد، بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن، أنه بات من المؤكد أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد تنفس الصعداء عند شعوره المؤقت بالارتياح بعدما صدر بيانان عن مقتل جمال خاشقجي في نفس اليوم. لم يتطرق أيٌّ منهما إلى اسمه، وبالتالي أعفياه من […]
تقرير/ وكالة الصحافة اليمنية
قالت مضاوي الرشيد، الأكاديمية المتخصصة في الاقتصاد، بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن، أنه بات من المؤكد أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد تنفس الصعداء عند شعوره المؤقت بالارتياح بعدما صدر بيانان عن مقتل جمال خاشقجي في نفس اليوم.
لم يتطرق أيٌّ منهما إلى اسمه، وبالتالي أعفياه من أيِّ مسؤولية عن عملية القتل في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول. وقالت في مقالة لها نشرها موقع The Middle East Eye البريطاني أن كلا من دعوة النائب العام السعودي لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق خمسة من أعضاء فريق الاغتيال الذي أُرسِل لقتل خاشقجي، وإعلان وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات ضد شخصيات رئيسية متورطة في القضية، يوفران، استراتيجية خروج لولي العهد المُحاصَر في الأزمة والذي أصبح اسمه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بعملية القتل. لكنَّ الخروج قد لا يكون سهلاً كما كان يتصوَّر.
وتطرقت إلى بيان النيابة السعودية، وقالت، إن وكيل النائب العام السعودي، شلعان بن راجح بن شلعان، أصدر بياناً عن نتائج التحقيق في مقتل خاشقجي، في مؤتمر صحفي عُقِدَ في الرياض. وكشف أنَّ الشخص الذي أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض الذي أرسله نائب رئيس الاستخبارات العامة، اللواء أحمد عسيري، إلى إسطنبول لإجبار خاشقجي على العودة إلى السعودية من منفاه الاختياري.
وأشار إلى فريق تشكَّل من ثلاث مجموعات (تفاوضي-استخباري-لوجيستي) أُرسل لإقناع خاشقجي وإعادته للوطن. وشملت المهمة أفراداً كانوا جاهزين لحقن المجني عليه، وبالتأكيد استُخدِمَت القوة لمحو آثار القتل، والتخلص من الجثة، وتنظيف موقع الجريمة. ودعا النائب العام لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق خمسة أشخاص اعترفوا بالجريمة. وكانت هناك أيضاً شخصيةٌ إعلامية لم يُذكَر اسمها، يُزعَم أنَّها كانت على معرفةٍ بالضحية بجانب المتعاون الذي تخلَّص من الجثة. وبدا البيان وكأنَّه يروي فيلم رعب فشَلَ بشكلٍ رهيب، قام بأدائه طاقم ممثلين وحشيين، وأخرجه مخرج مجهول الاسم حسبما قالت مضاوي الرشيد في مقالها في موقع The Middle East Eye البريطاني
فولي العهد يواجه مأزقاً كبيراً
مضاوي الرشيد أشارت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يواجه الآن مأزقاً كبيراً. وتساءلت: هل سيُقَدِّم القتلة الخمسة للعدالة ويعدمهم لارتكابهم الجريمة مثلما طلب النائب العام؟ أم سيحميهم مقابل تنفيذهم الأوامر؟ حسناً، سيواجه مأزقاً كبيراً في كلتا الحالتين. فإذا أعدم محمد بن سلمان القتلة، فسوف يُذكَر بأنَّه الشخص الذي أنصف العدالة السعودية في استنتاجاتها المنطقية.
وسوف يعفيه إعدام القتلة الخمسة من أي مسؤولية على الأقل في الوقت الحالي، لكنَّ هذا سيبعث برسالة خطيرة ومزعجة لأكثر مُعاونيه إخلاصاً وطاعة، وهم أجهزة الاستخبارات والأمن وفرق الاغتيال التي ربما يكون تولى رعايتها. قتل خاشقجي شيء، وإعدام خمسة من عملائه المقربين شيء آخر.
ربما توقع هؤلاء العملاء الحصول على الميداليات كمكافأة على «تخليص الأمير من ذلك الصحفي المزعج» بدلاً من الإعدام الدراماتيكي في ساحةٍ عامة بالرياض. وقالت إن الإعدام العلني لعناصر أمنية وموالين لوليّ العهد يعني أنَّه في حالة حدوث المزيد من الفضائح، التي تنطوي على استخدام مفرط للقوة أو عمليات قتل، فإنَّ هؤلاء وحدهم هم من سيقع عليهم اللوم. وأولئك الذين يُصدِرون لهم الأوامر سيظلون محميين. في الواقع، أولئك الذين يأمرونهم بإعادة المعارضين إلى البلاد أو القضاء عليهم، سوف يأمرون أيضاً بإعدامهم إذا أصبحوا مصدرَ إحراجٍ عام.
النظام السعودي سوف يضحي بالمزيد من أكباش الفداء
مضاوي الرشيد، ذهبت الى أنَّ بقاء النظام السعودي سيعتمد على التضحية بأكباش الفداء، فهذه الأكباش أصبحت ضرورية لبقاء النظام بينما يستمر في الحكم بواقع التخويف، والقتل في نهاية المطاف. يعكس عدم تسامح النظام مع منتقديه أساساً مهتزاً لا يعتمد إلا على بث الخوف في النفوس. أي نظام يتسم بالثقة والقوة ليس مجبراً على إسكات جميع أصوات المعارضة باستخدام العنف. إذا أُعدِم هؤلاء القتلة الموالون، سيعيد العملاء المستقبليون التفكير في مصداقية النظام الذي يعملون لصالحه. ليس هناك ما هو أكثر إثارة للقلق من إطاعة أوامر بالقتل، ثم تذهب حياتك هباءً بسبب انصياعك لهذه الأوامر.
وأشارت إلى أنه لا يمكن لمجتمع الاستخبارات والأجهزة الأمنية السعودية ببساطة التغاضي عن هذا الحادث، ومواصلة احتضان محمد بن سلمان بشكلٍ كامل، وهو الذي أظهر تجاهل تام لسلامتهم وتحصينهم من العقاب. سيعرفون أنَّه في نهاية المطاف، هم الذين سيدفعون ثمن العمليات التي تتعرض للفشل. فقد يُجبَر محمد بن سلمان على اتباع حكمة مكيافيلي في الوقت الذي يواجه فيه قراراً صعباً. سوف يتعلم أنَّ «بعض الفضائل قد تحظى بالإعجاب لذاتها، ولكن بالنسبة للأمير فإنَّ تصرفه وفقاً للفضيلة هو في غالب الأمر ليس في مصلحة الدولة». وفي حالة محمد بن سلمان، الذي يُمثِّل الدولة، قد لا تُعزِّز فضيلته سلطته في الحكم، بل أن تُقوِّضها، لأنَّه سيفقد ثقة من هو في أمسِّ الحاجة إليهم، وهم أجهزة استخبارات الدولة العميقة وفرق الاغتيال التابعة لها.
إذا اختار محمد بن سلمان ألا يعدم القتلة، سيترك بذلك السؤال عمَّن أمر بالقيام بالمهمة يُخيِّم عليه. والتخاذل عن إعدام القتلة سيظل يضعه في مركز التحقيقات، باعتباره الشخص الوحيد الذي كان بمقدوره الأمر باختطاف خاشقجي أو القضاء عليه. وقالت مضاوي الرشيد، سيظل ولي العهد مُتَّهَماً أولاً بنفي مسؤوليته عن جريمة القتل، وثانياً بحماية أولئك الذين يطيعون أوامره حتى لو كانوا قتلة.
الوجه العام للمملكة العربية السعودية
هل يمكن لمحمد بن سلمان إذن أن يكون الوجه العام للمملكة السعودية بعد أن ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بجريمة بشعة أثارت غضب العالم؟ وبينما يُفكِّر الأمير في هذه القرارات الصعبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً فرضت فيه عقوباتٍ اقتصادية على 17 مسؤولاً سعودياً قالت إنَّهم «استهدفتوا خاشقجي وقتلوه بوحشية».
وفي وقتٍ لاحق قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إنَّ العقوبات كانت «خطوة مهمة في الرد على مقتل خاشقجي»، وتعهد «بالاستمرار في البحث عن كل الحقائق ذات الصلة والتشاور مع الكونغرس والعمل مع الدول الأخرى لإخضاع المتورطين في مقتل خاشقجي للمساءلة». ورحب بومبيو باستنتاجات النائب العام السعودي، وبالتالي عزَّزَ مصداقيتها، وأظهر دعماً كاملاً لأي استراتيجية خروج من شأنها أن تُبقي على محمد بن سلمان في السلطة، وإن كانت مُشوَّهةً ومُلطَّخةً بفضيحة إسطنبول.
دوافع ولي العهد لاختطاف المعارضين
تساءلت مضاوي الرشيد في مقالتها، عن السؤال المحوري حول السبب الذي دفع محمد بن سلمان، أو أياً من العملاء الخاضعين لأوامره، لتدبير خطف أو قتل المعارضين في الخارج. هذا القرار خطير ويجب أن يكون أهم سؤال ينبغي على النظام السعودي -ومحمد بن سلمان على وجه الخصوص- الإجابة عنه. فأشارت تسريبات لتسجيلات صوتية أنَّ ماهر عبد العزيز مطرب، الذي كان ضمن فريق القتل المؤلف من 15 عضواً الذي أُرسل إلى تركيا لقتل خاشقجي، أخبر أحد مساعدي ولي العهد بأن «يُخبر رئيسه» بعد مقتل خاشقجي. في حين أنَّ العالم، وخاصة عائلة خاشقجي، قد لا يشهدون تحقيقاً مستقلاً تديره الأمم المتحدة، فإنَّ مقتل الصحافي سيظل يلاحق النظام السعودي في المستقبل المنظور.